الحقيقة أن النظام الإيراني يستعمل الاعتقالات والإعدامات كورقة ضغط على الحكومات الغربية،
ما زالت الحكومة البريطانية تحقق في اعتقال النظام الإيراني لعدد من الأشخاص الذين يحملون الجنسيتين البريطانية والإيرانية، وقد اُعتقلوا بطريقة غريبة، أشبه بالاختطاف من الشارع أو قرب البيت أو أي مكان آخر، وذلك من خلال رجال مجهولين وبأسلوب همجي.
النظام الإيراني لا يعترف بالاعتقالات عادة، وعندما يبحث الأهل في السجون الرسمية، قد لا يجدون اسم المُختطَف هناك، وربما كانت الأجهزة الأمنية أو الحرس الثوري أو البسيج أو غيرهم قد اختطفتهم إلى أماكن سرية مجهولة؛ ربما تكون مخابئ تحت الأرض (سراديب غير قابلة للسكن والحياة) أو سجون خاصة أو بيوت معدة لذلك، ليست معهودة ولا معروفة للبحث عنهم.
وعند سؤال المسؤولين الرسميين، فإنهم يزعمون عدم معرفتهم بذلك أصلاً، من خلال "التقية" والتورية والحيل والمراوغة التي يؤمن بها ويستعملها النظام الإيراني، وهي الركن الثالث من الأركان العشرة التي يقوم عليها هذا النظام، كما في كتابَي "إيران من الداخل" و"الإمبراطورية الفارسية صعود وسقوط".
القمع الموجود في إيران لا مثيل له عالمياً، والتجسس على الشعب ومراقبته ومحاسبته من خلال اللجان الثورية والتعبئة والبسيج والحرس الثوري وغيرها يجعل إيران سجناً كبيراً رهيباً تحت جور ولاية الفقيه الطاغوتية التي نشهد مرحلة ضعفها وهوانها وبوادر انهيارها.
وكان الحرس الثوري الإيراني، قد اعتقل 30 شخصاً على الأقل، "مزدوجو الجنسية" في السنتين الأخيرتين حسب التقارير العالمية، ولغاية الآن لا يعلم حتى ذويهم مكان وجودهم، ولا توفُر محامين لهم للدفاع عنهم، ولا أبسط حقوق لهم.
"عباس عدالت"، البروفيسور في علوم الكمبيوتر في "أمبريال كوليج" بلندن، اُعتقل على أيدي "الحرس الثوري الإيراني" في طهران، وطالب به "بوريس جونسون" وزير الخارجية البريطاني كما طالب بالإفراج عن المعتقلة "نازانين زغاري راتكليف" المعتقلة منذ 2016، والتي تتهمها السلطات الإيرانية بالتجسس كما تتهم أكثر المعتقلين متعددي الجنسية.
والحقيقة أن النظام الإيراني يستعمل الاعتقالات والإعدامات كورقة ضغط على الحكومات الغربية، مقابل الاتفاق النووي، وما تقوم به إيران من أعمال إرهابية في شتى بقاع الدنيا مع مليشياتها الطائفية في المنطقة ليكون النظام الإيراني أكبر دولة إرهابية في العالم كما عبر الرئيس الأمريكي" ترامب."
أما الاعتقالات الوحشية الكثيرة في الداخل فلا يطالب أحد بهم من الخارج، ومن هنا كان القمع والسجن والترهيب للداخل بشكل أكبر بكثير من الخارج، وهي المعارضة الحقيقية للنظام، وليست هناك إحصائيات دقيقة أو إحصاءات علمية للعدد الهائل من هؤلاء المسجونين والمعدومين بالداخل، ففي حادثة واحدة معروفة عام 1988 قام النظام بإعدام ثلاثين ألفاً من المعارضين الإيرانيين للنظام وولاية الفقيه والكثير منهم ليبراليون لا يؤمنون بالنظام، ويكفي ذكر "صادق خلخالي" الجزار في المحاكم الثورية، والذي أعطاه الخميني إجازة الإعدام بلا محاكم، كما شرحته في كتابنا "إيران من الداخل".
المظاهرات الأخيرة الإيرانية في ديسمبر 2017 تشير بعض التقارير العالمية إلى اعتقال أكثر من 3700 من الشباب الحر المنتفض، ولا يزال أهاليهم يطالبون بهم، وقد تم إعدام بعضهم لا سيما من السنّة العرب في الساحات العامة وبطريقة وحشية ترهيباً للشعب من التظاهر ضد النظام.
ولولا استعمال النظام كل هذه الوسائل الهمجية والاعتقالات العشوائية، واستعادة الحرس الثوري من سوريا والعراق واليمن ولبنان، والمجيء بالمليشيات الطائفية العراقية واللبنانية والأفغانية وغيرها؛ لما استطاع النظام قمع المظاهرات المنظمة المتصاعدة إلى أكثر من مائة وخمسين مدينة منها قم وطهران ومشهد وغيرها.
حسب التقارير العالمية تعتبر إيران من أكبر الدول في عدد السجناء والسجون والإعدامات، والأوضاع السيئة جداً للسجون المعروفة، وخلطها المساجين المجرمين مع معتقلي الرأي، وتعاملها العنصري الواضح ضد السنّة والقوميات؛ لاسيما العرب والبلوش والأكراد.
ومن أشهر السجون الإيرانية المعروفة عالمياً هو "إيفين" الذي يقع في منطقة "سعادت آباد" شمال غرب طهران، ويحوي السجناء السياسيين وسجناء الرأي المعارضين لولاية الفقيه، وفيه جناح "209" خاص للحرس الثوري وللأجهزة الأمنية، وجناح "350" خاص للسلطة القضائية، والأجنحة من واحد إلى أربعة مخصصة لمن ينتظر حكم الإعدام عليه لكثرة الإعدامات ...
وتحوي باحة السجن ساحة كبيرة مخصصة للإعدامات التي طالما شهدت الإعدامات الجماعية طوال هذه الأعوام تحت المحاكم الثورية والسلطات القضائية. لقد مرّ الكثير من المثقفين والكتاب والإعلاميون في هذا السجن الرهيب حتى سمي "جامعة إيفين" استهزاءً بوضع الكوادر الفكرية في السجون بدلاً من الاستفادة منهم.
ولا يمكن أن ننسى الصحفية الكندية – الإيرانية "زهراء كاظمي" التي قُتِلت عام 2003 في السجن، حيث وُجدت على جثتها آثار التعذيب وتهشيم الجمجمة والاعتداءات الجنسية كما أخبر الطبيب الشرعي والفحص الطبي، وكذا معاناة الصحفي "مزيار بهاري" في "نيوز ويك" أيام السجن التي حولها لاحقاً إلى فيلم سينمائي يحكي صوراً من الجرائم الوحشية ووحشية السجانين التي يندى لها جبين الإنسانية.
وأما سجن "كارون" في "الأحواز" فهو يعج بسجناء الرأي من العرب بشكل فظيع، واشتهر بالعنصرية ضد العرب والتعذيبات الجسدية والنفسية، والاعتداءات الجنسية على الأولاد والنساء، والإعدامات الجماعية، ويفتقد أبسط المعايير الإنسانية والحقوق المعهودة دولياً.
وهناك سجن آخر سيء الصيت أيضاً باسم "سبيدار" في الأحواز أيضاً، وهو لا يبعد عن سجن "كارون" سوى أقل من أربعمائة متر، وهو مخصص للعرب كذلك، ما عدا السجون السرية ومواقع الحجز والاختطاف الكثيرة المخصصة للعرب فقط.
والكثير من المعتقلين يموتون في السجون نتيجة للتعذيب الوحشي الذي يتعرضون له، ومنهم "كاووس سيد إمامي" عالم الاجتماع الكندي – الإيراني الذى قضى أخيراً في أحد المعتقلات السرية بطهران، حيث سلمت جثته لعائلته في 9 فبراير 2018 بعد اتهامه بالجاسوسية.
ويذكر تقرير المركز الدولي لدراسات السجون وجود أكثر من مائتين وخمسين ألف سجين بإيران مسجل عندها، وأما غير المسجلين فليس معلوماً عددهم، وتقرير منظمة حقوق الإنسان يذكر قتل أكثر من 70 طفلاً في السنين الأخيرة، وتعرّض النساء والأطفال للاغتصاب في السجون والمعتقلات.
والسؤال المطروح لماذا تعتبر إيران من أكبر الدول في عدد المعتقلين والسجناء، وكذلك عدد السجون والإفراط في الإعدامات، وما دور النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي بذلك؟.
والحقيقة أنّ القمع الموجود في إيران لا مثيل له عالمياً، والتجسس على الشعب ومراقبته ومحاسبته من خلال اللجان الثورية والتعبئة والبسيج والحرس الثوري وغيرها يجعل إيران سجناً كبيراً رهيباً تحت جور ولاية الفقيه الطاغوتية التي نشهد مرحلة ضعفها وهوانها وبوادر انهيارها لاسيما الانتفاضة الأخيرة المباركة كما سقطت الإمبراطورية الصفوية من قبل، وقد شرحته في كتابنا "الإمبراطورية الفارسية صعود وسقوط".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة