مع دخول الأزمة الروسية-الأوكرانية شهرها الثاني، السؤال الذي يطرحه الجميع هو: كيف ستنتهي هذه الأزمة؟
دون شك، لا يعرف أحد إلى الآن الإجابة الدقيقة عن هذا السؤال، فالتوقع بانهيار دراماتيكي سريع للحكومة الأوكرانية لم يكن دقيقا، كما أن الحديث عن "مقاومة أوكرانية" تؤدي إلى إفشال العملية الروسية لا يبدو منطقيا، خاصة في ظل الفارق الكبير في موازين القوة لصالح روسيا، ولعوامل أخرى لها علاقة بالأسباب التي أطلقت موسكو من أجلها عمليتها العسكرية، بعد أن وجدت نفسها أمام سعي غربي حثيث لتحويل أوكرانيا إلى منصة إطلاق ضدها، من بوابة ضمها إلى حلف الأطلسي "الناتو".
وعليه، فإن التوقعات، التي رجحت اكتساحا روسيا خلال أيام، أو العكس، كانت أقرب إلى الرغبوية في ممارسة السياسة وطرح الأمنيّات.
بعد مرور شهر على هذه الأزمة، تبدو روسيا كأنها في موقع فرض شروط على أوكرانيا المستقبل في أي تسوية مقبلة، فيما لا يجد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في نداءاته اليومية للغرب، وتحديدا للأطلسي، بالدخول إلى جانبه في هذا النزاع، أي صدى، ولعل الكلمة الوحيدة التي تأتيه ردا على هذه النداءات هي "عدم التورط المباشر مقابل الاستمرار في دعمه"، وهو "دعم" لن يسعفه إلى ما لا نهاية في مواجهة العملية العسكرية الروسية، وعزم موسكو على تحقيق أهدافها المعلنة، فيما يبدو الغرب كأنه استنفد حملة العقوبات الشديدة، التي فرضها على روسيا، بل ثمة بوادر تشير إلى تباينات قوية -إلى حد الخلافات- في مواقف الدول الأوروبية بشأن كيفية التعامل مع روسيا في هذه الأزمة، خاصة أن الوقائع تشير إلى صعوبة استغناء بعض هذه الدول عن الغاز الروسي، الذي يشكل شريانا حيويا لمقومات الحياة في عدد من هذه الدول.
في ظل المعطيات السابقة، ثمة من يرى أن هذه الأزمة محكومة بالتسوية، تسوية تقوم على إبقاء الحكومة الأوكرانية الحالية، مقابل تحديد خياراتها السياسية المستقبلية، بمعنى أوضح، تخلّي أوكرانيا والغرب عن خيار ضمها إلى عضوية حلف الأطلسي، على اعتبار أن هذا الخيار يشكل "خطا أحمر روسيا"، فضلا عن جملة شروط روسية تتعلق باعتراف كييف بـ"السيادة الروسية على شبه جزيرة القرم"، التي ضمّتها سابقا، و"الاعتراف باستقلال جمهوريتي لوهانسك ودونيتسك" في حوض دونباس، ووضع معايير للقوة العسكرية الأوكرانية المستقبلية.
وهنا تبدو مؤشرات قوية من الأطراف المعنية للتوجه نحو تسوية منشودة، فالرئيس الأوكراني "زيلينسكي" لم يعد يتمسك بخيار السعي لعضوية الأطلسي، وينشد يوميا اللقاء مع الرئيس بوتين، فيما الأخير يُبدي استعداده للقاء بشروط، ويشير إلى قبوله بـ"حكومة أوكرانية محايدة" في كييف، والغرب، الذي حرّض "زيلينسكي" ضد موسكو، يناشد الصين بوصفها قوة مؤثرة للتدخل من أجل دفع محادثات التسوية إلى الأمام.
في الواقع، من الصعب الجزم بأن سيناريو الهزيمة أو الانتصار يصلح للأزمة الروسية-الأوكرانية، فمن هذه المعادلة يكتسب سيناريو التسوية شرعيته، كسنياريو وحيد يشكل مخرجا لهذه الأزمة، التي شكلت تهديدا للأمن العالمي، وأوحت بنظام عالمي جديد لم تتوفر مقوماته في ظل موازين القوى الحالية، وصعوبة تغييرها، أو قلبها لصالح هذا الطرف أو ذاك.. فهل باتت التسوية خيارا وحيدا للأزمة بعد كل هذه التداعيات المدمرة على البلدين والأمن الغذائي للعالم؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة