حسابات المصالح.. إلى أين تميل كفة الصين في الأزمة الأوكرانية؟
مع إبداء روسيا وأوكرانيا استعدادهما الذهاب إلى بكين لإيجاد حل للصراع الحالي بينهما عبر الحوار، يتكشف لنا أن الصين بيدها محركات المشهد.
على عكس الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي بدا مذهولًا تجاه العملية العسكرية التي شنتها روسيا في الأراضي الأوكرانية ولا تزال مستمرة، وتفضيله أيضًا عدم التعليق على ما إذا كان سيتشاور مع بكين لرأب الصدع والبحث عن حلول عاجلة، دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ نظيريه الروسي والأوكراني لمفاوضات عاجلة، وكأن الصين باتت هي دولة النفوذ الأقوى سياسيًا واقتصاديًا في العالم، وبيدها إعادة السلام للمحور الشرق أوروبي.
لكن هنا يظهر تساؤلًا مُلحًا: إلى أي طرف تميل كفة الصين في الصراع الحالي؟ إلى روسيا، أم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؟.. هذا ما سنحاول الإجابة عنه عبر العرض الموجز التالي للعلاقات الاقتصادية للصين مع روسيا، وكذلك مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا.
أوروبا وأمريكا الأكثر أهمية اقتصاديًا للصين
بما أنَّها مورد مهم للطاقة إلى الصين؛ رسخت روسيا علاقاتها التجارية مع بكين خلال العقد الماضي. وبرغم ذلك؛ فإنَّ الأهمية الاقتصادية لروسيا تتضاءل بالمقارنة مع الدول الغربية، التي تعتبر زبائن تصدير أكبر بكثير للصين، كما أنَّها مصادر أساسية للتكنولوجيا والاستثمار، وتتحكم أيضاً في وصول الصين إلى نظام الدولار الدولي.
وتعد الصين الشريك التجاري العالمي الأول للاتحاد الأوروبي، حيث بلغ حجم التبادل التجاري نحو 828.1 مليار دولار في 2021. فيما تعد الولايات المتحدة الشريك التجاري الأول للصين، وقد سجل عام 2021 تبادلًا تجاريًا بين البلدين بنحو 755.6 مليار دولار.
قال إيكا كورهونين، رئيس معهد "بنك فنلندا للاقتصاديات الناشئة"، والمتخصص في تحليل الصين وروسيا: "على صعيد الصين؛ تعتبر العلاقة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي أكثر أهمية بكثير من العلاقات مع روسيا". ويدعم ذلك عملية اتخاذ القرار الحذر حيال ما يجري في أوكرانيا".
في الوقت الراهن، وعدت الصين بالإبقاء على التجارة بصورة طبيعية مع كل من روسيا وأوكرانيا، برغم تشديد العقوبات من قبل الولايات المتحدة، وأوروبا، وحلفاء غربيين آخرين، وكذلك من قبل اقتصادات آسيوية على غرار اليابان وتايوان.
رواج التجارة بين الصين وروسيا منذ 2014
أسس البلدان علاقتهما الثنائية على أرضية أكثر متانة في عام 2014 عقب فرض روسيا سيادتها على شبه جزيرة القرم. اتفق الرئيسان فلاديمير بوتين وشي جين بينغ في ذلك التوقيت على "عهد جديد من الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا"، علاوة على توقيع اتفاقيات متعلقة بقطاعات الطاقة، والكهرباء، والطيران، والاتصالات السلكية واللاسلكية، ومجالات أخرى.
منذ ذلك الوقت؛ حققت الواردات الصينية من روسيا قفزة لترتفع إلى مستوى قياسي بقيمة 79 مليار دولار خلال السنة الماضية، مدعوماً في الأغلب بمشتريات الطاقة. تعتبر الصين سوقاً رئيسية بالنسبة لروسيا، إذ قامت بشراء 17% من صادراتها في سنة 2020، لتأتي بعد أوروبا فقط في الترتيب.
