لم يكن تشبيه جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني دقيقاً في مجمله، إنما قد يكون دقيقاً في خاتمته.
لم يكن تشبيه جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني دقيقاً في مجمله، إنما قد يكون دقيقاً في خاتمته.
جواد ظريف علّق في تغريدة له على العرض الذي قدمته نيكي هيلي، مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة - حول مصدر الأسلحة التي يستخدمها الحوثي في اليمن، وأوضحت أنها إيرانية الصنع، وأن ذلك يثبت مخالفة إيران للقرار 2231 بضلوعها في تصدير الصواريخ لمليشيات غير حكومية - بأن هذا العرض يذكرنا بعرض سابق، مشيراً للعرض الذي قدّمه كولن باول عام 2002 لأسلحة الدمار الشامل الموجودة في العراق، وثبت فيما بعد أن تلك الأدلة كانت غير موجودة.
ظريف يريد أن يقول: إن أميركا قدمت أدلة مضلّلة للمجتمع الدولي سابقاً وهي تضلل العالم مرة أخرى، وهو تشبيه لا نتفق مع ظريف بشأنه، فنحن على ثقة تامة بجرائم النظام الإيراني وبتصديره للأسلحة والمتفجرات وأثر فوضاها في اليمن والبحرين والكويت ولبنان وسوريا والعراق وغيرها، التشبيه هنا في غير محله، ما قدمته السفيرة هيلي هو بالضبط ما نملك نحن أدلة عليه، والأمر الآخر هيلي فتحت المجال لزيارة الخبراء من الدول الحليفة للتأكد بأنفسهم من خلال تنظيم زيارات ستبدأ هذا الأسبوع للاطلاع على الأدلة.
أما ما نتفق مع ظريف بشأنه فهو تشابه الظرف الذي سبق العرض الذي أدى للإطاحة بصدام حسين مع الظرف الذي يسبق باستراتيجية الإطاحة بنظام الملالي.
اليوم نرى تريتا بارسي رئيس اللوبي الإيراني الأميركي مخطط الزواج الثلاثي الإسرائيلي الأميركي الإيراني، صاحب كتاب الحلف الثلاثي، يبكي ويصرخ مستحثّاً الإعلام الأميركي مستجدياً الضغط على ترامب كي يعيد النظر متسائلاً لماذا جعلت إدارة ترامب مصالح السعودية هي مصالح أميركا؟
قد لا تنطلق طائرات بي 52 لتدك مواقع الحرس الجمهوري كما حدث عام 2002 في بغداد، إذ أكد المتحدث باسم البنتاغون أدريان غالاوي على قناة الحرة: «إننا لا نسعى للحرب»، ولكن هناك «عملاً» قادما بشر به وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس للرد على الأعمال العدوانية الإيرانية تجاه من سمتهم الولايات المتحدة شركاء استراتيجيين وأعضاء في حلف العشرين، لم يحدد ما هو العمل إنما علينا أن نقف كثيراً أمام المصطلحات التي استخدمتها نيكي هيلي، وهي مصطلحات تستحث بها دول «قمة العشرين» كي تقف مع عضو من أعضائها - المملكة العربية السعودية - كي يفوا بالتزاماتهم الأمنية تجاهه، استخدام هذا المصطلح يشي بأن الغيوم بدأت تتجمع فوق إيران، وليس بالضرورة أن تتجمع فوق الأرض الإيرانية مباشرة.
الغيوم بدأت تمطر في اليمن والتغيرات الدراماتيكية على صعيد التحالفات التي لحقت بمقتل علي عبد الله صالح غيّرت كل الموازين، وتشي بأن هناك استعداداً لمرحلة قادمة، وأن الحوثي يُحاصر سياسياً وعسكرياً، وأن الولايات المتحدة سيكون لها دور في حسم النزاع على الأرض بتوحيد كل الأطراف تجاه الحوثي، وسرعة الجلوس على طاولة المفاوضات بين بقية الأطراف، حتى يقفل هذا الملف ويغلق الباب على إيران، فها هو «الإصلاح» مع «المؤتمر الشعبي» مع الإمارات والسعودية، في حراك يسعى لتوحيد كل الأطراف المتنازعة على السلطة لتأجيل صراعها إلى ما بعد إخراج الحوثي.
إنه تقدم ملموس يتماشى مع سرعة التطورات ويتماشى مع التصعيد الأميركي تجاه اليد الإيرانية في اليمن.
اليد الإيرانية في سوريا بدأت تشعر بالقيد، فالتفاهمات الروسية الأميركية التركية تدفع إيران لتبتعد عن مناطق معينة، إلا أن الأمر لم يُحسم بعد فإيران تقاوم، إنما من المؤكد أنها المرة الأولى التي تشعر فيها إيران بأنها في موقع دفاعي عما وضعت يدها عليه في المناطق السورية.
كذلك هي اليد الإيرانية في لبنان، هناك حصار ورقابة مشددة على حزب الله لمنعه من أن يكون الحرس الثوري اللبناني في مواجهة الجيش اللبناني.
والحصار ذاته يتكرر في اليد الإيرانية في العراق، حيث تتضافر الجهود الأميركية والسعودية لمنع ولادة حرس ثوري عراقي ليوازي الجيش العراقي.
ما يهمنا هو مراقبة رد الفعل الإيراني الذي يتصرف الآن بموقع المدافع لا المهاجم، ففي اليمن إيران تلعب على المتناقضات وعلى الفراغ السياسي في العاصمة الشمالية صنعاء، تحاول أن تستميل بعض القبائل وتستخدم البطش والقمع والتخويف من جانب آخر، تبحث عن بدائل لطرق التهريب كي تستمر بتزويد الحوثي بالسلاح، في الملف السوري إيران لا تستجيب لمطالب الروس والأمريكان مستفيدة من حليفها الأسد كي تحتفظ بمكاسبها هناك، وكذلك تفعل في العراق بإيجاد مخارج سياسية لحماية نفوذها.
الخلاصة انقلب الحال، وأصبحت إيران في موضع المدافع؛ تواجه تصعيداً أميركياً وتحركاً سعودياً على الأرض، إيران بعد أن تمددت وهاجمت استولت واستحوذت في ظل تغاضٍ أميركي دام ثماني سنوات، كان شهراً من العسل خطط له وعمل من أجله اللوبي الإيراني قبل وصول أوباما والليبراليين الديمقراطيين بسنوات، تشكو اليوم الانقلاب الأميركي عليه.
واليوم نرى تريتا بارسي رئيس اللوبي الإيراني الأميركي، مخطط الزواج الثلاثي الإسرائيلي الأميركي الإيراني، صاحب كتاب الحلف الثلاثي، يبكي ويصرخ مستحثّا الإعلام الأميركي مستجدياً الضغط على ترامب كي يعيد النظر، متسائلاً لماذا جعلت إدارة ترامب مصالح السعودية هي مصالح أميركا؟
أما كان حرياً بك أن تسأل لسنوات مضت لماذا جعلت إدارة أوباما مصالح إيران هي مصالح الولايات المتحدة؟
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة