الحقيقة أن إيران ترى الحوار وسيلة لتبييض وجه النظام، ومحاولة إعطاء مصداقية لادعاءاتها الكاذبة بأنها تسعى للسلام وتحرص على أمن المنطقة
كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن محاولات يتم بذلها للوساطة بين السعودية وإيران. سلطنة عمان كانت أول المبادرين لتبني هذه الوساطة وأيضاً رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي حاول التوسط لهذا الغرض. رئيس وزراء باكستان عمران خان هو الآخر حاول التوسط لإجراء حوار بين البلدين. وهناك بالتأكيد محاولات في نفس هذا الاتجاه قامت بها شخصيات دولية أخرى كان آخرها ما أعلنه نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله، أن الكويت سلمت السعودية والبحرين رسالة من إيران، وأنه حتى الآن ليس هناك رد من البلدين على الرسالة الإيرانية.
الحقيقة أن النظام الإيراني لا يمكن أن يتوقف عن إرهابه وتصدير ثورته، فهو يستمد شرعيته من كل هذه الأطماع التوسعية الطائفية، ومن كل ما يمارسه من عنف وإرهاب، وتخليه عن هذا المشروع يعني بالنسبة له سقوط شرعية وجوده تماماً.
رسائل إيران التي تريد إيصالها، والتي طالما ردّدها مسؤولوها في الإعلام هي أن الحل الوحيد من وجهة نظر النظام الإيراني للصراع مع دول المنطقة هو الحوار والتفاوض، وأن دول المنطقة نفسها قادرة على حل مشاكلها دون تدخل الدول الأجنبية. ليس جديداً أن يردد النظام الإيراني هذا الكلام، فمنذ سنوات مضت ومسؤولو إيران، يخبئون في جيوبهم "غصن زيتون"، وتحت عمامتهم -عمامات الشر- "حمامة سلام"، يكشفون عنهما وقت الحاجة، في أدوار تمثيلية مملة يحاولون فيها إيهام العالم بأنهم دعاة سلام وحوار. التساؤل الأهم هنا هو لماذا تستميت طهران الآن لإجراء حوار مع دول الجوار أكثر من أي وقت مضى! الحقيقة أن إيران ترى أن هذا الحوار هو قبل كل شيء وسيلة لتبييض وجه النظام، ومحاولة إعطاء مصداقية لادعاءاتها الكاذبة بأنها دولة تسعى إلى السلام والتعايش والتفاهم وتحرص على أمن المنطقة. وفي الوقت نفسه، تتصور أن بمقدورها عبر هذه الدعوة إظهار دول المنطقة التي على خلاف معها، أنها هي المتشددة وترفض التفاوض. كذلك يعتقد النظام الإيراني أنه لو حدث وجرى مثل هذا الحوار فعلاً، فسوف يقود إلى رفع العقوبات أو على الأقل سيكون عاملاً أساسياً في ذلك، وبالتالي سوف يعطي النظام فرصة لالتقاط الأنفاس ومحاولة معالجة أزماته الداخلية الخانقة.
الأمر لا يتعلق برفض أو قبول الحوار والتفاوض مع النظام الإيراني من حيث المبدأ، ولكن حسن النية يجب أن يتوافر من جانب النظام الإيراني، لأنه هو الذي فجر أزمات المنطقة، وهو الذي بادر بالعدوان والتوسع وممارسة الإرهاب في المنطقة وتأجيج الصراع الطائفي ونشر المليشيات داخل دول المنطقة.
الحقيقة أن النظام الإيراني لا يمكن أن يتوقف عن إرهابه وتصدير ثورته، فهو يستمد شرعيته من كل هذه الأطماع التوسعية الطائفية، ومن كل ما يمارسه من عنف وإرهاب، وتخليه عن هذا المشروع يعني بالنسبة له سقوط شرعية وجوده تماماً. ولهذا يستحيل أن يتخلى النظام الإيراني عن مواقفه وسياسته وأفعاله هذه بإرادته وعن اقتناع، ولن يحدث ذلك إلا إذا دفع النظام ثمناً فادحاً فعلاً لما يفعله في المنطقة، وأيقن أنه ليس أمامه خيار آخر سوى التخلي عن سياساته وأفعاله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة