عرضنا على مدار عشرة أيام، صوراً قريبة لأهم اللاعبين على مسرح الأزمة الحالية في المنطقة.
بعدما عرضنا على مدار عشرة أيام، صوراً قريبة لأهم اللاعبين على مسرح الأزمة الحالية في المنطقة وهم: الرئيس السيسي، والشيخ محمد بن زايد، والأمير محمد بن سلمان، والمرشد الأعلى الإيراني، والرئيس ترامب، والرئيس بوتين، والتحالف القطري التركي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، تأتي أهم الأسئلة:
يا لها من لعبة معقدة للغاية فيها كل شيء في علم السياسة إلا صيغة قائمة على العقل والحكمة والتسوية. الكرة هذه المرة أمام اللاعب الإيراني، إما أن يخسر بالحرب المحدودة، أو يخسر بالتسوية الملزمة.
السؤال هو: "بعد ما عرفنا «قانون الفعل ورد الفعل» الذى يتحكم فى قرارات هؤلاء جميعاً، كيف سيكون حال المنطقة فى حال اشتداد الصراع؟ هل هي الحرب؟ وإذا كانت فهل ستكون بمنطق محسوب؟ ضربة بضربة؟ حرب ممتدة؟ داخل أم خارج الأراضي الإيرانية؟ هل يحدث فيها إغلاق مضيق هرمز؟ هل تتأثر صادرات النفط والغاز والتجارة؟
وإذا كان القرار هو التسوية الإقليمية فمن هم الوسطاء؟ وبأى شروط؟ وهل يتم بدء إعادة مناقشة الاتفاق النووي، أم تتم إضافات ملزمة لإيران بعدم الاعتداء وحسن الجوار وإيقاف تجارب الصواريخ الباليستية؟
وإذا كانت هناك مفاوضات فما هو أفضل توقيت لها، دون معارك أم بعد صدام عسكري محدود؟ وهل يتم الآن أم يتم الانتظار لمعرفة مستقبل الرئيس ترامب السياسي؟ هل تراهن الحسابات الإيرانية على بقاء ترامب أم على رحيله؟ وهل تساعده بتسوية لإنجاحه مقابل رفع العقوبات وإعادة تأهيل إيران؟
حرب، تسوية، تأجيل، أيها يفرض نفسه؟
أخطر ما في كل الصورة ليست مخاطر الحرب أو ثمن التسوية أو أضرار انتظار نتائج التأجيل، ولكن أخطر ما في هذا الوضع أن الجميع، وأكرر الجميع، من المرشد إلى ترامب، ومن بوتين إلى نهاية جميع القوى الإقليمية وامتداداتها، لا يعرفون إلى أين -بالضبط- يمكن أن تنتهي هذه الأزمة؟
إيران تريد أن تكون القوة الإقليمية العظمى، لكنها لا تريد الحرب وتكاليفها.
وإيران أيضاً لا تريد الحرب، لكنها لا تريد إعادة فتح مناقشة اتفاق جديد مع الأمريكيين فيه شروط جديدة.
ترامب يريد أن يلقن إيران درساً، ويحشد «إبراهام لنكولن»، و«نيمتز»، لكنه يعلن أنه لا يريد الحرب.
يتحدث عن المواجهة، لكنه يبحث عمن يدفع الفاتورة الباهظة.
شبح احتمالات الحرب بالوكالة يطفو على السطح من جانب الإيرانيين والأمريكيين.
وشبح التفاوض بالوكالة أيضاً يظهر من جانب الأطراف.
نحن الآن أمام سباق محموم للوساطات فى المنطقة والعالم يمكن تحديده على النحو التالي:
1- رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي.
2- رئيس الجمهورية السويسري لكون سويسرا الدولة الراعية للمصالح بين أمريكا وإيران.
3- رئيس الوزراء الياباني الذي حصل على الضوء الأخضر من ترامب للتحدث مع الزعامة الإيرانية عند قيامه بأول زيارة لرئيس وزراء ياباني لطهران منذ عام 1979.
4- قطر وتركيا اللتان تعرضان ليل نهار جهود الوساطة.
5- سلطنة عمان التي شهدت قبل ذلك لقاءات سرية بين الطرفين.
6- السفير البريطاني لدى العراق صاحب العلاقات الجيدة مع الطرفين.
7- جون كيري، الذي منذ أن ترك منصبه كوزير خارجية لبلاده، يعمل في مجال الاستشارات مع الإيرانيين.
8- الشيخ صباح الأحمد، أمير الكويت، الذي يعرف بخبرته العميقة في مجال الدبلوماسية أن قضايا انفجار الوضع في حال الصدام العسكري سوف تطال دول الخليج.
9- المخابرات الألمانية التي أوفدت مبعوثاً لها سراً إلى طهران.
آخر الوسطاء هما باكستان والهند بطلب إيرانى من وزير الخارجية جواد ظريف.
إذاً نحن أمام استعداد عسكري محموم، وتصريحات نارية من ناحية، وتأكيدات من الجميع أنهم يرفضون الحرب، ووساطات محمومة ليل نهار.
أي من هذه الاحتمالات قابل للترجيح؟
الإجابة الأمينة: أتحدى، أكرر أتحدى، أن أحداً كائناً من كان يعرف إجابة محددة سوى أن كل الاحتمالات مفتوحة، من التسوية إلى التأجيل إلى انزلاق وانفلات الوضع العسكري.
المعضلات الأساسية هي حالة الصراع الداخلي في الإدارات، وبالتالي في الإرادات لدى كل طرف في واشنطن وطهران:
في إيران صراع رأسي وعمودي بين الحرب الشاملة والحرب المحدودة، بين الحرب المباشرة أو الحرب بالوكالة، بين التسوية الشاملة أو رفض أي تعديل؟ لذلك كله تظهر تصريحات رسمية متناقضة يومياً.
في إيران صراع بين المرشد والرئيس وبين الحرس وتيار آخر داخل الحرس، وبين النخبة والمجتمع المدني وبين هؤلاء والحوزة الدينية.
في واشنطن هناك صراع بين ترامب وترامب، بمعنى أن الرجل متأرجح بين المواجهة بهدف المواجهة، والمواجهة بهدف تحسين شروط التفاوض.
وفي واشنطن صراع بين الرئيس وأقطاب حزبه، وبين حزبه والمعارضة الديمقراطية، وبين جهاز الاستخبارات وبين وزارة الدفاع، وبين جون بولتون ومايك بومبيو.
وفي العراق أنصار إيران يريدون المواجهة، وأنصار واشنطن يريدون الوساطة والتهدئة.
وفي إسرائيل هناك اتفاق على ضرورة أن تحدث ضربة تكون على أرض إيران.
وسط كل هذا الجنون يعرض وزير الخارجية الإيراني «الوجه الجميل الطيب المتسامح المسالم» للسياسة الإيرانية حينما يصرح بأن بلاده ترغب في حسن الجوار مع دول الخليج العربي إلى الحد الذي عرض فيه «عمل معاهدة بين إيران ودول الخليج العربي تنص على عدم الاعتداء وحسن الجوار».
في الوقت ذاته تصدر تصريحات من قائد سلاح البحرية الإيرانية تتحدث عن إشعال مياه الخليج العربي كله ضد الأعداء!
وفي روسيا يريدون توريط أمريكا ودفع إيران أكثر إلى أحضان موسكو.
وفي الرياض وأبوظبي والقاهرة والمنامة والأردن هناك رغبة أكيدة لأن يتم تحجيم الدور الإيراني عبر ضغط محسوب يعيد إيران إلى داخل حدودها ويوقف امتداداتها في المنطقة مهما كان الثمن ومهما كانت التكاليف.
معسكر الاعتدال العربي هذه المرة سوف يذهب للنهاية في مشروع تحجيم الدور الإيراني في المنطقة.
يا لها من لعبة معقدة للغاية فيها كل شيء في علم السياسة إلا صيغة قائمة على العقل والحكمة والتسوية.
الكرة هذه المرة أمام اللاعب الإيراني، إما أن يخسر بالحرب المحدودة، أو يخسر بالتسوية الملزمة.
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة