من المفارقات الغريبة، والحالة تلك، أن تستضيف قطر بدءاً من اليوم السبت، اجتماعات الاتحاد البرلماني الدولي
خارج الموضوعية والعقل، تمضي قطر في تنفيذ سياسة انتهازية تضرها أكثر مما تنفعها، والسبب الأول أن تحقيق مصلحة الشعب القطري هدف ملغى من الحسابات الرسمية، ومشطوب من قائمة الأولويات المعتمدة لدى نظام حمد بن خليفة، هذه السياسة الانتهازية أدخلت قطر في متاهة هي المجهول بالضبط، فلا نهج قويماً أو علمياً أو قائماً على الحكمة والمنطق، وليست إلا التكتيكات الصغيرة ذات التأثير المؤقت والهامشي، وفي الوقت نفسه، المبالغ فيه، لجهة لغة تشبه القعقعة أو الجعجعة الفارغة التي تصلح خلفية لمعركة وهمية مع طواحين الهواء، الجعجعة من غير طحن، فلا خبرة متراكمة إلا خبرة الغدر وإيذاء الجيران والأشقاء، وليست إلا محاولة اللعب على كل الحبال، كما يفعل «البهلوان» الأهوج، وفيما تتغير الظروف والملابسات ومناخات السياسة والاقتصاد والاجتماع في المنطقة والعالم، يفضل نظام قطر، باعتباره بهلواناً عبثياً، القفز على الواقع الحقيقي نحو واقع افتراضي لا وجود له إلا في رأس قطر ووهم نظامها.
إن الدوحة هي اليوم في آخر الصف أو الطابور في موضوع التحول البرلماني على مستوى المنطقة، ولا يبدو أن هناك مؤشرات إلى وجود تغير حقيقي، ولعل المطلوب من البرلمانيين المجتمعين في الدوحة أن يطرحوا هذه الأسئلة حول التجربة البرلمانية القطرية وآفاقها
من المفارقات الغريبة، والحالة تلك، أن تستضيف قطر بدءاً من اليوم السبت، اجتماعات الاتحاد البرلماني الدولي، وهي الدولة الأقل إيماناً بالأعراف والممارسات البرلمانية، إذا كانت الاستضافة مجرد استقبال في المطار وسيارات ليموزين وفنادق وقاعات فلا خلاف، لكن لا بد لاستضافة مثل هذا المؤتمر من أن تتصل بالممارسة البرلمانية، وتاريخ قطر بالمقاييس المعلومة، بما فيها مقاييس ومعايير دول الخليج والدول العربية هو الأضعف بمراحل، فمن الغرائب الواجب تسجيلها أن قطر التي دعمت ما سمي «الربيع العربي» كانت الأبعد عن أفكار «الربيع العربي»، سواء في الممارسة الديمقراطية أو في حرية التعبير، فضلا عن الحريات السياسية والاجتماعية والثقافية، من ناحية متصلة، فإن قطر التي دعمت ومولت وآوت الجماعات الإسلامية.
كانت هي التي «تغازل» «إسرائيل»، وهي التي بدأت العلاقات المحرمة واستضافت القيادات «الإسرائيلية»، وهي التي استضافت قاعدة «العديد» الأمريكية إبان الحملة على العراق وما تلاها، وكل ذلك يشتمل على مجموعة من التناقضات لا تخجل قطر معها، ومن دون أدنى حياء، تبرير استضافة مؤتمر اتحاد البرلمان الدولي، وللمتابع، والسياق سياق التناقض القطري الصارخ، التأمل في مقالة «نيويورك تايمز» المنشورة مؤخراً حول افتتاح المتحف الوطني في قطر، ففي الآن ذاته التي تبجل فيه الدوحة شخصيات متطرفة وإرهابية مثل القرضاوي، وأبعد من ذلك، وجدي غنيم الذي يجاهر بداعشيته، إلى جانب عدد من قيادات الإخوان المسلمين والمتطرفين المنتمين إلى المعارضة الخليجية «الإسلاموية»، قامت شقيقة أمير قطر بصفتها رئيسة المتحف بدعوة المغنيات وعارضات الأزياء والممثلين الغربيين إلى حفل افتتاح المتحف، ولا اعتراض على الغناء أو عرض الأزياء والتمثيل، شريطة أن تكون هذه الأنشطة في سياقاتها، ويكون التوجه واضحا ومتسقا مع بعضه بعضا ولا يلعب على الشيء ونقيضه، لكن يلاحظ أن هذه السمات المتناقضة، في أفق سياسة قطر الانتهازية، هي ما ميزت سياسة حمد بن خليفة وأدت إلى ورطة قطر الحالية، فلا تستغرب ممن يقوم بهذا التسييس الوقح والفج لقضايا عربية وإسلامية، من القضية الفلسطينية إلى الدين نفسه عبر الإسلام السياسي إلى قضية الحج، وذلك في محاولة بائسة يائسة لمواجهة عقدة الدولة الصغيرة.
إذا عدنا إلى الموضوع الديمقراطي والبرلماني، فقد تكررت الوعود القطرية منذ عام 1995، من الشيخ حمد بن خليفة ومن ابنه الأمير الحالي، وعود حول انتخابات ستشهدها قطر لكي تتسق ممارستها مع خطابها، وكما كذب الأمير السابق مع مواطنيه، فإن الكذبة تكررت مع وريثه، حتى في الكذب، تميم، فلم تكن هناك أي انتخابات في قطر، و يعرف العارفون أن أحد أهم الأسباب المانعة يعود إلى التمييز الكبير في «الجنسية القطرية» بين من هم في الدرجة الأولى وغيرهم من سائر المواطنين، وقد وعد تميم قبل عام ونيف بمثل هذه الانتخابات، ولكن أحداً لم يرصد المقدمات الضرورية، بدءا من تشكيل اللجان وتهيئة الرأي العام وما إلى ذلك.
وبينما اختارت دولة الإمارات المشاركة السياسية وفق نهج المسار المتدرج وتستعد لإقامة انتخاباتها الرابعة بعد هذا الصيف، تبخرت الوعود القطرية الصادرة من أعلى قيادات البلد، ولا غرابة في ذلك فقد تعودنا عدم احترام حاكمي قطر وعودهما حتى التصقت هذه الصفة السيئة بالدوحة، الجدير بالذكر أن معايير الكفاءة غائبة حتى في التعيين، وكان واضحاً أن التعيين الأخير لأعضاء «مجلس الشورى القطري» كان لملء شواغر ترتبت على وفاة الوالد أو القريب بأعضاء أبناء أو أقارب وفق المعايير القبلية البحتة، فنحن أمام خطاب علني انتهازي ومكابر لا علاقة له بالممارسة.
من هذا المنطلق فإن قطر غير مؤهلة بتاتا لإقامة مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي، ويضاف إلى بيان الدول الأربع المقاطعة والداعية إلى مكافحة الإرهاب، البيان الذي أشار إلى أن غيابها عن المؤتمر مرتبط بدعم قطر الإرهاب والتطرف، والتدخل في شؤون الدول واستفزازها، أن الدوحة هي اليوم في آخر الصف أو الطابور في موضوع التحول البرلماني على مستوى المنطقة، ولا يبدو أن هناك مؤشرات إلى وجود تغير حقيقي، ولعل المطلوب من البرلمانيين المجتمعين في الدوحة أن يطرحوا هذه الأسئلة حول التجربة البرلمانية القطرية وآفاقها، وحول تجربة الانتخابات حتى على مستوى جمعيات النفع العام وكثير من أحلامها ومطالب الترخيص لها معطل بالرغم من إلحاح المجتمع وقطاعاته المعنية، ومتى تصدق القيادة القطرية في وعودها التي أخلفتها مراراً وتكراراً.
لكل ذلك، وأكثر منه، لا يستقيم تنظيم الدوحة لاجتماعات الاتحاد البرلماني الدولي، كيف ولا صوت في الدوحة إلا صوت النظام وأتباعه ومرتزقته ومطبليه، ما حوّل خطابه إلى أسطوانة مشروخة مملة وتعاني عطب الغفلة والإهمال؟.. كيف وصوت المواطن القطري مغيب تماماً وفي الذاكرة الحكم بالمؤبد على شاعر قطري بالمؤبد بسبب قصيدة؟، كيف وقضية عشرات آلاف «الغفران» المطرودين بعد سحب جنسيتهم تضيء ذاكرة القطريين بعدم الأمان؟، كيف ولسان الدوحة أقرب إلى لغة الطائفية والعنصرية والتحريض على الإقصاء والإلغاء؟، كيف وفاقد الشيء لا يعطيه؟
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة