هواجس الشرق.. حرب أوكرانيا تعيد أوروبا إلى جغرافيا الحرب الباردة
نظرًا للجغرافيا والقوة النسبية والتاريخ، تختلف تصورات أوروبا الغربية والشرقية بشأن التهديدات لروسيا. وباتت هذه الخلافات واضحة جلية.
في بداية العملية الروسية في أوكرانيا سارعت أمريكا وحلفاؤها في الناتو لتوحيد الصفوف، وتزايدت لديهم الرغبة في الاضطلاع بدور أكثر نشاطاً في الدفاع عن أوروبا. لكن عددا من المحللين لاحظوا مؤخراً أن الحرب أدت إلى تأثير عكسي، بحيث زادت من اعتماد أوروبا على واشنطن، وفقا لمجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية.
وأشارت المجلة إلى أن ذلك لا ينبغي أن يكون مفاجئًا لأي شخص، لأن اعتماد أوروبا على أمريكا سيتزايد حتما بما يتناسب مع التزام الولايات المتحدة نفسها بأمن القارة.
ورغم قيادة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في السنوات الأخيرة توجها ينادي بالاستقلال الاستراتيجي للقارة، وإعلان المستشار الألماني أولاف شولتس زيادة في الإنفاق الدفاعي رداً على العملية الروسية، تقدمت فرنسا وألمانيا بحذر في سياق الحرب، ولم ترسل ألمانيا دبابات ليوبارد 2 إلى أوكرانيا إلا على مضض عقب تحرك أمريكي وبريطاني موازٍ، في الوقت الذي يصر فيه ماكرون على أن أي تسوية لما بعد الحرب يجب أن تتضمن اعترافاً بالهواجس الأمنية الروسية.
تسبب الموقف الفرنسي والألماني في زيادة إحباط الحلفاء في أوروبا الشرقية ودول البلطيق، لأن موقفهم المتشدد حيال روسيا وضعهم على مسار معاكس لنظرائهم الأوروبيين الغربيين، وجعلهم أكثر رغبة في استمرار الوجود الأمريكي في أوروبا.
لكن الموقف الأكثر ضبطاً للنفس الذي اتخذته فرنسا وألمانيا تجاه روسيا ليس مبنياً على الضعف أو الخوف، بل يرتكز على الجغرافيا والقوة النسبية والتاريخ، ومن ثم صار أوروبا الغربية تمتلك مفهوما مغايرا للتهديد الذي تشكله روسيا عن مفهوم أوروبا الشرقية.
قد يشير هذا عادةً إلى أن نصفي أوروبا لا يصنعان في الواقع حلفاء طبيعيين عبر المعاهدات. فمن ناحية تاريخية، عانت أوروبا الشرقية من سوء حظ كونها منطقة عازلة بين أوروبا الغربية وروسيا - وهو دور لا يريد الأوروبيون الشرقيون العودة إليه، لأسباب مفهومة للغاية.
وأشارت المجلة إلى أن الحجة التي يسوقها المعلقون الغربيون، هي توجيه اللوم إلى فرنسا وألمانيا لأنهما لم تدعما أوكرانيا على نحوٍ أكثر نشاطاً، ما قلل من صدقيتهما في عيون أوروبا الشرقية، وجعل الأخيرة تميل أكثر للاعتماد على واشنطن لتبديد هواجسها الأمنية. ونتيجة لهذه المبررات، كان يتعين على أوروبا الغربية أن تنظر إلى الحرب بجدية أكبر، وأن تساعد في قيادة المهمة ضد روسيا.
لكن هناك سببين للتشكك في مثل هذه الفرضيات. الأول هو أن الأداء العسكري الروسي جعل الرد الفرنسي والألماني ملائما نسبيا. فروسيا تكافح منذ أشهر لدخول مدينة باخموت الصغيرة، وهو ما يجعل وصولها إلى وارسو في المدى المنظور أمرا محالا.
وعلاوة على ذلك، لا يود الأوروبيون الشرقيون رؤية شيء أكثر من رؤيتهم للخسائر الروسية، في الوقت الذي تدرك فيه فرنسا وألمانيا أن روسيا ستظل دائماً قوة في المنطقة، ولذا، فإن التعايش السلمي يتطلب نوعاً من التكيف المنطقي المقبول.
والثاني، لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تتوقع استخدام أوروبا نفس الإجراءات المفرطة التي تعتمد عليها واشنطن لتعزيز مصداقية الردع لديها، في حال تبنت أوروبا استراتيجية الدفاع الذاتي وسعت لردع روسيا مباشرة.
وأخيراً، قد يعتقد المرء عند الاستماع إلى المسؤولين والمحللين الأمريكيين الذين يتأسفون على اعتماد أوروبا أمنياً على الولايات المتحدة أن هؤلاء يريدون خروج الولايات المتحدة من أوروبا بأسرع ما يمكن. لكن العكس هو الصحيح، فالغالبية العظمى من هذه الأصوات تدعو بقوة لبقاء أمريكا في أوروبا بشكل دائم.
aXA6IDMuMTQ5LjI3LjMzIA== جزيرة ام اند امز