الأوهام قد تنفع في اكتساح البرلمان. إلا أنها لن تكافح فيروسا أصله فيروس أشد فتكا وأشرس تفشيا
لا يملك الإيرانيون إلا الصبر والصلاة على ما أصابهم من بلاء. ففي ظل نظام، هو بحد ذاته تهديد أسوأ من كورونا، كان ثمة طابع رمزي، رباني بالأحرى، أن تظهر عدوى كورونا "المستجد" في مدينة قم، مقر إقامة علي خامنئي، والمرجعيات الدينية الأخرى في إيران.
في بلد تتراجع الخدمات الصحية فيه، ويتدهور اقتصاده على نحو متسارع، ويخوض نظامه حروبا دونكيشوتية شتى، وتمارس مليشياته التعسف والإرهاب في الداخل والخارج، فإن آخر ما ينقص الثمانين مليون ضحية لهذا النظام أن يتفشى بينهم فيروس مرعب إضافي.
حتى ولو انتخب الأمريكيون رئيسا جديدا، فإن الاتفاق النووي قد توفي أصلا، متأثرا بكورونا خامنئي، أو عدوى مليشياته الطائفية التي تتفشى في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وهو ما يعني أن الولايات المتحدة، كما بقية دول العالم الأخرى، سوف تطالب بالتوصل إلى اتفاق جديد
المقارنة ستكون مفزعة. فالذين قتلوا وسجنوا وعذبوا وأعدموا، بتأثير كورونا خامنئي، على أثر الاحتجاجات التي ظلت تندلع من حين إلى آخر في إيران، منذ عام 2011 حتى اليوم، الذين يقدر عددهم بعشرات الآلاف، لن يكون عدد ضحايا "كورونا المستجد" بينهم إلا مزحة. إذ يستطيع المجتمع الإيراني أن يرى، بأشد الوضوح، أن كورونا خامنئي أكثر تفشيا، وأكثر قابلية على إلحاق الأذى بالأبرياء من كورونا الصين.
إيران بلد كان يحظى بنظام معقول للرعاية الصحية. إذ كانت توجد فيه 981 مستشفى، بها أكثر من 130 ألف سرير. وظلت تكلفة الرعاية الصحية في المستشفيات العامة رخيصة نسبيا. وعرف القطاع الطبي الإيراني أطباء بارزين. وينخرط في الجامعات الإيرانية نحو 180 ألف طالب طب. وأشار بعض الإحصائيات إلى أن هناك نحو 117 ألف طبيب يعملون في إيران. إلا أن هذه الصورة سرعان ما تشوهت جراء الأوضاع الاقتصادية التي ظلت تتدهور على نحو ثابت خلال العقود الأربعة الماضية.
منذ عام 2015، صار هناك نقص شديد في عدد الأسرة في المستشفيات الإيرانية يبلغ 60 ألف سرير، حسبما نقلت صحيفة "جمهوري إسلامي" عن تصريحات نائب وزير الصحة الإيراني محمد هادي إيازي، في ذلك الوقت.
ويستطيع المرء أن يتخيل أن النقص تضاعف الآن. وبحسب تقرير لمركز "المزماة" للدراسات والبحوث نشر في مارس/آذار 2015، فقد "تراجعت مستويات الكفاءة ونوعية المعدات والأجهزة الطبية، إذ أثر الحظر المفروض على إيران في قدرتها على استقطاب وشراء نوعية الأجهزة والمعدات الطبية اللازمة لمواكبة مسيرة الطب عالمياً".
وبسبب الفقر المتفشي بين الأطباء، لم يعد من الغريب، أن يشارك الأطباء عصابات تهريب وبيع الأعضاء البشرية، أو ارتكاب مخالفات، أو استخدام أدوات غير مرخصة.
اليوم وقد دخلت البلاد في أوضاع اقتصادية أكثر سوءا، فإن حال الخدمات الطبية في البلاد، يكاد يكون مأساة قائمة بذاتها.
تعيش إيران في "حالة مرض جسدي وسياسي"، بحسب التصريحات التي أدلى بها ياسر علي أكبر هاشمي رفسنجاني لصحيفة "الغارديان" البريطانية الأحد 23 فبراير/شباط الجاري. الابن الأكبر للرئيس السابق قال ذلك معلقا على نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي سجلت تراجعا تاريخيا في نسب المشاركة في التصويت، قدرت بنحو 40% ممن يحق لهم التصويت.
هذه النتيجة ليست، في الواقع، سوى عاقبة من عواقب تفشي كورونا خامنئي، التي سمحت للتيار المليشياوي المتطرف بأن يقود، ليس المرجعية الدينية وحدها لكي تتحول إلى مرض عضال، ولا اقتصاد البلاد لكي يمضي إلى الهاوية، ولا البنية التحتية إلى التهالك، بل والبرلمان، وغدا الرئاسة، لكي يواصل حربه المظفرة ضد طواحين الهواء.
الدافع الوحيد وراء تسلط التطرف يقوم على اعتقاد يقول إن الانتخابات الأمريكية المقبلة سوف تطيح بالرئيس دونالد ترامب وتأتي برئيس جديد قد يفتح صفحة جديدة مع إيران.
وما هذا إلا وهم.. فحتى ولو انتخب الأمريكيون رئيسا جديدا، فإن الاتفاق النووي قد توفي أصلا، متأثرا بكورونا خامنئي، أو عدوى مليشياته الطائفية التي تتفشى في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وهو ما يعني أن الولايات المتحدة، كما بقية دول العالم الأخرى، سوف تطالب بالتوصل إلى اتفاق جديد.
وأي اتفاق جديد، لا بد له أن يعيد النظر في الأسس.
أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار يجب أن تتوقف. ويجب أن تتصرف إيران كدولة طبيعية لا كدولة تدخلات خارجية وحروب طائفية.
دول المنطقة لن تسمح، على أي حال، بأي اتفاق نووي جديد لا يأخذ مخاوفها من كورونا خامنئي بنظر الاعتبار.
الأوهام قد تنفع في اكتساح البرلمان. إلا أنها لن تكافح فيروسا أصله فيروس أشد فتكا وأشرس تفشيا.
ماذا بقي للإيرانيين أن يفعلوا في مواجهة عدوين قاتلين، كلاهما يتفشى، فعليا ورمزيا، من قم؟ أفلا يبدو كأن القدر يدلهم على بيت الداء؟
الإمكانات المتاحة محدودة. والاقتصاد يقف على حافة الإفلاس. والعلاقات مع دول العالم والمنطقة في أسوأ احوالها. وجراح القهر تنزف.
كل ما بقي هو الصبر والصلاة على ما أصابهم من بلاء، لعل الداء يشفي من الداء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة