عملت إيران ليل نهار لخلق حالة مجتمعية عراقية تخدم مصالحها من خلال دعم حلفاء يدينون لها بالولاء مثل حزب الدعوة ومنظمة بدر والصدريين.
لم يكن هذا السؤال مشروعاً ومسموحاً به قبل نحو عقدين من الزمن في ذهنية العراقيين شعباً وحكومة وتحديداً قبيل دخول القوات الأمريكية العراق عام 2003 واحتلالها كامل أراضيه، بحجة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل ووجود عناصر لتنظيم القاعدة تعمل من داخل البلاد.
ليس من المبالغة القول إن نفوذ إيران في العراق بات من الماضي ولم يبق الشيء الكثير باستثناء بعض المليشيات ورجال دين معممين بعصائب ممزوجة برائحة دم أبرياء من العراقيين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا في زمن هكذا عصابات.
الوضع اليوم مختلف كثيراً لأن واشنطن وطهران تحالفتا على صدام حسين ونجحتا في إسقاط حكمه، ليقتسم البلدان النفوذ على الأراضي العراقية وإن لم يكن الأمر علانية ولكنه أمر ذاقت البلاد مرارته على مر السنوات الماضية، من خلال استغلال كل طرف رجالاته ونفوذه لدفع ثمن فاتورة الحرب التي لا شك كلفت الكثير خاصة الجانب الأمريكي.
منذ دخول القوات الأمريكية العراق برزت إيران على المشهد من خلال رجالات ينتمون للعراق هوية ويتبعون لإيران ولاءً، واستطاعت من خلال هؤلاء تشكيل أحزاب الغطاء فيها سياسي والبنية الداخلية قائمة على المليشياوية والتطرف وحب الانتقام، وهذا ما قامت تجاه أبناء المحافظات الغربية وبدعم من رئيس الحكومة العراقية الأسبق نوري المالكي، الذي صنف العراقيين عام 2012 بين من يقف مع "الحسين" قاصداً تياره ومن يساند "يزيد" في إشارة إلى خصومه السياسيين.
في واقع الأمر تمثل حقبتا نوري المالكي في رئاسة الحكومة، التي بدأتا عام 2006 إلى 2014، الأرض الأكثر خصوبة لتنامي النفوذ الإيراني وإرساء دعائم هذا النفوذ في الأرض العراقية، بما يحقق مصلحة إيران في الإبقاء على رئة تستطيع من خلاله التنفس عقب العقوبات الأمريكية والغربية عليها، وعدم توصل الطرفين لاتفاق ناجع تدخل به إيران منظومة الدول السوية غير المثيرة للمشاكل والنعرات الطائفية سواء في إقليمها القريب أو حتى على الصعيد الدولي.
عملت إيران ليل نهار لخلق حالة مجتمعية عراقية تخدم مصالحها من خلال دعم حلفائها من الذين يدينون لها بالولاء مثل المجلس الأعلى الإسلامي العراقي وحزب الدعوة ومنظمة بدر والصدريين مع تذبب موقفهم، لنتخرط في الحياة السياسية وتجميع الأحزاب والشخصيات الشيعية، والعمل على وحدة صفها وعدم ضياع أصواتها في الانتخابات التي تعاقبت على البلاد بعد سقوط النظام السابق، لا لينعم العراق بمستقبل أفضل بل لتبقى إيران مهيمنة على نفط البلاد ومقدراته من تجارة وزراعة وغيرها، وليبقى هذا البلد العربي ساحة تستطيع من خلالها إيران الضغط على خصومها الدوليين عبر رعايتها مليشيات متطرفة تحركها وفق ما تريد التي تريد بما يهدد ليس مصلحة واشنطن فحسب بل المنطقة برمتها.
هذا الوضع الذي كانت تعيشه إيران خلال السنوات الماضية لن تتمكن من الاستمرار به في الوقت الراهن أو حتى في المستقبل القريب على الأقل لعدة أسباب نذكر منها ثلاثة:
السبب الأول يكمن في رفض العراقيين إيران والتظاهر ضد نفوذها، وهي نقطة مهمة جداً إذ يدرك الساسة الإيرانيون جيداً في ذهنيتهم قوة الشعب العراقي وشدة انتمائه لعروبته وعدم رضوخه وقبوله الذل والمهانة، لذلك بات الصوت مرتفعاً ضد شخصيات كانت في الوقت القريب من المحرم المسّاس بها من شدة الذعر الذي رافق ذكرها كقاسم سليماني، قائد فيلق القدس الجنرال الإيراني الأكثر شهرة خلال السنوات العشر الأخيرة، لم يقف الأمر عنده بل وصل إلى المرشد علي خامنئي، ولعلها المرة الأولى التي تُحرق فيها صوره وبشكل في أكثر من منطقة عراقية، دلالة على ضيق ذرع العراقيين بالإيرانيين وسطوتهم.
الثاني يتمثل بعدم قدرة الساسة العراقيين جميعاً بمن فيهم المحابون إيران والذين كانوا يدورون في فلكها على مجاراة الضغوط التي تتعرض لها طهران من الغرب، لذلك بات هؤلاء يبحثون عن نجاتهم أكثر من مصلحة إيران، خاصة أن محكمة الشعب العراقي تلاحقهم واحدا تلو الآخر، واضعة أسماءهم بقائمة المطلوبين للمحاسبة القضائية.
أما السبب الثالث فيعود إلى تبني الدول العربية سياسة جديدة تجاه العراق، والعمل على مساعدته للعودة إلى حاضنته العربية، لذلك باتت العلاقات السعودية العراقية أكثر إيجابية مقارنة بالسنوات العشرين الماضية، إذ تعمل الرياض جاهدة من أجل عدم السماح لإيران باستغلال العراق البلد العربي، مدعومة بقرار وتأييد عربي من مصر والإمارات ودول عربية أخرى.
ليس من المبالغة القول إن نفوذ إيران في العراق بات من الماضي ولم يبق الشيء الكثير باستثناء بعض المليشيات ورجال دين معممين بعصائب ممزوجة برائحة دم أبرياء من العراقيين، الذين لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا في زمن هكذا عصابات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة