مبادرات دولية ومحلية لحل أزمة السودان.. نجاح مشروط بتنازلات
ثلاث مبادرات خارجية، وأخرى تنشط بالداخل ضمن مساعٍ حثيثة لحل الأزمة السياسية الطاحنة التي يعيشها السودان منذ أشهر.
ورغم كثرة الوساطات وما تجده من سند دولي وإقليمي، فإن نجاحها وفق خبراء مرهون بحدوث توافق بين القوى السياسية نفسها والتي تعيش خلافات حادة في التعاطي مع تطورات المشهد، وذلك من خلال التباين الملحوظ حول قبول دعوات الحوار من عدمه.
ويرى خبراء أنه ما لم يحدث توافق بين المكونات السودانية على رؤية وطنية موحدة تخاطب المصلحة العليا للبلاد في حدها الأدنى، لن تُحدث المبادرات المطروحة أي تقدم في سبيل تجاوز المشكلة الراهنة وربما تقودها إلى مزيد من التعقيد.
وتصدرت المبادرات تلك الدعوة التي تقدمها الأمم المتحدة عبر بعثتها بالخرطوم "يونيتامس" إلى الأطراف السودانية للدخول في مشاورات سياسية لحل الأزمة الراهنة، ثم تلتها أخرى مماثلة من منظمة "الإيجاد" التي عرضت التوسط في مفاوضات بين الفاعلين بالبلاد.
ودخلت جنوب السودان على خط الأزمة في الخرطوم عندما تعهدت بمواصلة دور الوساطة الساعية لإحداث الأمن والاستقرار بالدولة الأم، بعد أن رعت في السابق مفاوضات بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة توجت بتوقيع "اتفاقية جوبا للسلام" والذي أنهى عقودا من الحرب في البلاد.
وفي الداخل، طرح مديرون بالجامعات السودانية مبادرة للوفاق الوطني، بينما يقود عناصر في حزب الأمة القومي وعدد من الرموز السياسية تحركات مماثلة في سبيل إنهاء الأزمة التي تعيشها البلاد.
توازن قوة
وتعقيبا على ذلك، قال المحلل السياسي شوقي عبدالعظيم إن المشكلة الحالية تكمن في خلافات القوى السياسية المدنية نفسها، فما لم تتوافق على رؤية موحدة لما يجري في المشهد فلن تستطيع المبادرات المطروحة حل الأزمة بل قد تسهم في تعقيدها.
وأوضح عبدالعظيم، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن "قبول المبادرات من بعض القوى السياسية ورفضها من أخرى سيؤدي إلى حالة من التخوين المتبادل وسط هذه المكونات، ما يقود إلى مزيد من الشقاق والتباعد بينها الشيء الذي يصعب من الوصول لرؤية موحدة".
وشدد على أن الوضع في السودان بحاجة إلى توازن قوة أو ضعف جديد، لأن بعض المكونات المدنية ترى أنها تملك الشارع وحركة المظاهرات، فبالتالي لا تستمع للقوى الأخرى، فما لم تطرأ توازنات جديدة لن تقود المبادرات الدولية والمحلية لأي نتائج مرضية في سبيل حل الأزمة".
وقال شوقي: "نحن بحاجة إلى ترتيب البيت الداخلي والتوافق على برنامج وطني موحد، قبل الحديث عن أي وساطات خارجية لن تجدي نفعا قبل تحقيق هذا في تقديري".
وبحسب رئيس بعثة الأمم المتحدة "يونيتامس" بالخرطوم فولكر بيرتس، فإنهم سيكونون بمثابة مسهلين وميسرين فقط في العملية التشاورية بين السودانيين.
وبدا المبعوث الأممي متفائلاً بنجاح مبادرتهم في جمع السودانيين على طاولة الحوار كونها وجدت ترحيبا كبيرا ورفضها حزبان فقط، بجانب لجان المقاومة والتي يرى بأنها سوف تستجيب لاحقاً.
وفي وقت سابق، أعلنت لجان المقاومة وتجمع المهنيين السودانيين رفضهما القاطع للمبادرة الأممية وأنهما متمسكان باللاءات الثلاث التي ترفع المظاهرات "لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية".
بينما تسود حالة من التباين وسط قوى الحرية والتغيير حيث صدر بيانان عن هذا التكتل الأول يرفض بشكل قاطع مبادرة الأمم المتحدة والثاني يقول إنه سوف يخضعها للدراسة بعد أن وصلته بشكل رسمي.
وسيط خارجي
من جانبه، قال المحلل السياسي عزالدين دهب إن انعدام الثقة بين السودانيين حتم على مر التاريخ ضرورة وجود وسيط خارجي في عملية الإصلاح والتوافق السياسي، وحدث ذلك في محادثات نيفاشا ومفاوضات السلام الأخيرة، وحتى الحوار بين العسكريين والمدنيين عقب ثورة ديسمبر وتوقيع الوثيقة الدستورية نجح بفعل خارجي.
دهب أضاف في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن "البعثة الأممية مهمتها حماية الانتقال في السودان، ولديها فرصة كبيرة في نجاح مبادرتها في إعادة الأمور إلى نصابها".
وأشار إلى أن "جنوب السودان وإيجاد أيضا لديهما فرصة النجاح نسبة لدرايتهما بتعقيدات المشهد السوداني وتوسطهما فيه من قبل، ولكن يجب توحيد المبادرات وتشكيل لجان عديدة للتواصل مع المكونات السياسية في البلاد والمضي نظراً لتدهور الأوضاع في البلاد".
وتابع: "يجب أن تبدأ المبادرة من الخلافات الأخيرة والعودة للوثيقة الدستورية التي حسمت كثيرا من القضايا كسباً للوقت وتجنيب البلاد مآلات الفوضى".
وتأتي هذه التحركات المحلية والدولية والإقليمية على وقع أزمة سياسية طاحنة تفاقمت بعد استقالة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك من منصبه.
ويواصل نشطاء معارضون حراكا احتجاجيا منذ الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي قضت بحل مجلسي السيادة والوزراء وإعلان حالة الطوارئ في البلاد.