لعلّها المرة الأولى التي يبدو فيها المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا محبطاً ومتشائماً عقب محادثات جنيف الأخيرة
لعلّها المرة الأولى التي يبدو فيها المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا مُحبطاً ومُتشائماً عقب محادثات جنيف الأخيرة، رغم أنّه دخل جولتها الثامنة بسقف توقعات عالٍ جداً.
لم نعتد من الرجل طوال فترة رئاسته مهمّة الأمم المتحدة في سوريا تحميل أحد طرفي النزاع مسؤولية فشل جولات جنيف على الأقل التي قادها، ولكنّه هذه المّرة أشار بوضوح إلى وفد الحكومة قائلاً إنّه لم يرَ جدّية لديه في الخوض بمفاوضات جادّة .
لا شكّ أنّه ما من أحد يعتقد أنّ الديبلوماسي السويدي السبعيني، سيتفان دي ميستورا، ادّخر جهداً في مهمته لوقف حمام الدّم السوري، على العكس تماماً دأب الرجل وفريقه على فعل ما يستطيعون من أجل ذلك من دون تحقيق أي شيء يذكر؛ حتى هذه اللحظة، والإنجاز الوحيد فيما يخصّ الحدث السوري هو انخفاض مستوى العنف في مناطق التهدئة، وهذا لم يكن تحت مظلة الأمم المتحدة ولا بمساعي مندوبها دي ميستورا، بل بالاتفاق الثلاثي الروسي التركي الإيراني.
اللافت في مسيرة المسؤول الأممي فيما يخصّ الملف السّوري هو الصمت وعدم الرد على سيل لكمات الانتقاد التي يتعرض لها من كلا طرفي النّزاع، اللذين يتبادلان المهمة هذه بين حين وآخر منذ استلامه مهمة عمله قبل نحو أربع سنوات خلفاً للديبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي الذي فشل في مهمته.
المعارضة الحاضرة في جنيف 8، وإن كانت لهجة انتقادها الرجل أقل حدة هذه المرة، إلا أن أطرافاً معارضة أخرى انتقدت بحدة دور دي ميستورا لدرجة وصفه بالجنرال الروسي الذي ينفّذ أجندة موسكو على حد تعبير محمد صبرة، كبير مفاوضي المعارضة في جنيف 7.
تتعامل دمشق مع دي ميستورا كساعي بريد لا أكثر ورفضت استقباله أكثر من مرة احتجاجاً على تصريحات أدلى بها خلال مساعيه لإيجاد نقاط مشتركة تجمع الطرفين، كان آخرها الهجوم الذي شنته عليه وزارة الخارجية السورية
في المقابل تتعامل دمشق مع دي ميستورا كساعي بريد لا أكثر، ورفضت استقباله أكثر من مرة احتجاجاً على تصريحات أدلى بها خلال مساعيه لإيجاد نقاط مشتركة تجمع الطرفين، كان آخرها الهجوم الذي شنته وزارة الخارجية السورية على دي ميستورا عقب اتهامه دمشق بعدم الجدّية في الحوار الأخير .
في الحقيقة ثمة ثلاث عقبات تحول دون تحقيق المبعوث الأممّي إلى سورية ستيفان دي ميستورا أيّ تقدم في الملف السوري لصياغة الحل المنشود.
العقبة الأولى تكمن بعدم وجود اتفاق كامل بين اللاعبَيْن الرئيسَيْن المؤثّرين في الأزمة السورية، الولايات المتحدة وروسيا فكلّ التصريحات الإيجابية حول إيجاد حل سياسي لم ترق حتى هذه اللحظة إلى مطالبة كلّ طرف حليفه لتسهيل مهمة دي ميستورا، على العكس تماماً فبعد دحر تنظيم داعش المتطرف من الأراضي السورية اشتد التنافس مابين هذين القطبين على نسب كل طرف لنفسه الانتصار على الإرهاب.
من الملاحظ هنا أن تصريحات ترامب المتناغمة مع الموقف الروسي لم تقدم أي شيء تجاه الملف السوري؛ ما يشير إلى عمق الهوة ما بين روسيا بوتين والدولة العميقة في الولايات المتحدة، والتي تمتلك القول الفصل، وإن كان ترامب في الظاهر يتصدر منصة القرار الأمريكي.
تكمن العقبة الثانية بفقدان الثقة بين الأطراف الثلاثة الضامنة لمناطق خفض التوتر في سوريا، وهي روسيا وتركيا وإيران، فكل واحدة لها مشروعها.
إيران تسعى لتمكين سيطرتها على الأر ض خصوصاً في الجنوب السوري رغم التنبيهات الروسية الكثيرة من خطورة هذه الخطوة، إلا أنّ طهران غير مكترثة بذلك، وهذا ما يضع العلاقة الروسية الإيرانية على المحك عقب الانتهاء الكامل من محاربة التنظيمات المتطرفة، والخلاص مما تبقى من فصائل المعارضة.
أما تركيا فهمّها الوحيد الأكراد، وهي وإن تبادلت الغزل مع روسيا؛ إلا أنّها تدرك عدم تفريط موسكو بجميع أوراقها لصالح أنقرة متقلبة المواقف خصوصاً وأنّ ثمّة تنافساً روسياً أمريكيً على الكرد في الشرق السّوري.
أمّا روسيا فقد نصبت نفسها قطباً ثانياً رئيساً في العالم من خلال لعبها بالورقة السورية على أعلى مستوى، مستفيدة من ضعف الإدارتين الأمريكيتين السابقة والحالية.
يُضاف لذلك نقطة فرعية تتعلق بدول الاتحاد الأوروبي التي تشعر أنّها بحكم المعزولة عن لعب أي دور في الملف السوري بقرار روسي أمريكي، وهذا ما يصّعب مسألة الوصول إلى حلّ سريع خصوصاً لما تملكه القارة الأوروبية من أوراق مهمة في عملية إعادة الإعمار في سوريا.
العقبة الثالثة والأخيرة هي عدم وجود غطاء عربي لمساعي المبعوث الأممي لصالح تنامي الدور الإيراني والتركي، وهذا ما لن تقبل به بعض الأطراف المعارضة على وجه التحديد، وستعارضه كذلك الدول الكبرى، كروسيا والولايات المتحدة الباحثتين عن حلّ إدراكاً منهما بأنّه مهما تعاظم دور الدول الأخرى لابدّ للعرب من لعب دور في بلد عربي الانتماء والهوية.
تحتل هذه النقطة أهمية كبيرة خصوصاً مع تكرار الأسئلة من قبل نسبة لا بأس فيها من السوريين عن عدم إشراك أشقائهم في مصيرهم.
الخلاصة أنّ ما استعرضناه هو بالضرورة الحامل الرئيس لأي مسؤول أو ديبلوماسي يسعى لحلّ المأساة السّورية، دي مستورا كان أو غيره. فهذه العقبات الثلاث السّابقة لابدّ من تذليلها لتسليك مهمة البحث عن وقف الحرب، والجلوس على طاولة حوار حقيقة تفضي إلى حل سياسي؛ وإلّا سيكون مصير دي ميستورا غير مختلف عن مصير سابقَيْه كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة