الاتصالات التي أجرتها الحكومة «الإسرائيلية» بالرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب للتدخل لإفشال مشروع القرار لم تفض إلى أية نتيجة
صادق مجلس الأمن الدولي مساء يوم الجمعة الماضي على قرار يطالب «إسرائيل» بوقف بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وصوت 14 عضواً لصالح القرار بينما امتنع عضو واحد هو الولايات المتحدة. ويطالب القرار الذي قدمت مشروعه أربع دول أعضاء هي نيوزيلندا وماليزيا وفنزويلا والسنغال، «إسرائيل» بالوقف الفوري والكامل لجميع النشاطات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتراجع عن الخطوات التي من شأنها تهديد حل الدولتين.
الاتصالات التي أجرتها الحكومة «الإسرائيلية» بالرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب للتدخل لإفشال مشروع القرار لم تفض إلى أية نتيجة، باستثناء نجاحه في إقناع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بتأجيل طرح المشروع.
ويلاحظ أن قائمة الدول التي تقدمت بالمشروع تخلو من اسم أي دولة عربية، نورد هذه الملاحظة دون تعليق، فمعرفة المعرف لن يزيد الأمر وضوحا، ناهيك عن التساؤلات التي يطرحها ذاك الغياب.
منذ ما قبل عام 1948، وهو التاريخ الذي أعلنت فيها القوى الاستعمارية إنشاء دولة «إسرائيل» على الأراضي الفلسطينية، والحكومات الصهيونية المتوالية تضع بصماتها على ملف الاستيطان، فتزيد بين فترة وأخرى عشرات المستوطنات، وهو ما ينافي القرارات والمواثيق الدولية. وقد أكد هذا الأمر الدكتور حنّا عيسى، استاذ القانون الدولي، وكتب في صحيفة «أخبار القدس» عن الاستيطان والبؤر الاستيطانية، كاشفا جذور الاستيطان في فلسطين. وقال في مقالته إن الفكرة الأولى للاستيطان انطلقت بعد ظهور حركة الإصلاح الديني على يد «مارتن لوثر» في أوروبا، بمباركة المذهب البروتستانتي ومقولته: «إن اليهود شعب الله المختار، وطنهم المقدس فلسطين، يجب أن يعودوا إليه»، ففي عام 1799 كان الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت أول زعيم دولة يقترح إنشاء دولة يهودية في فلسطين أثناء حملته الشهيرة على مصر وسوريا. ومع ضعف الدولة العثمانية وزيادة الأطماع الأوروبية في ممتلكاتها طلب السفير البريطاني في القسطنطينية بالتدخل لدى السلطان العثماني للسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين.
لقد بدأ النشاط الاستيطاني اليهودي الفعلي لفلسطين بالظهور عام 1840، بعد هزيمة محمد علي الحاكم المصري، واستمر حتى عام 1882 عندما وصل 3000 يهودي من أوروبا إلى فلسطين. ومع بداية الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1920 بدأت المؤتمرات الصهيونية العالمية بالانعقاد، وأسست المنظمة الصهيونية العالمية مؤسسات من أجل تكثيف عمليات استملاك الأراضي الفلسطينية، منها الاتحاد «الإسرائيلي» العالمي «الأليانس»، وتدفقت الهجرة اليهودية بأعداد كبيرة حتى إعلان قيام الكيان عام 1948، على 77% من مساحة فلسطين التاريخية، وفي عام 1967، تمكن هذا الكيان من احتلال كافة الأراضي الفلسطينية.
ويشير الدكتور حنا إلى أن دولة الاحتلال تنتهك المادة 49، الفقرة 6 من معاهدة جنيف الرابعة التي تحظر على القوة المحتلة نقل مجموعات من سكّانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها. كما تنتهك «إسرائيل» البنود الأخرى للقانون الإنساني الدولي، وخصوصاً المادة 53 من معاهدة جنيف الرابعة التي تحظر تدمير الممتلكات الخاصّة، والمادة 46 من أنظمة لاهاي التي تحظر مصادرة الممتلكات الخاصّة، والمادة 55 من أنظمة لاهاي التي تُجبر القوة المحتلة على إدارة الأراضي المحتلة وفقاً لقواعد حق الانتفاع.
لقد بلغ مجموع المواقع الاستيطانية في الضفة الغربية 474 مستوطنة حتى العام 2012، وازدادت أعداد المستوطنين في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية حتى وصلت عام 2014 إلى حوالي 600.000 مستوطن، تسمح لهم حكومتهم بحمل السلاح ولا تعاقبهم عندما يعتدون على المواطنين والمزارعين الفلسطينيين، لأن المستوطنين يرون أن الضفة الغربية يجب أن تكون أرضاً «إسرائيلية» ولا يحق للعرب الفلسطينيين التواجد فيها.
وفي دراسة مسحية قامت بها كل من الباحثات الفلسطينيات ليلى فرسخ ونور عرفة وسامية البطمة بعنوان «المستوطنات «الإسرائيلية» تخنق الاقتصاد الفلسطيني»، ونُشرت في موقع الشبكة «شبكة السياسات الفلسطينية، أن عملية بناء المستوطنات تقوم على الاستغلال الاقتصادي للأرض الفلسطينية المحتلة، مثل مصادرة مساحات واسعة من الأراضي، وتدمير الممتلكات الفلسطينية في أغراض إنشائية زراعية، ونهب الموارد المائية لدرجة أن 599,901 مستوطن يستهلكون من المياه ستة أضعاف ما يستهلكه سكان الضفة الغربية الفلسطينيون البالغ عددهم نحو 2.86 مليون نسمة، والاستيلاء على المواقع السياحية والأثرية، واستغلال المحاجر الفلسطينية والمناجم وموارد البحر الميت، وغيرها من الموارد الطبيعية غير المتجددة. وباتت المستوطنات «الإسرائيلية» تسيطر على نحو 42% من أراضي الضفة الغربية.
ويتركز الاستغلال الاستيطاني ضمن المنطقة (ج) في غور الأردن والجزء الشمالي من البحر الميت. وتسيطر المستوطنات على 85.2% من مساحة هذه الأراضي، وهي أخصب الأراضي في الضفة الغربية، وهذه الأراضي تنتج 40% من صادرات التمور من «إسرائيل».
الكيان الصهيوني لم يلتزم باتفاقيات أوسلو، ومنذ توقيع الاتفاقية حتى اليوم زاد عدد المستوطنين في الضفة الغربية ستين ضعفاً، في حين كانت الولايات المتحدة تستخدم حق النقض (الفيتو) في كل مرة تتم فيها مناقشة الاستيطان في فلسطين، الذي أكد القرار الأخير لمجلس الأمن بأنه غير قانوني.
الآن، وبعد صدور قرار مجلس الأمن بإيقاف الاستيطان في فلسطين المحتلة، ماذا ستكون الخطوة التالية؟ ومن الذي سيجبر الكيان الصهيوني لوقف اعتداءاته على الأراضي الفلسطينية؟
صحيح أن العرب مشغولون بقضاياهم الداخلية في «محاربة الإرهاب»، إلا أن عليهم الأخذ في الاعتبار أن ما تقوم به «إسرائيل» يندرج تحت الإرهاب الوحشي ويصل إلى جرائم حرب.
* نقلا عن صحيفة الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة