صندوق النقد الدولي.. هل أصبح ملاذ الاقتصادات النامية "المضطربة"؟
حمل عام 2022 الكثير من المتاعب لاقتصادات دول نامية عدة، مثل؛ لبنان، وتونس، ومصر، وغانا، وسط التحديات العالمية، ما دفعها للبحث عن طوق النجاة.
ليطفو على السطح صندوق النقد الدولي، كملاذ منقذ عبر الدخول في مفاوضات مع حكومات تلك الدول من أجل الوصول لاتفاق بشأن برامج وحزم تمويلية جديدة من شأنها دفع الإصلاحات الاقتصادية وتخفيف وطأة تداعيات ظاهرة التضخم المتسارع.
لكن لطالما عهدنا على صندوق النقد الدولي مطالباته وشروطه التي ربما تبدو بعضها قاسية وجريئة، فأدراجه وخزائنه مليئة بقصص وحكايات عن اتفاقات تمويل تم إبرامها، يغلب على حيثياتها الشد والجذب مع الحكومات، فاللجوء إلى الصندوق مخاطرة في حد ذاتها، قد تؤدي إلى زيادة حجم الدين الخارجي وتقليص الدعم الموجه للفئات الاجتماعية الفقيرة والضعيفة، وتحرير سعر صرف العملة المحلية، ما يعني إضافة أعباء مجتمعية جديدة ورفع تكلفة المعيشة، لكن لا مفر من ذلك إذا أرادت الاقتصادات بلوغ مرحلة التعافي واكتساب مرونة أكبر وسط الأزمات والتحديات، وبالتالي تحقيق الاستدامة على المدى الطويل.
وفي السطور التالية سنتعرف على أبرز الحالات التي سجلها عام 2022 وتتعلق بلجوء دول نامية شهدت اقتصاداتها اضطرابات بحكم عوامل وتداعيات التحديات الخارجية، إلى الملاذ العالمي المنقذ "صندوق النقد الدولي"، وذلك عبر تكثيف المحادثات لإتمام اتفاقات تمويلية في محاولة لتوفير موارد مالية من ناحية وإقرار إصلاحات لدعم الاقتصادات من ناحية أخرى.
لبنان.. ينشد الإنقاذ
توصل لبنان إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي في أبريل/نيسان 2022 من أجل الحصول على برنامج بقيمة 3 مليارات دولار يتطلب من الحكومة استيفاء عدد من الإجراءات قبل الموافقة عليه، بما يشمل مراجعة موقف الأصول الأجنبية للمصرف المركزي بما يتضمن الذهب.
ويعتبر التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي على نطاق واسع السبيل الوحيد للبنان للبدء في الخروج من إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم والتي دخلت حاليا عامها الرابع.
فيما يدعو صندوق النقد الدولي باستمرار إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي المؤلف من 61 مصرفاً، إضافة إلى توزيع الخسائر المقدرة بـ69 مليار دولار بشكل عادل بين الدولة والبنك المركزي والمصارف والمودعين.
كما يطالب صندوق النقد، مصرف لبنان، بضرورة معالجة إشكالية تعدد أسعار الصرف؛ حيث يعتبرها الصندوق خطيئة متمادية يرتكبها المصرف المركزي بترك أسعار متعددة للصرف، أدت إلى تشوه في التعاملات، الأمر الذي أسهم في تحول الاقتصاد اللبناني إلى اقتصاد كاش"، وهناك تقديرات تشير إلى أن أكثر من 60 إلى 70% من العمليات أصبحت نقدية.
تونس.. وأزمة القرض المجهول
أما تونس فقد توصلت في أكتوبر/تشرين الأول 2022 إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد بشأن حزمة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار مقابل إصلاحات اقتصادية لا تحظى بشعبية بما في ذلك خفض دعم المواد الغذائية والطاقة وإصلاح الشركات العامة.
وتونس في حاجة ماسة إلى المساعدة الدولية منذ شهور في الوقت الذي تكافح فيه أزمة في المالية العامة أثارت مخاوف من احتمال تخلفها عن سداد الديون وأسهمت في نقص عديد السلع الغذائية.
والاتفاق على مستوى الخبراء هو لحزمة مدتها 48 شهرا من خلال مرفق الصندوق الموسع للتمويل لاستعادة استقرار الاقتصاد الكلي وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي والمساواة الضريبية وإدخال الإصلاحات التي من شأنها تعزيز النمو وخلق فرص العمل.
لكن في 16 ديسمبر/كانون الأول 2022، قال مسؤول حكومي إن صندوق النقد الدولي أجل اجتماع مجلس إدارته بشأن برنامج قروض لتونس كان من المقرر عقده في 19 ديسمبر لمنح السلطات مزيدا من الوقت للانتهاء من برنامج الإصلاحات.
وأضاف المسؤول أن تونس تعتزم إعادة تقديم ملف برنامج الإصلاحات لدى استئناف اجتماعات صندوق النقد الدولي في يناير 2023، بحسب وكالة رويترز.
وسحب الصندوق الأربعاء اجتماع مناقشة برنامج تونس من جدول أعماله، وهي خطوة على الأرجح مرتبطة بأن ميزانية 2023، التي ستتضمن الإصلاحات المتوقعة، ليست جاهزة بعد.
وقالت متحدثة باسم صندوق النقد الدولي إن التأجيل يمنح تونس وقتا لاستكمال العمل المطلوب قبل الموافقة على برنامج صندوق النقد.
مصر.. وقرض دعم الإصلاحات الهيكلية
وبعد مفاوضات ماراثونية منذ مارس/آذار 2022، مع تضاعف تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على مصر؛ كونها بلدا مستوردا لسلع استراتيجية مثل القمح والنفط، أعلن صندوق النقد الدولي في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي توصله إلى اتفاق على مستوى الخبراء على قرض بقيمة 3 مليارات دولار في برنامج مدته 46 شهرًا، وقد أقره المجلس التنفيذي للصندوق في 16 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وذلك في إطار تسهيل الصندوق الممدد (EFF) لمصر بمبلغ يعادل 2350.17 مليون وحدة من حقوق السحب الخاصة (ما يعادل 115.4% من الحصة أو نحو 3 مليارات دولار).
ويتيح قرار المجلس التنفيذي الدفع الفوري لمبلغ 261.13 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (ما يعادل 347 مليون دولار، ما سيساعد في تلبية احتياجات ميزان المدفوعات وتقديم الدعم للميزانية.
على مدار البرنامج، من المتوقع أن يحفز تسهيل الصندوق الممدد EFF تمويلًا إضافيًا بنحو 14 مليار دولار من شركاء مصر الدوليين والإقليميين، بما في ذلك تمويل جديد من دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك من الدائنين متعددي الأطراف والثنائيين.
ويتوخى البرنامج الاقتصادي المدعوم من خلال تسهيل الصندوق الممدد EFF تنفيذ حزمة سياسة شاملة للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، وتمهيد الطريق لتحقيق نمو مستدام وشامل يقوده القطاع الخاص.
وتتضمن الحزمة التمويلية الجديدة لمصر؛ التحول الدائم إلى نظام سعر صرف مرن، لزيادة المرونة في مواجهة الصدمات الخارجية وإعادة بناء الحواجز الخارجية، سياسة نقدية تهدف إلى خفض التضخم تدريجيًا، والانتقال بعيدًا عن خطط الإقراض، ضبط أوضاع المالية العامة وإدارة الديون، لضمان انخفاض الدين العام وإدارة المشاريع الاستثمارية الوطنية بما يتماشى مع الاستدامة الخارجية والاستقرار الاقتصادي، وتطبيق إصلاحات هيكلية واسعة النطاق، وإعطاء فرص متساوية لجميع الممثلين الاقتصاديين، وتسهيل النمو الذي يقوده القطاع الخاص.
غانا.. وقرض إنقاذ الاقتصاد المضطرب
ومن غرب أفريقيا، وتحديدًا من دولة غانا، توصل موظفو صندوق النقد الدولي والسلطات الغانية في 12 ديسمبر/كانون الأول 2022 إلى اتفاق لتنفيذ إصلاحات اقتصادية مختلفة في إطار ترتيب مدته ثلاث سنوات يبلغ حوالي 3 مليارات دولار؛ حيث تكافح البلاد مع تضخم بنسبة 40%، وتراكم ديون بقيمة 6 مليارات دولار، وتراجع عملتها "السيدي" بنسبة 50%.
وقد دخلت الدولة في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي منذ سبتمبر/أيلول الماضي حول تنفيذ برنامج بقيمة 3 مليارات دولار بعد استبعادها من أسواق الديون الدولية.
ويستهدف القرض -الذي تم الحصول عليه في إطار التسهيل الائتماني الممتد في شكل حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي (SDRs) دعم وتعزيز إصلاحات الاقتصاد الكلي لاستعادة الاستقرار في الوقت الذي تواجه فيه غرب أفريقيا أسوأ أزمة اقتصادية منذ سنوات.
وتأتي خطة الإنقاذ من صندوق النقد الدولي بعد أسابيع من تقديم الحكومة لخطة موازنة 2023 تهدف إلى تضييق عجزها المالي الكبير، مما أدى إلى خفض وكالة موديز التصنيف الائتماني السيادي للبلاد إلى Ca.
وتشمل بعض الإصلاحات التي اقترحها صندوق النقد الدولي لإعادة هيكلة اقتصاد غانا المتدهور تعزيز الامتثال الضريبي، وتعزيز ضوابط الالتزام بالإنفاق العام، وتحسين الشفافية المالية، وتحسين إدارة المؤسسات العامة، ومعالجة التحديات الهيكلية في قطاعي الطاقة والكاكاو.
وختامًا، لا نهاية لمسلسل التحديات والأزمات العالمية، فحلقاتها سرعان ما تتشكل في طور إشكاليات متشعبة التداعيات، لتدفع الحكومات إلى الدخول في مفاوضات مع الملاذ المنقذ للاقتصادات المضطربة؛ صندوق النقد الدولي.