الشركات الأمنية.. "متلازمة مقديشو" تبتلع 117 مليار دولار
بعدما غابت عن الذاكرة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، عادت الشركات الأمنية الخاصة إلى الواجهة خلال الحرب الروسية في أوكرانيا.
وتزايد الطلب على هذه الشركات والجنود، حيث أعرب متعاقدون من الولايات المتحدة وأوروبا عن رغبتهم في اغتنام الفرص المتاحة هناك التي تتنوع ما بين مهام "الإجلاء" إلى المساعدة في تأمين الخدمات اللوجستية.
الشركات العسكرية والمرتزقة
ووفقا لتقرير لمجلة العلاقات الدولية الأمريكية تختلف الشركات العسكرية والأمنية الخاصة اختلافا كبيرا عن المرتزقة. فالمرتزقة أفراد مستقلون مقاتلين مدربين بدرجات متفاوتة، ويقدمون خدمات عسكرية مقابل تعويض مالي. ويتم التعاقد مع المرتزقة بشكل مباشر من قبل الحكومات والجماعات المتمردة أو من قبل أي شخص يستطيع تحمل تكاليفها.
وقد استخدم هؤلاء المرتزقة خلال عهد الاستعمار في القرن الماضي وبخاصة في الدول الأفريقية وبعد الاستعمار الفرنسي والبريطاني، استخدموا من قبل بعض الزعامات في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، لقمع وتصفية المعارضة، كما تمت الاستعانة بهم لتنفيذ الانقلابات العسكرية.
في المقابل، تعد الشركات العسكرية والأمنية الخاصة كيانات اعتبارية قانونية تقدم خدمة احترافية، أي جنودا مدربين تدريباً عالياً ومنظمين للغاية.
وتعمل هذه الشركات كوسيط بين الحكومة والجنود المحترفين. وتقدم هذه الشركات الخاصة مجموعة متنوعة من الخدمات، تشمل الدعم الدبلوماسي ودعم إعادة الإعمار، والعمليات التجارية والأنشطة العسكرية والأمنية. كما تقدم خدمات تتنوع بين "حماية الأشخاص (بما في ذلك العسكريون والمسؤولون الحكوميون والأهداف الأخرى عالية القيمة)؛ وحماية القوافل ونقاط تفتيش الموظفين؛ وتدريب وإرشاد قوات الأمن واستجواب السجناء.
تاريخ الشركات الأمنية:
ويشير التقرير إلى أن المليشيات الخاصة ليست ظاهرة جديدة في حد ذاتها. فيذكر التاريخ الأمريكي أن هؤلاء المتعاقدين كانوا يشكلون حوالي سدس الجيش الأمريكي. واستمر الاعتماد الأمريكي على المليشيات الخاصة خلال الحرب المكسيكية الأمريكية والحرب الأهلية، وحتى القرنين العشرين والحادي والعشرين.
وقد توارت هذه الظاهرة في سياق التاريخ لكنها عادت إلى الواجهة خلال العقود الثلاثة الماضية نتيجة لعاملين: أولهما، نهاية الحرب الباردة والثاني ما يسمى بـ "متلازمة مقديشو". في العقود التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية، مر العالم بفترة "عسكرة مفرطة" مع تشكل حلفي الناتو ووارسو، ومع اقتراب نهاية الحرب الباردة، قامت العديد من الدول بتقليص حجم قواتها العسكرية في محاولة لكبح العبء المالي الذي يثقل كاهل ميزانيتها الوطنية دون داع، ليجد الكثير من الأفراد في جميع أنحاء العالم ممن سبق لهم العمل في الأجهزة العسكرية لبلدهم أنفسهم يبحثون عن فرص عمل جديدة.
العامل الثاني الذي أسهم في انتشار الشركات العسكرية الخاصة هو ما يسمى بـ"متلازمة مقديشو"، نتيجة لمقتل قتل 18 جنديا أمريكيا و312 صوماليا في أكتوبر/ تشرين الأول 1993، مما تسبب وقف المهمة الأمريكية في الصومال.
اليوم، تشكل الشركات العسكرية الخاصة صناعة بمليارات الدولارات تستخدمها البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء. في وعام 2011، قدرت لجنة التعاقد في زمن الحرب في العراق وأفغانستان أنه تم إنفاق ما لا يقل عن 117 مليار دولار على متعاقدين من القطاع الخاص منذ أكتوبر 2001.
وذكر تقرير نشر عام 2008 أن "ما لا يقل عن 310 شركة في دول عدة تعاقدت أو تعاقدت من الباطن لتنفيذ مهام أمنية للولايات المتحدة في العراق.
ورغم الانتقادات التي وجهت لاستخدام هذه الشركات، استمرت الإدارات الأمريكية الأخيرة، وتحديداً في عهد الرئيس باراك أوباما، في جعل الشركات العسكرية والأمنية الخاصة جزءًا لا يتجزأ من جهودها العسكرية في الخارج.
ويرجع لجوء الإدارات الأمريكية لهذه الشركات لعدة أسباب أهمها هو أن نشرها لا يتطلب تفويضًا من الكونجرس، والثاني هو أن هذه الشركات ترتبط بعلاقات قوية بالمؤسسة السياسية. إضافة إلى أن استخدام القوات العسكرية الخاصة، لا سيما في المهام الإنسانية، يمكن اعتباره خيارًا أفضل من نشر الأفراد النظاميين ربما تكون الولايات المتحدة قد طورت اعتمادًا على الشركات العسكرية والأمنية الخاصة.
الشركات الأمنية في عهد الإدارات الأمريكية:
ويوضح التقرير أن الحرب في العراق وأفغانستان، شهدا اعتمادًا غير مسبوق من قبل الولايات المتحدة على المتعاقدين من القطاع الخاص، فذكرت مجلة فورين بوليسي أن إدارة الرئيس أوباما قامت "باستخدام غير مسبوق للمتعاقدين من القطاع الخاص. "فخلال الربع الأخير من عام 2007، استعان الجيش الأمريكي بـ24056 متعاقدا و29473 شركة عسكرية خاصة في أفغانستان. وفي الربع الثاني من عام 2013، ارتفع عدد المتعاقدين إلى 117227 بينما ارتفع عدد الأفراد النظاميين إلى 88200 جندي. وبلغ إجمالي الميزانية الفيدرالية المخصصة للمقاولين من القطاع الخاص ذروته في عام 2010 حيث وصل إلى أكثر من 600 مليار دولار. وفي عام 2015 ، دفع البنتاغون وحده أكثر من 270 مليار دولار لشركات عسكرية خاصة.
وشهدت الحرب الروسية في أوكرانيا استخداما كثيفا للشركات الخاصة، فيرى روبرت يونغ بيلتون، مؤلف كندي أمريكي وخبير في الشركات العسكرية الخاصة، أن هناك حالة من الإقبال الشديد بين المتعاقدين من القطاع الخاص للعمل في أوكرانيا اليوم.
ووفقا لبيلتون، يتم تعيين المتعاقدين مقابل ما يتراوح بين 30 ألف دولار و6 ملايين دولار للمساعدة في إخراج أفراد من أوكرانيا.
وقال إن هذا المبلغ الضخم مخصص لمجموعات كاملة من العائلات التي ترغب في المغادرة مع أصولها.
وأوضح توني شينا، الرئيس التنفيذي لشركة موزاييك، وهي شركة استشارات أمنية واستخباراتية مقرها الولايات المتحدة وتعمل بالفعل في أوكرانيا، إن سعر الإجلاء يعتمد على مدى خطورة المهمة.
وقال: "عندما يكون هناك عدد أكبر من الأفراد تزداد المخاطر، فإجلاء الأطفال والأسر أكثر صعوبة، وهذا كله يتوقف على الوسائل التي نستخدمها في تنفيذ المهمة".
aXA6IDMuMTYuODEuOTQg جزيرة ام اند امز