كما شهدت الصادرات الصينية إلى روسيا تحقيق رقم قياسي خلال السنة الماضية، برغم أنَّ روسيا لا تمثل سوى 2% من الشحنات، وهي تمثل نفس القدر الذي تشتريه أستراليا، وهي نسبة أقل بكثير من حصة الولايات المتحدة التي تبلغ 17%.
وخلال اجتماع جمع بين شي وبوتين في وقت سابق من شهر فبراير/شباط 2022 عُقد في بكين؛ قال الرئيس الصيني، إنَّ البلدين يتعيّن عليهما محاولة زيادة التجارة الثنائية لتصل إلى 250 مليار دولار بدلًا من 140 مليار دولار سجلتها خلال السنة الماضية.
برغم ذلك، فيما يتصل بالاستثمار الأجنبي المباشر؛ كان حجم التدفقات الصينية إلى روسيا متراجعاً تماماً بصفة عامة.
تراجع الدولرة بالمعاملات الصينية الروسية
وتبذل روسيا جهوداً من أجل الحد من دور الدولار في اقتصادها وتجارتها منذ توقيع العقوبات عليها بسبب أزمة شبه جزيرة القرم. تراجعت حصة الدولار من احتياطيات النقد الأجنبي في روسيا التي تبلغ 640 مليار دولار لتصل إلى 16% في سنة 2021 بدلاً من 46% في سنة 2017.
بالمقارنة مع ذلك؛ صعدت حصة اليوان في الاحتياطيات الأجنبية الروسية إلى نسبة 13% بدلاً من نسبة بلغت أقل من 3%، في حين زادت حصة اليورو إلى نسبة 32% عوضاً عن 22%.
وتراجعت أيضاً هيمنة العملة الأمريكية على مدفوعات التجارة الروسية؛ إذ وصلت النسبة 56% من عائدات الصادرات بالدولار خلال النصف الأول من العام الماضي، منخفضة عن نسبة 69% التي سجلتها في سنة 2016، بحسب دراسة لخبيرة الاقتصاد في مجموعة "يو بي إس"، آنا زادورنوفا.
يعتبر اتجاه نزع الدولرة أكثر وضوحاً من خلال تجارة روسيا مع الصين؛ إذ هبطت حصة الدولار في الصادرات الروسية إلى الصين إلى نحو 40% حالياً بدلاً من حوالي 100% في سنة 2013.
كما اتفق البنكان المركزيان في البلدين على عمليات مقايضة عملات بمقدار 150 مليار يوان (24 مليار دولار)، وذلك في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2014، بالإضافة إلى تجديد سريان الاتفاقية كل ثلاث سنوات منذ ذلك الوقت للمساعدة على تيسير عملية تمويل التجارة.
روسيا مورد طاقة استراتيجي للصين
وأثناء اجتماع شي وبوتين الذي عقد فبراير/شباط الجاري؛ وقَّع الزعيمان مجموعة صفقات لتدعيم الإمدادات الروسية من الغاز والنفط، إلى جانب القمح.
وقَّعت شركة "غازبروم" ثاني صفقة غاز طويلة الأمد مع مؤسسة البترول الوطنية الصينية لشحن 10 مليارات متر مكعب سنوياً على مدى 25 سنة عبر خط أنابيب حديث يمتد من منطقة الشرق الأقصى إلى روسيا. وسيجري تسوية قيمة ذلك باستخدام عملة اليورو عوضاً عن الدولار، بحسب تقارير نشرتها وسائل الإعلام الصينية المحلية. دخلت شركة "غازبروم" في الوقت الحاضر في محادثات مع الصين حيال توفير الإمدادات عبر مسار ثالث.
في غضون ذلك؛ توصلت شركة "روسنفت" لاتفاقية لشحن 100 مليون طن من النفط الخام إلى مؤسسة البترول الوطنية الصينية (CNPC) عبر كازاخستان خلال 10 أعوام.
aXA6IDMuMTQ1LjY0LjI0NSA= جزيرة ام اند امز