المشكلة التي ترزح تحتها الأمم المتحدة منذ نشأتها حتى اليوم هي قضية التمويل الأمريكي لها،
لأول مرة في تاريخ النظام الدولي، انعقدت في مقر الأمانة العامة للأمم المتحدة بنيويورك في 13 يوليو/تموز 2016، مناظرة بين عشرة مرشحين لشغل منصب الأمين العام خلفاً لبان كي مون، الذي انتهت ولايته، وحضر المناظرة الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس الجمعية العامة ودبلوماسيون، إلى جانب موظفي المنظمة في مقر الجمعية الأممية بنيويورك.
جرت العادة منذ إنشاء منظمة الأمم المتحدة عام 1945، أن يتم تعيين الأمين العام من قبل الجمعية العامة بناء على توصية من مجلس الأمن، وكان يتم اختيار الشخص المناسب بشكل هادئ دون أية ضجة، وكان للدول الغربية دائمة العضوية في مجلس الأمن، في السنوات السابقة، اليد الطولى في اختيار الأمين العام، لكن عودة الحرب الباردة وظهور محور بكين/ موسكو، في مواجهة المحور الغربي، جعل من الصعب التوافق على شخصية مناسبة لمنصب الأمين العام، فدعت الحاجة لإجراء مناظرة تلفزيونية بين الأشخاص المرشحين لتولي هذا المنصب، لتقف الدول الكبرى على برنامج كل واحد منهم، وفي النهاية اعتمد مجلس الأمن الدولي بالإجماع، قراراً باختيار رئيس الوزراء البرتغالي السابق أنطونيو غوتيريس أميناً عاماً للأمم المتحدة، الذي تسلم مهام منصبه رسمياً يوم الاثنين 2-1-2017، ليصبح الأمين العام التاسع للأمم المتحدة. وأكدت المنظمة الدولية في بيان لها أن الأمين العام الجديد عازم على جعل الكرامة الإنسانية في صميم عمله، فضلاً عن العمل كوسيط سلام، ومد جسور التواصل، وتعزيز الإصلاح والابتكار.
لكن المشكلة التي ترزح تحتها الأمم المتحدة منذ نشأتها حتى اليوم هي قضية التمويل الأمريكي لها، وبالتالي، فإن اليد الأمريكية واضحة في مختلف المواقف التي يتخذها موظفو هذه المنظمة، ولاسيما الأمين العام الذي لا يعدو أن يكون موظفاً في وزارة الخارجية الأمريكية.
وقد تم تأسيس هيئة الأمم المتحدة كإطار دولي واسع لمنع وقوع حروب كبرى في المستقبل، ومن أجل تعزيز النمو والتقدم في مختلف مناطق العالم، وتحولت هذه الهيئة إلى جهة مانحة للشرعية الدولية، فالدول التي تنتسب إليها تكتسب شرعية دولية في وجودها، فتتبادل معها دول العالم السفارات والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، أما الدول التي لا تحظى باعترافها، فإنها تبقى معزولة، وخارج إطار التعاون الدولي الدبلوماسي والاقتصادي والتقني والأمني، وهناك دول أعلنت وجودها، لكن لم تحظ باعتراف المنظمة الدولية. والواقع أن ارتفاع شأن الأمم المتحدة يفرض ضرورة إصلاحها كي لا تبقى رهينة لطرف دولي، غير أن عملية الإصلاح ليست بالأمر السهل والممكن، لأن ذلك يتطلب إجماع غالبية الدول الأعضاء، وهذه الغالبية تميل بوضوح لصالح الدول الغربية المهيمنة، وما يؤكد ذلك هو أن دولاً كبيرة، مثل: الهند والصين طالبت منذ عدة سنين بجعل الإنترنت تحت رقابة الأمم المتحدة، إلا أن دولاً كثيرة في المنظمة الدولية، وقفت ضد هذه المطالب، وفضلت أن تبقى إدارة الشبكة الدولية بيد الولايات المتحدة. وفي ظل تعقد السياسة الدولية وغياب رؤية عالمية واحدة تجاه مختلف الملفات الشائكة، فإن العالم يميل نحو الانقسام بشكل متسارع، وبما يؤثر على مستقبل النظام الدولي برمته، لكن ورغم الانتقادات التي وجهت إلى هيئة الأمم المتحدة إلا أن دول العالم المختلفة حريصة على البقاء فيها، كما أن الدول الحديثة الاستقلال ترى في قبول عضويتها في الأمم المتحدة دليلاً على قبول المجتمع الدولي لها. وإذا كانت الأمم المتحدة لم تستطع تحقيق الكثير في المجالات السياسية، فإنها كانت أكثر نجاحاً في المجالات غير السياسية وعبر المنظمات الدولية المتخصصة التابعة لها. فمن يستطيع أن ينكر الإسهامات الكبيرة لمنظمة الأطفال «اليونيسف» ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة «الفاو».
إن العمل الجماعي الدولي، الذي أثبت جدواه في الكثير من القضايا غير السياسية، بحاجة إلى قفزة نوعية في مجال العمل والتنظيم السياسي، بما يجعل هذا العمل محط احترام مختلف دول العالم.
* نقلا عن صحيفة الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة