في اليوم العالمي لمكافحته.. مليشيا السراج تحول ليبيا إلى دولة فاسدة
"رزق حكومة، ربي يدومه".. مفردات بالقاموس المحلي الليبي يسوغ به مسؤولون فاسدون نهب الأموال، تحت حماية مليشيات تسيطر على العاصمة.
تلك المفردات الليبية بامتياز التي أفرزتها عوامل أخرى، جعلت ليبيا واحدة من بين الدول العربية الأربع الأكثر فسادًا في العالم، بحسب التقرير السنوي لمؤشرات مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية، في يناير/كانون الثاني 2020.
ورغم أن الجمعية العامة للأمم المتحدة، أقرت في 31 أكتوبر/تشرين الأول من العام 2003، 9 ديسمبر من كل عام كيوم دولي لمكافحة الفساد، من أجل إذكاء الوعي عن مشكلة الفساد، إلا أن الفساد في العاصمة الليبية طرابلس، يحتاج إلى اجتثاث المسؤولين الفاسدين والذين تحميهم الميليشيات المسلحة وليس إلى يوم للتوعية بمخاطره وأضراره.
تظاهرات واعترفات بالفساد
تلك الآفة وجدت من العاصمة الليبية طرابلس بيئة رخوة للانتشار والتمدد، بحسب اعترافات مسؤولي حكومة السراج أنفسهم، والتي من بينها تصريحات لوزير داخليته فتحي باشاغا أواخر أغسطس/آب الماضي والتي أكد فيها وجود فساد في جميع مؤسسات البلاد بما فيها وزارة الداخلية التي يشغلها.
تصريحات وزير داخلية السراج، جاءت بعد ضغوط شعبية، وتظاهرات عارمة اندلعت في 23 أغسطس/ آب الماضي واستمرت أيامًا، في طرابلس والزاوية ومصراتة وزليتن، ومدن بغرب ليبيا، اعتراضًا على تردي الخدمات وانقطاع التيار الكهربائي وانتشار الفساد والانفلات الأمني.
ومنذ ذلك التاريخ، ولا يمر يوم على العاصمة طرابلس، حتى تكشف فضائح فساد بمليارات الدينارات ارتكبها مسؤولون في حكومة السراج، ليعلن ضبط بعضهم ويفر الآخرون إلى تركيا.
تهريب الفاسدين
ولم تمر أيام على تلك التظاهرات، حتى أصدر ديوان عام المحاسبة في طرابلس قرارًا بإيقاف عدد من مسؤولي جهاز الطب العسكري التابع لحكومة فايز السراج عن العمل لاتهامهم بالفساد واستغلال المناصب والاستيلاء على المال العام بدون وجه، وقرر إحالة ملفات الأشخاص والشركات المتعاونة معهم إلى كل من المدعي العسكري العام والنائب العام كل حسب الاختصاص الذي أصدر قرارًا بمنعهم من السفر.
إلا أن حكومة السراج تجاوزت قرار النيابة وسمحت للمسؤولين المنتمين إليها بالسفر وتحديدا لتركيا عبر مطار معيتيقة، من خلال خطاب رسمي وجهته إلى مصلحة الجوازات والجنسية.
صهر السراج
وفي 8 سبتمبر/أيلول الماضي، أمر النائب العام، بتمديد سجن مدير مصرف ليبيا الخارجي محمد بن يوسف، ومدير قطاع الاستثمار بالمصرف، الشارف شلبي، وهو صهر رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، بتهمة إصدار المصرف ما يقرب من 80 مليون دولار، في استثمارات غير مدرجة، ترتب عنها ضرر جسيم بالمال العام.
وفي 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، أصدر مكتب النائب العام أوامر قبض على عدد من المسؤولين الفاسدين، شملت وزير الحكم المحلي المفوض ومسؤولين بدرجة وكلاء وزارة في المالية والتعليم والحكم المحلي والصحة وعميد بلدية بني وليد
شملت القرارات توقيف عادل جمعة وكيل وزارة تعليم السراج، بشأن شبهة فساد، في عقد توريد مقاعد مدرسية، مما تسبب في إلحاق ضرر جسيم بالمال العام، وأبوبكر الجفال وكيل وزارة مالية السراج ومدير إدارة الحسابات بالوزارة نفسها أحمد المنتصر بتهم فساد، وإساءة استعمال السلطة لتحقيق منفعة للغير وإهدار المال العام.
وفي الأسبوع نفسه، ألقت جهات أمنية القبض على وكيل شؤون الديوان بوزارة الحكم المحلي بحكومة السراج، صالح الصكلول، بتهم فساد، كما تم إيقاف ميلاد الطاهر وزير الحكم المحلي المفوض بحكومة السراج بتهمة اختلاس أموال وعميد بلدية بني وليد سالم انوير، على خلفية تصرفه في مبلغ ثلاثة ملايين دينار مخصصة للنازحين بالتواطؤ مع أفراد من أسرته.
أيام معدودة، وتحديدًا في 5 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حتى صدر قرار من المدعي العسكري العام، باحتجاز رئيس لجنة ترشيد المرتبات بوزارة مالية السراج الأمين بوعبد الله، الذي لم يمكث شهرًا في منصبه، بسبب التقصير والإهمال، فضلاً عن التأخّر المتعمّد في صرف مرتبات موظفي وزارة الدفاع، وفق لائحة الدعوى الصادرة عن النائب العام العسكري.
كما أصدر النائب العام قرارًا بإيقاف رئيس وأعضاء مجلس الإدارة بصندوق التأمين الصحي العام عن العمل، بسبب قيامهم بالتحايل والتدليس على الجهات الرسمية لأغراض مشبوهة وتسببهم في إلحاق الضرر بالمال العام وإيقاع الضرر بالغير.
كورونا.. حلقة فساد جديدة
وبعدها بأيام ثلاثة، أوقف مشرف محطة كهرباء الحرشة غرب طرابلس، بالإضافة إلى مدير مجلس شركة الخطوط الأفريقية لاتهامه بالفساد وإهدار المال العام، كما شملت أوامر التوقيف مدير مكتب محافظ مصرف ليبيا المركزي، بتهمة إلحاق ضرر جسيم بالمال العام، ومدير مصرف الصحاري فرع المختار بتهمة إساءة استعمال السلطة لتحقيق منفعة للغير.
وفي 17 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أمر رئيس قسم التحقيقات بمكتب للنائب العام الصديق الصور بإيقاف أي معاملات مالية للجنة المشتريات الخاصة بمجابهة فيروس كورونا التابعة لوزارة صحة السراج، نظرًا لوجود تجاوزات مالية طالت لجنة المشتريات الخاصة بمجابهة الجائحة.
فساد مكافح الفاسد
يومان مرا، حتى كُشفت واقعة فساد جديدة، كان بطلها، رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، نعمان الشيخ، والذي اتهم بالتورط في التستر على مسؤولين متهمين بالفساد وحمايتهم، بإخفائه تقريراً صادراً عن لجنة الهيئة بشأن التجاوزات المالية بجهاز الطب العسكري ووزارة الصحة في حكومة السراج.
واقعة فساد جديدة، لكن المسؤولين عنها يمكثان خارج البلاد، ففي 21 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كشف ديوان المحاسبة الليبي، تورط دبلوماسيين بسفارتي ليبيا في إيطاليا والفاتيكان في تحويل أموال ضخمة من مخصصات السفارة إلى حسابات أشخاص ليست لهم علاقة بأعمال السفارة، وسحب أموال كبيرة من حسابات السفارة نقدا لصالحهم.
سيارات فارهة واستثمارات وهمية
وفي الشهر نفسه وتحديدًا في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أمر النائب العام، بالقبض على وزير الحكم المحلي السابق بداد قنصوة، بتهم فساد، بينها شراء سيارات فارهة بأسعار مبالغ فيها، فضلا عن شراء هواتف محمولة بقيمة 98.9 ألف دينار ليبي( الدولار مقابل 6.29 دينار ليبي).
وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، كشفت النيابة العامة في ليبيا، عن هدر أكثر من 800 مليون دولار في استثمارات غير مدرجة في الخارج "وهمية"، مؤكدة وجود تعاون مع شركات دولية للمساعدة في التحقيق حول إهدار المال العام.
الفساد في أروقة وزارات العاصمة طرابلس انتقل إلى خارجها، فبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أعلنت في نوفمبر/ تشرين الثاني، أنها تحقق في وقائع فساد ومحاولة رشى المشاركين في الملتقى السياسي الليبي بتونس، لشراء أصواتهم لترجيح كفة أحد الطامعين في تقلد مناصب في الفترة الانتقالية المقبلة.
منبع النفط الذي تنفق عوائد أمواله على الليبيين، لم يكن بعيدًا عن الفساد، فبعد حلقات من السجال بين رئيس المؤسسة الوطنية الليبية للنفط مصطفى صنع الله، ورئيس البنك المركزي بطرابلس الصديق الكبير، كشفت وقائع إهدار إيردات 186 مليار دولار، حصيلة مبيعات النفط، تم توريدها إلى المصرف المركزي.
اتهامات صنع الله، للصديق الكبير، لم يرد عليها الأخير، بل أشار لإخفاء مؤسسة النفط لـ3.2 مليار دولار من أموال الذهب الأسود دون توريدها إلى المصرف المركزي.
هذه التطورات تؤكد مدى تفشى الفساد في ليبيا الذى أثر بشكل كبير على الاقتصاد الليبي وجعله يقف على حافة الهاوية، في مشهد وصفه المبعوث الأممي السابق إلي ليبيا غسان سلامة، قبل 3 أعوام في تصريحات صحفية، بأنه تجاوز الفساد وصار عملية نهب منظم لموارد الدولة، مضيفا بأن هناك منظومة اقتصادية بالكامل تكونت بعد سقوط نظام القذافي تعتمد على الاستيلاء على مقدرات الدولة ونهب مواردها المالية، مما أدى إلى بروز طبقة سياسية تدعم هذا النهب، وليس لها مصلحة في أن يتغير هذا الوضع.
aXA6IDE4LjExOS4xMjIuMTQwIA== جزيرة ام اند امز