إيران والباليستي.. أطماع احتلالية ترهق شعبا جائعا
مسؤول إيراني قال إن حالة الفقر المدقع في البلاد أصبحت غير مألوفة، حيث يقبع 12 مليون شخص تحت خط الفقر المطلق.
لوهلة، تملّك الأمل من الإيرانيين في حياة هادئة ومريحة، عقب توقيع الاتفاق النووي بين بلادهم ومجموعة القوى الدولية (5+1) في 2015.
غير أن آمالهم سرعان ما تبخرت، ليدركوا أن بلادهم تدفع حقهم في حياة كريمة ثمنا لبرنامجها الباليستي وتدخلاتها المزعزعة لاستقرار الشرق الأوسط، حتى غدا جزء كبير من الشعب مفتقرا يجوب الشوارع؛ بحثا عن قوته في القمامة.
الحرس الثوري والشعب والقمامة
في إيران، يخضع الاقتصاد برمّته لسيطرة الحرس الثوري، حتى إن مطلعين على الشأن الداخلي يجزمون بأن جميع المعاملات التجارية تمر لزاما عبر هذه المليشيات المُعفاة من الضرائب، والتي تستخدم ثروات البلاد لتمويل أنشطتها القمعية والتوسعية بالشرق الأوسط.
ورغم فقر الشعب، تُوجه تمويلات ضخمة إلى حزب الله اللبناني، والمليشيات الإرهابية في كل من اليمن والعراق، كما أن نظام بشار الأسد الجائر لم يكن ليصمد لولا الدعم المالي من طهران.
عنف وإرهاب يستخدمهما المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وسيلة للابتزاز، سواء داخليا أو إقليميا، ولذلك يرى محللون أنه من غير المُجدي السعي إلى إقناع نظام الملالي بالتخلي عن برنامجه الباليستي أو عن النزعة الاحتلالية التي تتملّكه؛ لأن طهران ترى في ذلك اعترافا بفشل مرشدها الأعلى، في وقت يواجه فيه الأخير سيلا متصاعدا من الانتقادات، لدرجة أنه أضحى يكابد من أجل الحفاظ على قاعدته الأصولية.
ورغم أن إيران تحرص على تقديم صورة مغلوطة عن وضع شعبها الاقتصادي، إلا أن معالم الفقر الواضحة والمفضوحة، أجبرت مسؤوليها على الاعتراف بالوضع الصعب الذي يعاني منه الشعب، رغم التضارب الناضح من التصريحات، ما يشي بأن الرقم أكبر بكثير مما يعلنون.
ففي 6 يوليو/تموز الماضي، قال محمد مخبر دزفولي، رئيس قيادة الخميني، إن "حالة الفقر المدقع في البلاد غير مألوفة أبدا، حيث يوجد 12 مليون شخص تحت خط الفقر المطلق (الحرمان الشديد من الاحتياجات الإنسانية الأساسية)، وبين 25 إلى 30 مليون شخص تحت خط الفقر النسبي (عدم قدرة الإنسان على أن يعيش بنفس المستوى المعيشي الذي يعشيه من حوله في المجتمع)".
وقبلها، وتحديدا في 2014، أعلن حسين راغفر، وهو عضو بإحدى الفصائل التابعة لروحاني، أن "40% من الشعب الإيراني يعيشون تحت خط الفقر المدقع"، وهو ما يعني أن نحو 35 مليون إيراني يكابدون هذه المعضلة، وأن المنطق يفرض ارتفاع الرقم إلى مستويات قياسية، خصوصا وأن الإعلان جاء قبل عامين أي قبل الانهيار التام لظروف عيش الإيرانيين، وفق اعترافات مسؤولين محليين وإعلام رسمي.
تعتيم رسمي عبر تقديم إحصائيات مغلوطة، كذّبها خطيب جمعة مدينة "شاهين دج" الكردية المحتلة الواقعة شمالي إيران، مشيرا إلى أن الأرقام الحقيقية تتحدث عن 56 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر.
بيانات أكّدتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، حين نشرت، في 30 يوليو/تموز الماضي، تقريرا بعنوان "القمامة التي أضحت مائدة أكل الأطفال"، استعرض أوضاعا كارثية لأطفال إيرانيين يبحثون عن الطعام في القمامة.
وأظهر التقرير أطفالا ينبشون القمامة في شوارع طهران؛ بحثا عما يسد جوعهم، وحين سئلوا عن ذلك، ردوا بأن فقر أسرهم يحرمهم الحصول على الطعام كامل اليوم.
جريمة مزدوجة
جريمة مزدوجة ترتكبها طهران بحق شعبها وبحق شعوب المنطقة، أكدتها، الليلة الماضية، المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، بإعلانها أن الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون تجاه العاصمة السعودية الرياض، الشهر الماضي، "يحمل بصمات إيرانية".
إدانة تأتي في وقت تسعى فيه طهران جاهدة من أجل تفنيد جميع الاتهامات الموجهة إليها بقيادة حروب بالإنابة في المنطقة وزعزعة استقرار بلدانها، وفي سياق اقتصادي صعب يعاني منه شعبها.
استثمار خاطئ لموارد الدولة كان يمكن، وفق خبراء، أن يوجه نحو مشاريع داخلية تخفف حدة الفقر المدقع عن ملايين الإيرانيين، ممن يقبعون تحت المستوى الأدنى من الدخل الذي يحتاجه الفرد ليتمكن من توفير مستوى معيشي، أي أن ملايين الإيرانيين يقل دخلهم اليومي عن 1،25 دولار.
فالأرقام المعلنة رسميا في إيران، وإن كانت لا تعكس الواقع بدقة، إلا أنها كفيلة في أي بلد معتدل بأن توجه جميع استثماراته وموارده لإنقاذ شعبه من براثن الفقر، غير أن ما يفعله المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، يمضي عكس تطلعات الشعب الجائع، مستهدفا تسريع عسكرة البلاد.
مهمة عهد بها خامنئي إلى الحرس الثوري الإيراني، هذه المليشيات الناشطة في عدة جبهات بالمنطقة، ويصفها نشطاء الدفاع عن حقوق الإنسان بآلة القمع السياسي للمحافظة على الديكتاتورية الدينية في إيران، وضمان توسعها الإقليمي.
ولأن هذا البلد كان ولا يزال، أحد نقاط الارتكاز الحادة التي تمنع الاستقرار الإقليمي والدولي، تثير تصرفاته العدوانية حفيظة معظم دول العالم.
ففي 20 سبتمبر/أيلول الماضي، لم يخف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، بنيويورك، قلقه، وقال للصحفيين: "هل هذا الاتفاق (النووي) كافٍ؟ لا، إنه غير كاف في ضوء الوضع الإقليمي والضغط المتزايد الذي تمارسه إيران في المنطقة، ونشاطها المتزايد، منذ إبرام الاتفاق، على الصعيد الباليستي".
حتى ذلك التاريخ، كانت إيران لا تزال تناور وتنكر دورها التخريبي بالشرق الأوسط، قبل أن تتسارع الأحداث وتتصاعد حدتها، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حين استهدفت الرياض بصاروخ أطلقته مليشيا الحوثي التابعة لإيران باليمن.
استهداف جعل ماكرون يخرج عن صمته مرة ثانية، ويحذر، خلال زيارته حينها، إلى الخليج، من تصرفات إيران، معتبرا أن "الصاروخ الذي من الواضح أنه إيراني، يظهر أن قوة النشاط الباليستي لطهران في كامل المنطقة، مقلقة للغاية".