3 مقابل 1.. انتخابات إيران بين انقسامات المحافظين وفرصة الإصلاحيين
منافسة ثلاثية على رسم ملامح الانتخابات الإيرانية بين مرشح إصلاحي وثلاثة محافظين، بعد انسحاب اثنين من السباق الرئاسي.
وخلال الـ24 ساعة الماضية، انسحب اثنان من معسكر المحافظين من سباق الانتخابات، وهما علي رضا زاكاني، وأمير حسين غازي زاده هاشمي.
ليتبقى في السباق كل من محمد باقر قاليباف، وسعيد جليلي، ومصطفى بور محمدي، والإصلاحي الوحيد مسعود بازشكيان.
وفي حين يتقدم بيزيشكيان في العديد من استطلاعات الرأي، فإن السباق بعيد كل البعد عن الحسم.
لكن بحسب تحليل طالعته "العين الإخبارية" في مجلة "فورين بوليسي"، فإن فرص السباق ستتحسن بشكل كبير إذا فشل المحافظون في الاتحاد خلف مرشح واحد.
وفي الوقت نفسه، تشير المجلة إلى أن الصراع الداخلي المحافظ أمر بالغ الأهمية، حيث إن الاختلافات بين مرشحيهم الرئيسيين كبيرة ويمكن أن تشكل سياسة إيران المستقبلية.
في انقسام المحافظين فوائد للإصلاحي
المعسكر المحافظ في إيران، الذي غالبا ما يُشار إليه في الخارج باسم "المتشددين"، بعيد كل البعد عن كونه متجانسا.
وقد سلطت الانتخابات البرلمانية الأخيرة الضوء على هذه الانقسامات الداخلية، إذ تنافست المجموعات المحافظة المختلفة ضد بعضها بعضا.
وظهر ذلك الانقسام جليا في الخسائر التي منيت بها القائمة المحافظة، التي ضمت حمد باقر قاليباف، الذي كان رئيسا للبرلمان الإيراني منذ عام 2020، أمام مجموعات أكثر تشددا بقيادة رجال الدين والناشطين المحافظين.
والآن تتجلى نفس الديناميكية في السباق الرئاسي، مما يعقد الجهود المبذولة من أجل الوحدة المحافظة، ويعود بالفائدة عن غير قصد للمرشح الإصلاحي بيزيشكيان.
قاليباف.. هل تقوده الرابعة للكرسي؟
ويتضح التباين بين المرشحين المحافظين بسرعة في سيرتهم الذاتية، إذ يسعى قاليباف إلى الرئاسة للمرة الرابعة، وله خلفية كقائد سابق في الحرس الثوري، ورئاسة بلدية طهران.
وخلال فترة ولايته كرئيس للبلدية، ركز قاليباف على تحديث البنية التحتية لطهران، وقيادة مشاريع بارزة مثل بناء نظام المترو.
ومن الناحية السياسية يضع نفسه كمحافظ براغماتي، ويدافع عن الحد من تدخل الحكومة في الاقتصاد، ويؤكد التأثير الضار للعقوبات، ويدعم المفاوضات لتخفيفها.
ولطالما قدّم نفسه كزعيم مجهز لتوجيه البلاد خلال الأوقات الصعبة بإدارة فعالة.
جليلي.. عدو الغرب
أما سعيد جليلي، كبير المفاوضين النوويين السابق، فيتميز بمعارضته الشديدة للاتفاق النووي مع القوى الغربية لعام 2015.
وقد ازدادت شهرة جليلي خلال فترة عمله كأمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، حيث أشرف على المفاوضات النووية من عام 2007 إلى عام 2013.
ومثل قاليباف فإن جليلي من قدامى المحاربين في الحرب الإيرانية العراقية، التي فقد فيها ساقه، وهو متحالف بشكل وثيق مع الفصائل الأكثر محافظة في إيران.
لكنه يعتبر أكثر صرامة من قاليباف من الناحية الأيديولوجية، حيث يعطي الأولوية للاعتماد على الذات ومقاومة النفوذ الغربي.
وتعود المنافسة بين جليلي وقاليباف إلى الانتخابات الرئاسية لعام 2013، حيث تنافس كلاهما في ميدان محافظ مزدحم ولم ينسحب أي منهما لصالح الآخر.
وقد أسهم هذا الافتقار إلى الوحدة بين المحافظين في الانقسام في تصويتهم، مما سهّل في النهاية فوز المرشح المعتدل حسن روحاني.
وفي تلك الانتخابات، تلقى جليلي تأييدا كبيرا من الراحل مصباح يزدي، أحد أكثر رجال الدين المحافظين في إيران، الذي أشاد به باعتباره المرشح "الأكثر تأهيلاً".
وأصبح الانقسام الأيديولوجي واضحا بشكل متزايد في البرلمان الإيراني الحالي، حيث انتقد حلفاء جليلي في حزب "جبها بيداري" قاليباف، على سبيل المثال، لمحاولته تخفيف مشروع قانون يهدف إلى زيادة فرض الحجاب الإلزامي.
كانت هذه المناوشات البرلمانية بمثابة معاينة أيديولوجية للانتخابات الرئاسية.
فموقف جليلي المتشدد بشأن المفاوضات مع الغرب، خاصة معارضته القوية للاتفاق النووي لعام 2015، يتناقض بشكل صارخ مع نهج قاليباف الأكثر براغماتية.
وكان جليلي قد صرّح بشكل قاطع، "لو أصبحت رئيسا، لما وقعت على خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) لأن تفكيري مختلف".
طوال فترة ترشحه الحالية للرئاسة، أكد جليلي باستمرار التزامه برؤية الاعتماد على الذات لإيران، وأظهر القليل من الاهتمام بالسعي إلى تخفيف العقوبات. ويؤكد هذا الموقف الجامد على إيمانه بالاكتفاء الذاتي على المدى الطويل على التنازلات الاقتصادية الفورية.
على النقيض من ذلك، سلط قاليباف الضوء باستمرار على الآثار الضارة للعقوبات الدولية، داعيا إلى استراتيجية دبلوماسية.
ويقترح الرجل رفع العقوبات من خلال عملية تنازلات متبادلة ومتدرجة، تعكس عقلية أكثر مرونة.
ويسعى نهج قاليباف إلى التخفيف من الصعوبات الاقتصادية الفورية التي يواجهها الإيرانيون، ويقدم نفسه كزعيم قادر على التنقل في المفاوضات الدولية المعقدة.
وشكك قاليباف علنا في افتقار جليلي إلى الخبرة التنفيذية وقدرته على بناء الإجماع.
في الأثناء، صعّد أنصار المرشحين من خطابهم، حيث استهدف كل معسكر نقاط ضعف الآخر بقوة.
ووصف ماجد رفيعي، ناشط إعلامي في فريق قاليباف، جليلي بأنه "حالم"، قائلا: "الرئاسة ليست مكانا للتجربة والخطأ. إن مصير الأمة على المحك".
من ناحية أخرى، استغل أنصار جليلي الجدل الدائر حول عائلة قاليباف وشركائه خاصة في ملفات "فساد".
وكثيرا ما يثيرون "فضيحة ملابس الأطفال"، حيث اتُهمت ابنة قاليباف الحامل بشراء كمية كبيرة من السلع من إحدى الدول عام 2022 وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية في إيران.
بالإضافة إلى ذلك، يشيرون إلى أفراد في دائرة قاليباف لديهم تاريخ من تهم الفساد. وقد تعززت هذه الرواية بسجن ثلاثة صحفيين قدموا تقارير مكثفة عن هذا الملف.
رغم الاختلاف تبقى هناك قواسم مشتركة.. ولكن
على الرغم من اختلافاتهم، يشترك قاليباف وجليلي في قواسم مشتركة مهمة، حيث ينتمي كلاهما إلى معسكر الأصوليين الأوسع.
وبالمقارنة مع بيزيشكيان فإن كلا المرشحين أكثر مقاومة لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، ويتماشى بشكل وثيق مع رؤية المرشد الأعلى لتوجه السياسة الخارجية الإيرانية.
وعلى الصعيد المحلي، أصبح المحافظون أقل دعما للتحرر الاجتماعي والسياسي، ويفضلون السياسات التي تدعم مبادئ الثورة الإسلامية وتحافظ على القيم المحافظة.
ومع اقتراب موعد الانتخابات تتزايد الضغوط على قاليباف أو جليلي للانسحاب لتجنب تقسيم أصوات المحافظين.
وتحدثت وسائل إعلام إيرانية بينها صحيفة "وطن أمروز"، أن قاليباف لديه فرصة أفضل لهزيمة بزشكيان، وحثت جليلي على التنحي.
وسلطت الصحيفة الضوء على استطلاع يشير إلى أنه إذا انسحب قاليباف، فإن 38.2٪ فقط من أصواته ستذهب إلى جليلي.
بينما إذا انسحب جليلي، فإن 45.7٪ من أصواته ستتحول إلى قاليباف، مما يعزز فرص المحافظين.
سيناريوهات الانقسام والوحدة
وكرر حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة كيهان المحافظة المؤثرة، هذا الشعور، داعياً المحافظين إلى "تغيير الوضع من مرشحين متعددين إلى مرشح واحد" لمنع فوز بزشكيان.
ولكن يبدو أن كلا من قاليباف وجليلي مصممان على ترشيحهما.
وقد فسر المعسكران التصريحات الأخيرة الصادرة عن المرشد الأعلى علي خامنئي على أنها داعمة، وهو ما عزز موقفيهما.
فقد حافظ خامنئي على علاقات وثيقة مع الشخصيتين، ولكن رئاسة جليلي من المرجح أن تثير استياء الإيرانيين المحبطين الذين يسعون إلى التغيير السياسي الجذري والعلمانية.
وعلى العكس من ذلك، قد يوفر قاليباف استقراراً أكبر.
وإذا لم ينسحب أي من المرشحين فمن المرجح أن تذهب الانتخابات إلى جولة إعادة، مع السيناريو المحتمل الذي ينطوي على مواجهة بيزيشكيان إما لقاليباف أو جليلي.
ومع ذلك، إذا تجاوزت نسبة الإقبال على التصويت التوقعات في الجولة الأولى، وإذا بقي المرشحان المحافظان في السباق، وتقسيم أصواتهما، فقد يحقق بيزيشكيان انتصارا مفاجئا مماثلا لفوز روحاني في عام 2013.
وإذا انتقلت الانتخابات إلى جولة ثانية فقد يولد بيزيشكيان حماسا عاما إضافيا من خلال تأطير المنافسة، باعتبارها مواجهة مباشرة ضد السجل المحافظ في السنوات الأخيرة.
aXA6IDMuMTM1LjIxNi4xOTYg
جزيرة ام اند امز