كتب الشاعر العراقي المعروف كريم العراقي قصيدة دعما للاحتجاجات التي يشهدها العراق ضد الفساد والنخبة الحاكمة
إن أغاني وأناشيد انتفاضة شباب تشرين في العراق لا يوجد ما يعادلها في العالم إلا أغاني وأناشيد الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر ضد حكم لويس السادس عشر، عندما انفجر الشعب الفرنسي بسبب أزمة الغذاء وندرة الخبز، حيث أحاطت الجماهير الغاضبة بقصر فيرساي، ما أدى إلى دهشة ماري أنطوانيت زوجة الملك لكثافة المظاهرات، فسألت زوجها عن سبب هذه الثورة، فأجابها بأنهم جائعون لا يجدون الخبز، فعلقت بكل سذاجة قائلة: ولماذا لا يأكلون البسكويت؟!
هذه نماذج من الأغاني والأناشيد التي ترافق انتفاضة الشباب حتى الآن، وتجسّد إصرارهم على تغيير النظام السياسي ونبذ الطائفية والمحاصصة والفساد، ولكن الأغنية السياسية العراقية لم تنتشر على نطاق واسع كما هو الحال في مصر ولبنان وفلسطين وغيرها، وعادت الأغاني الثورية مع مظاهرات ساحة التحرير بشكل واسع
لكن ثورة الجياع سرعان ما تحولت إلى ثورة حقيقية وقلبت نظام الحكم، وما أشبه اليوم بالبارحة، الشيء ذاته يتكرر اليوم في العراق؛ إذ سرعان ما تحولت مطالب الجماهير إلى ثورة رافقتها مجموعة من الأغاني والأناشيد، ولأنها ثورة حقيقية هب العديد من نجوم الغناء العراقي في التعبير عن تضامنهم مع المتظاهرين السلميين الذين دعوا إلى محاربة الفساد، وتوفير فرص العمل وتحسين الخدمات، وبما أنها واجهت آذاناً صمّاء من السلطة تحولت إلى انتفاضة ثم ثورة قدّم فيها شباب ثورة تشرين أكثر من 300 شهيد، ولعلنا نذكر الأغنية التي أطلقها المطرب حسام الرسام وهي بعنوان "العراق إلنا"، وكلماتها هي باللهجة العراقية الدارجة: "فرحنا هواي إن البلد راح يصير/ عمارات وورد وطيور عدنا تطير. أشو بالعكس صارت علينا الدنيا دارت/ أشو بالعكس صارت علينا الدنيا دارت. اجتنا ناس متدري الأصل من وين/ عراق الله يعينك بهاي السنين".
فيما أعاد النجم كاظم الساهر نشر أغنيته "شباب العراق" التي أصدرها قبل سنوات، بعد يومين من اندلاع المظاهرات، ونشرها عبر صفحته على تويتر، يقول فيها: "شباب العراق شباب العمل/ شباب النضال أبي بطل/ عريق الكفاح لنيل الصـلاح طويل الجهاد لعز البـلاد/ عقدنا عليه عظيم الأمل/ شباب العراق شباب العمل". لكنها لم تلق الترحيب المطلوب. وحسب ناشطين إن كاظم الساهر لم يدعم ثورات العراق، معنويا أو ماديا، ولم يغنِ في بغداد بعد عام 2003 ولم يقم بحملات تبرعات ومساعدات للمجتمع العراقي خلال مسيرته الفنية، مما جعل المتظاهرين غاضبين عليه.
وكتب الشاعر العراقي المعروف كريم العراقي قصيدة دعما للاحتجاجات التي يشهدها العراق ضد الفساد والنخبة الحاكمة. وقال في هذه القصيدة "ثورة الأحرار حان قطافها متحفز بركانها الجبروت/ فرج عسير والولادة صعبة لكن ما يأبى الرجاء يموت"، وهي قصيدة سيغنيها الفنان كاظم الساهر.
وطرحت المطربة رحمة رياض أغنية "نازل آخذ حقي" لدعم المتظاهرين، التي أصبحت أيقونة ثورة الشباب المنتفض، وكتبت "إهداء إلى الشباب الذين وحّدهم حب الوطن رغم اختلاف مطالبهم.. خرجوا بمظاهرات سلمية تدعو للإصلاح من الفساد والخدمات المتردية ومستوى التعليم من دون أن تقودهم جهة سياسية، رافعين الأعلام العراقية فقط". وحظيت الأغنية بتفاعل كبير على منصات التواصل الاجتماعي.
وغنت المطربة إسراء الأصيل أغنية "سلاماً يا عراق" تقول كلماتها "راسي تكسرن ما نريد ذلة وجوع تضل عالي حبيبي وراسك المرفوع وحق كل البكا يم النوهات البيت. سلاما على العراق جنوبه وشماله احنا رباة دجلة كلنا خيالة ما نقبل بعد حاكم يجيب الضيم. نوارس فوق دجلة ليش مذبوحة نختار اللي يحبنا والي يحس بينا. كافي من الظلم والله تاذينا وحك كل أب يسلم ابنه للتابوت".
وطرح مجموعة من المطربين -حسام الرسام وقاسم السلطان وعلي بدر وسيف عامر- أغنية مشتركة تحت عنوان "عيدك شهيد"، تقول كلماتها: "عيدك شهيد يبني الوحيد بعدك من رحت ما ضلي عيد من جاني الخبر دلالي انكسر وبصوتي صحت وينك يالوحيد عيدك شهيد يبني الوحيد بعدك من رحت ما ضلنا عيد".
هذه نماذج من الأغاني والأناشيد التي ترافق انتفاضة الشباب حتى الآن، وتجسّد إصرارهم على تغيير النظام السياسي ونبذ الطائفية والمحاصصة والفساد، ولكن الأغنية السياسية العراقية لم تنتشر على نطاق واسع كما هو الحال في مصر ولبنان وفلسطين وغيرها. وعادت الأغاني الثورية مع مظاهرات ساحة التحرير بشكل واسع، وهي أغانٍ عفوية، يعود جذورها إلى الأهازيج التي رافقت ثورة العشرين. وظلت أغاني الثورة تُشعل حماس العراقيين حتى مطلع الستينيات؛ حيث تراجعت مع تراجع الحياة الديمقراطية والحريات ومن ثم اختفت. ونشط عدد من الفنانين العراقيين في مجال الأغنية السياسية المعارضة، إلا أن نشاطهم بقي محدودا ومحفوفا بالمخاطر، واقتصر تناقلها بالتسجيلات وتقديمها في بعض الحفلات الحزبية السرية، إن مواكبة نجوم الغناء العراقي أحداث الحراك جعلت أغانيهم وأناشيدهم غذاء فكريا للمتظاهرين.
ومن المعروف أن الانتفاضات والثورات التي شهدها العراق كانت تستعين بأغاني الفنانين الذين يدينون بالفن الملتزم، وهي أغانٍ تقليدية، لكن انتفاضة تشرين شهدت مزاجا ثوريا جديدا منذ اندلاع الاحتجاجات في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، وظهرت مصطلحات ومفاهيم جديدة في قاموس الأغنية السياسية، على سبيل المثال عربة "التوك توك" التي أصبحت الأيقونة التي يتغنى بها الشعراء والمطربون.
ويبدو أن موجة الأغاني الثورية القديمة انحسرت وتراجعت لتسيطر مكانها أغانٍ وأناشيد منطلقة من أرواح المتظاهرين وهمومهم، أغانٍ شبابية جديدة لم تشهد الثورات الأخرى مثيلاً لها في السابق، وهي تعبّر عن نضج الوعي عند الشباب المنتفض.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة