كان من اللافت للنظر حضور وزير الطاقة السعودي خالد الفالح حفل مراسم تدشين أول شحنة للغاز المسال من مشروع "يامال" الروسي
كان من اللافت للنظر حضور وزير الطاقة السعودي خالد الفالح حفل مراسم تدشين أول شحنة للغاز المسال من مشروع "يامال" الروسي، ليستغل الرئيس الروسي هذا الحضور لكي يعرض استعداد روسيا لبيع الغاز للسعودية. حيث قال بوتين موجهاً حديثه للفالح "اشتروا الغاز منا وادخروا نفطكم".
ويعد المشروع هو المشروع الروسي الثاني الضخم بعد مشروع سخالين لتسييل الغاز، ويتم بالمشاركة مع شركة توتال الفرنسية والصين، وينطوي المشروع على تحدٍ تكنولوجي ولوجيستي؛ حيث يتم إنشاؤه في منطقة صعبة مناخياً تقع في المنطقة القطبية الشمالية، ويعدُّ المشروع من بين الأضخم عالمياً وتصل تكلفته الكلية إلى نحو 27 مليار دولار، ومن المُقدَّر أن تبلغ الطاقة النهائية للمشروع في نهاية عام 2019 نحو 16.5 مليون طن سنوياً، أي ما يزيد على 20 مليار متر مكعب سنوياً.
والواقع أن روسيا تزيد من طاقتها على إنتاج وتصدير الغاز المسال لإدراكها الخطر الذي من المحتمل للغاية؛ وهو تعرض عائداتها من الغاز الطبيعي للتقلب والانخفاض، مع الوضع في الاعتبار اعتمادها الشديد حتى الآن على تصدير الغاز عبر الأنابيب لكل من أوروبا وتركيا، حيث يقدر أن تبلغ هذه الصادرات في العام الحالي نحو 185 مليار متر مكعب.
ويدفع روسيا نحو مشاريع تسييل الغاز كل من طبيعة مناطق الإنتاج وضرورة تنويع عائداتها وأسواقها، إضافة إلى طبيعة هيكل سوق الغاز الطبيعي والتطورات التي من المنتظر أن تلحق به في الأجل القصير.
توجه روسيا نحو مشاريع أكثر للغاز المسال، والبحث عن أسواق جديدة لهذا الغاز حتى ولو في منطقتنا أمر منطقي في ضوء التطورات التي تشهدها السوق العالمية
والتطور الأهم في السوق العالمية للغاز الطبيعي الآخذ في التحقق تدريجياً وبسرعة هو اتجاه هذه السوق نحو العولمة التامة، إذ تتسم السوق حتى الآن بكونها مجزأة والأسعار فيها مستقلة عن بعضها البعض إلى حد بعيد.
فالأسعار في الولايات المتحدة وأمريكا الشمالية عامة تختلف عنها في السوق الأوروبية، كما تختلف عنها في السوق الآسيوية، إذ تعد الأسعار في الولايات المتحدة هي الأقل عالمياً، ويأتي بعدها السوق الأوروبية، ثم أخيراً تتحقق أعلى الأسعار في السوق الآسيوية المعتمدة أساساً على الغاز المسال، ويرجع هذا التباين في الأسعار إلى طبيعة السوق ونوع الغاز المورد.
فبينما اعتمدت الولايات المتحدة وبلدان أمريكا الشمالية تقليدياً على إنتاجها المحلي أساساً، إلى جانب كمية ضئيلة من الغاز الطبيعي المسال خلال الأعوام القليلة الماضية، تعتمد أوروبا بالأساس على الغاز المستورد عن طريق الأنابيب من الموردين الرئيسيين الثلاثة (روسيا والنرويج والجزائر)، حيث يحدد سعر الغاز فيها على أساس من الارتباط بأسعار النفط، بينما في آسيا فالسعر بشكل أساسي هو للغاز الطبيعي المسال.
ويراهن العديد من المحللين على أن زيادة وزن الغاز المسال في تجارة الغاز العالمية، وبما يتمتع به من مرونة، سوف تدفع نحو تكامل الأسواق. وسيعمل ذلك على توفير سوق حرة للغاز الطبيعي لأول مرة، الأمر الذي قد يسفر عن أسعار أقل، وحيث يكون لدينا سوق واحدة لن تختلف فيها الأسعار إلا باختلاف رسوم النقل فقط.
ومع حدوث انخفاض واضح في تكلفة النقل خلال السنوات القليلة الماضية فمن المتوقع أن مقدار التباين في الأسعار سيكون محدوداً للغاية مقارنة بالوضع الراهن، أي أننا بالفعل سنكون بصدد سوق موحدة إلى حد كبير.
التطور الثاني المهم يتعلق بما يطلق عليه ثورة الغاز الصخري، فأمريكا الشمالية أضحت مكتفية ذاتياً من الغاز الطبيعي، مما حرر كميات من الغاز الطبيعي المسال كانت تستوردها في السابق، وحيث تًُوجَّه هذه الكميات إلى أوروبا أو آسيا، بل إنه من المنتظر تحول أمريكا الشمالية إلى مصدر صاف كبير للغاز المسال، في ظل وجود عدد كبير من المشروعات تحت الإنشاء، خاصة في كندا. وتوجد أيضا كميات كبيرة نسبياً من الغاز الصخري في عدد من البلدان الأخرى. فإتاحة الغاز الطبيعي الصخري في أكثر من مكان تفرض عدة تحديات، على الرغم من أن روسيا من المحتمل أن يكون لديها هي الأخرى احتياطيات كبيرة من الغاز الصخري. ولذا يمكن القول إن قلق روسيا من توقع انخفاض كبير في عائداتها من صادرات الغاز هو قلق مشروع، خاصة عند مقارنة تلك العائدات بما تجنيه حالياً، فالعائدات تتحدد الآن على أساس عقود طويلة الأجل ترتبط فيها أسعار الغاز بأسعار النفط، وليس نتيجة عملية مزايدة سعرية مفتوحة، ومع بدء إنتاج الغاز الصخري في عدة أماكن لا سيما في أوروبا وزيادة وزن الغاز المسال في التجارة العالمية للغاز فمن المؤكد أن كافة الدول المستوردة سوف تصرّ على تدعيم فرص تواجد سوق تنافسية مفتوحة من مختلف المصادر لتغطية الطلب في السوق، حيث تكفل لها مثل هذه السوق أرخص الأسعار الممكنة.
وربما الأكثر أهمية أن زيادة نشاط تصدير الغاز المسال مع الوضع في الاعتبار التطورات السابق الإشارة إليها؛ تقطع الطريق على روسيا حتى من مجرد التفكير في إثارة أي خلاف حول الغاز الطبيعي مع أوروبا أو غيرها، إذ مع تحقق تلك التطورات وعلى الرغم من استمرار مكانة كبيرة لروسيا في السوق الأوروبية بتوفيرها نحو ثلث احتياجات هذه السوق السنوية، إلا أن الغاز المسال سيحد من قدرتها على التأثير في أسواق الغاز الأوروبية.
إذاً توجه روسيا نحو مشاريع أكثر للغاز المسال، والبحث عن أسواق جديدة لهذا الغاز حتى ولو في منطقتنا أمر منطقي في ضوء التطورات التي تشهدها السوق العالمية.
فالإحلال المرحلي للمنتجين والأسواق، وهو ما يوفره كل من إنتاج الغاز الصخري وزيادة مشاريع الغاز المسال، تقلل من آثار الصدمات التي قد تشهدها أي سوق من الأسواق خلال أي فترة زمنية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة