إن أمـام إیران فـرصـة تـاریـخیة لـلعودة إلـى طـاولـة الـمفاوضـات قـبل فـوات الأوان وإلا سـیتكرر سـیناریـو حـرب الـعراق
كـانـت السـیاسـة الإمـاراتـیة ولا تـزال تـعتمد عـلى الـثوابـت الـتي خـطتھا رؤیـة الـمغفور لـھ الشـیخ زایـد، والـتي تسـتند إلـى الأسـس الاسـتراتـیجیة الـقائـمة عـلى الـدبـلومـاسـیة والـعقلانـیة والـعدل، أبـرزھـا رفـض إقـامـة قـواعـد عـسكریـة أجـنبیة فـي الـمنطقة، واعـتبار أمـن الخلیج من مسؤولیة أبنائھا، والحفاظ على الاستقرار في المنطقة والعالم.
إن أمـام إیران فـرصـة تـاریـخیة لـلعودة إلـى طـاولـة الـمفاوضـات قـبل فـوات الأوان وإلا سـیتكرر سـیناریـو حـرب الـعراق، آنـذاك لـن تـبقي الحـرب فـیھا عـلى أیـة بـنیة تـحتیة صـالـحة، ومـھما كـانـت الشـروط الأمـریـكیة، حـتى لـو كـانـت مـجحفة فـي نـظر الـنظام الإیراني فھي أفضل من خیار الحربأین إیران من ھذه المبادئ التي یتفق علیھا غالبیة دول المنطقة؟
لـقد ضـربـت إیران ھـذه الـمبادئ بـعرض الـحائـط بـاحـتلالـھا الجـزر الإمـاراتـیة الـثلاث، وـبثھا الـتوتـر والـتأزم فـي الـمنطقة، وتـمویـل أذرعھا في كل من العراق ولبنان والیمن وأفغانستان ومناطق أخرى.
ھـناك تحـدیـات أمـنیة كـبیرة فـي الـمنطقة یحـرص عـلى حـمایـتھا الـعالـم بـأكـمله، ویـتركـز عـلى الأمـن البحـري، ومـخاطـر انـتشار الأسـلحة الـنوویـة، وكـذلـك سـقوط بـعض الـدول وإشـاعـة الـفوضـى، لـكن إیران جـعلت مـن ھـذه التحـدیـات مـحاور سـیاسـتھا الـعدوانـیة، مـن خـلال مـحاولاتـھا فـي زعـزعـة الأمـن البحـري بخـلق أجـواء الـتوتـر، وبـتطویـر أسحـلتھا الـنوویـة للھـیمنة عـلى الـمنطقة، وبـتصدیـر "ثورتھا" إلى الخارج.
إن إقـامـة حـوار اسـتراتـیجي بـین إیران ودول مجـلس الـتعاون الخـلیجي يـواجـه طـریـقاً مسـدوداً بسـبب تـعنتھا، لـذلـك فـإن تـصور الخـلیج للتھـدیـد الإیرانـي لـم یـأت مـن الـفراغ؛ لأن إیران تـرفـض مـنطق الـحوار عـلى أسـس الـتعامـل الـدولـي والـدبـلومـاسـي، بـل تصر عـلى سـیاسـتھا، وذلـك یـتمثل مـن خـلال إصـرارھـا عـلى مـواقـفھا الـمتصلبة بـشأن الأزمـة الـحالـیة بـینھا وبـین الـولایـات المتحـدة، وحـدیـثھا بـمنطق نـظام ولایـة الفقيه، لأن قـادتـھا فـقدوا مـقاومـات بـقائـھم فـي السـلطة نـتیجة الانھـیار الاقـتصادي الـذي تـعانـي منه البلاد، ویثور عليه الشعب.
فھل سیعلن الساسة الإیرانیون عن تخلیھم عن الشعارات العقائدیة التي ینادون بھا في المنطقة من أجل تھدأة الأوضاع؟
لـم یـكن الـتصعید یـصل إلـى ھـذا الحـد بـین الـولایـات المتحـدة وإیران بـما فـیھا قـرع طـبول الحـرب لـو كـانـت إیران تـلتزم بـالـمنطق العقلاني في سياستها وعدم السعي إلى مد أذرعتها الأيديولوجية والحزبية والدينية في دعم حزب الله في لبنان وحماس في غزة، والـحوثـي فـي الـیمن، ونـحو 67 فـصیلاً مسـلحاً فـي الـعراق، وذلـك مـا یـثیر الـعالـم مـن حـولـھا، ورغـم كـل ذلـك تـسعى إیران لأن تسوق إلى العالم صور الضحية عن نفسها، وتكيل الاتهامات الباطلة إلى بلدان الخليج والعالم.
إن رفـع شـعارات الإسـلام والـمذھـب والـطائـفیة لـم یـعد نـافـعاً فـي الـوقـت الـذي تـتنامـي فـیه مـعارضـة الـنظام الإیرانـي فـي الـشارع یوماً بعد آخر، لذلك یجد صراع المصالح والنفوذ دیمومته في تشبث إیران بعنجھیتھا المعھودة والتعبیر عنھا بطرق مختلفة.
ھـل تسـتطیع إیران تحمل الـعقوبـات الاقـتصادیـة طـویـلة الـمدى، والـمواجـھة المسـلحة مـع أمـریـكا فـي آن واحـد؟ وھـل تـتمكن إیران من معالجة الأزمة الحالیة بالعقلیة المنطقیة؟
یـرحـب جـناح الأصـولـیین الـمتطرفـین بـالـمواجـھة الـعسكریـة لأنـها بـمثابـة قـارب نـجاة لـھم، أمـا الإصـلاحـیون لا یـتبنون ھـذا الخـطاب الإیرانـي الـبائـس، أصـبحت إیران مـصدر تھـدیـد فـعلي لـلمنطقة والـعالـم؛ لأنـھا دولـة خـارجـة عـن السـیاقـات الـدولـیة الـمتعارف عـلیھا، دولـة عـقائـدیـة مـارقـة، وھـي لا تـختلف عـن الـقاعـدة وطـالـبان والإخـوان وداعـش فـي الـتفكیر والسـلوك، بـل تـتصرف مـثلما تصرف النظام العراقي مع الأزمة في 1991 بالشعارات والتھدید مع اختلاف الوضعین.
لـقد كـشفت الأزمـة الـحالـیة عـن عـدوانـیة السـیاسـة الإیرانـیة ورادیـكالـیة نـظامـھم، فھي تـرفـض الـحوار، والـرضـوخ لـلإرادة الـدولـیة، بـل تّصر عـلى تھـدیـد مـصالـح الـمنطقة، إن ضـرب الـسفن الأربـع فـي مـیناء الـفجیرة، وقـصف مـنشآتـھا الـنفطیة مـن قـبل الـحوثـي، مـا ھـو إلا تحـریـك إیران لأذرعـھا الـخبیثة فـي الـمنطقة، بـینما كـانـت خـارطـة الـحوار واضـحة وأبـرز نـقاطـھا إیـقاف الـتطویـر الـنووي وقـطع الامـدادات عن الملیشـیات الـعراقـیة الـمناصـرة لـھا، والـحوار مـن أجـل مـصالـح الـمنطقة بـرمـتھا، وعـلى إیران أن تـفھم أنـھا غیر قادرة على اجتراح المعجزات في ھذه الأزمة.
إنـھا فـي الـحقیقة غسـیل أمـوال وتـمویـل الإرھـاب والملیشـیات، لـذلـك أصـبح تـحجیم الـدور الإیرانـي فـي الـمنطقة مـھمة دولـیة، والتھـدیـد بـضرب الـمصالـح الأمـریـكیة لـن یـتمكن مـن إزالـة الـعقوبـات ولا یـطلق إعادة تـصدیـر الـنفط إلـى حـالـته الـسابـقة، ولا ننسـى أنه مع اشتداد الحصار ونمو المعارضة داخلھا وخارجھا سیكون ضربة قاصمة لإیران؛ لأنھا ستقود شعبھا إلى دفع الثمن غالیاً.
إن أمـام إیران فـرصـة تـاریـخیة لـلعودة إلـى طـاولـة الـمفاوضـات قـبل فـوات الأوان وإلا سـیتكرر سـیناریـو حـرب الـعراق، آنـذاك لـن تـبقي الحـرب فـیھا عـلى أیـة بـنیة تـحتیة صـالـحة، ومـھما كـانـت الشـروط الأمـریـكیة، حـتى لـو كـانـت مـجحفة فـي نـظر الـنظام الإیرانـي، فھـي أفـضل مـن خـیار الحـرب؛ إذ لـم یـعد إثـارة الحـماس الـقومـي والـدیـني والـطائـفي الھـزیـل نـافـعاً لـشعب یـعانـي مـن الحصار والجوع والانھیار.
فـلا تـنفعه تھـدیـدات غـلق الـممرات الـمائـیة فـي "مـضیق ھـرمـز" أو دعـم الملیشـیات الـمناصـرة لـھا فـي الـعراق ولـبنان والـیمن وأفـغانـستان وغـیرھـا، كـما لا یـنفع التھـدیـد بـضرب الـمصالـح الأمـریـكیة إذا مـا ھـاجـمت الـقوات الأمـریـكیة إیران؛ لأن الأخـیرة سـتكون الـخاسـر الأكـبر، لـكن إیران تـمارس الـنفاق السـیاسـي، فـمن نـاحـیة تـرفـض الحـرب، ومـن نـاحـیة أخـرى تـمول أذرعـھا لـلقیام بھا بالوكالة! ولكن السؤال المطروح: ھل ستكون إیران آمنة من نیران ھذه الحرب لو نشبت؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة