إيران توقف تدفق المياه إلى العراق.. والتصحر يغزو الأراضي الخضراء
هدد العراق بالتحرك دوليا ضد إيران لتسببها في تعميق أزمة نقص المياه عقب قطع - طهران - جميع الأنهار التي تصب داخل البلاد.
يأتي هذا التلويح بعد أزمة متفاقمة يعيشها العراق ما بعد 2003، تصاعدت حدتها خلال العامين الأخيرين، ما زاد معدلات التصحر بالمناطق الجنوبية والشرقية من البلاد وفقدان الكثير من الأراضي الخصبة التي كانت تزدهر بأنواع المحاصيل الزراعية.
ويعزو مهتمون بالشأن الاقتصادي والزراعي، أسباب السياسات المائية التي تتبعها إيران ضد العراق، إلى ضعف الأخيرة في اتخاذ قرار سيادي وطني يعنى بالتعامل مع ملف الأمن المائي.
وبحسب بيانات شبه رسمية، فقد العراق خلال العقد الأخير، نحو 260 ألف دونم من أراضيه الزراعية الخصبة، جراء انخفاض مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات جراء السدود التي أقامتها تركيا وانقطاع الروافد من قبل إيران.
ويبلغ معدل استهلاك سكان العراق 58 مليار متر مكعب سنوياً، في وقت تفقد البلاد شيئاً فشيئاً مصادرها من المياه السطحية مع تراجع متوقع في نسب الأمطار الموسمية.
وتتحدث تقارير دولية، بأن درجة الإجهاد المائي في البلاد تبلغ 3,7 من 5 وفق مؤشر الإجهاد المائي، ليدرج العراق ضمن قائمة الدول المُصنفة بأن لديها "خطورة عالية" فيما يتعلق بالشح المائي ومخاطره.
ويتوقع المؤشر العالمي أنه بحلول عام 2040 ستصبح بلاد الرافدين أرضًا بلا أنهار بعد أن يجف نهرا دجلة والفرات تمامًا.
وتضرب الأزمة في شدتها مناطق ديالي شرق العاصمة بغداد، والتي دفعت بالعديد من سكان تلك المناطق مؤخراً إلى اعتماد حفر الآبار لتعويض المياه الصالحة للاستهلاك البشري .
كانت وزارة الموارد المائية العراقية قد كشفت في مايو/ ايار الماضي، عبر متحدثها، عون ذياب، لـ"العين الإخبارية"، عن خطورة انخفاض المخزون المائي في سد دربندخان وحمرين بعد أن عمدت إيران قطع جميع الأنهار التي تغذي نهر ديالي.
ودفع انخفاض مناسيب المياه في مناطق حوض ديالي وأطرافها الحدودية، إلى اختصار موسم الزراعة فيها على المحاصيل الزراعية من الفواكه والخضر واستبعاد الأرز والحنطة والذرة التي تطلب كميات كبيرة من المياه.
وكما أوضح ذياب عون، المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، لـ "العين الإخبارية" بأن أزمة المياه ظهرت حدتها في المناطق الشرقية من العراق وبعض الأجزاء الجنوبية ولكن بنسب أقل، مما دفع إلى تقليص مساحة المزروعات والاكتفاء بأنواع معينة فقط".
ويلفت عون إلى أن الأزمة ليست مقتصرة على شرق البلاد، إنما تمتد جنوباً بعد انقطاع بعد قطع إيران لنهر الكرخا الذي يصب عند هور الحويزة، ما تسبب بتقلص المساحات الزراعية وانخفاض مناسيب المياه.
كان العراق قد أجرى جولة مباحثات دول المنبع (إيران وتركيا وسوريا)، في أوقات متفرقة من العام الحالي، بشأن حصصه المائية وتقاسمها مع تلك البلدان.
ويلفت المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، إلى أن "تلك الزيارات لم تشهد توقيع أي اتفاقيات ملزمة لتلك الأطراف وإنما تفاهمات لايمكن الوثوق فيها كثيرا".
ويشير إلى أن بغداد تنتظر زيارة وفد إيراني للتباحث بشأن موضوع المياه لكن طهران اعتذرت أكثر من مرة بذريعة الانتخابات الرئاسية.
أزمة سياسية
ويقول المحلل السياسي، ماهر جودة عكاب، لـ"العين الإخبارية"،إن "العراق يدفع الآن ثمن فاتورة أخطائه جراء تقاسم سلطته من قبل منتفعين - على حد وصفه - ليس همهم سوى جمع الأموال وتقديم المصالح الأجنبية على حساب الوطن والموان".
ويضيف "نحن أمام ملفات حساسة وجوهرية تضرب في عمق العراق من بينها موضوع المياه والأمن الغذائي الذي يفرض على صناع القرار السياسي والحكومي التحرك برؤية وطنية وليست حزبية للخوض في ذلك الشأن ووضع المعالجات الناجعة".
ويقول رئيس مرصد الحريت الصحفية في العراق، هادي جلو مرعي، إن الحكومات المتعاقبة على العراق تتحمل مسؤولية ما يجري ويتداعى مستقبلا في البلاد جراء ذلك الملف.
ويبين مرعي، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "سوء الأوضاع التي عاشها العراق وتعقد الصراع السياسي في البلاد ما بعد 2003، وفر البيئة المناسبة لدول المنبع (تركيا وإيران)، للاندفاع أكثر نحو خنق العراق مائياً".
وبشأن الحلول والمعالجات التي يمتلكها العراق للضغط على تركيا وإيران تحديداً، يرى الخبير الاستراتيجي، جمعة حسن، أن بغداد لا تمتلك مفاتيح ذهبية وإن كانت البلاد سوقاً واسعة لاستقبال بضائع الدولتين.
ويرجح حسن في حديث لـ"العين الإخبارية"، استخدام الطرف العراقي، الخطوط الدبلوماسية الضاغطة بدعم أممي غربي، لاسيما واشنطن ومجلس الأمن، بما يهيئ لوضع اتفاقيات ورسم سياسات طويلة الأمد، بِإشراف دولي لتأمين حصص البلاد المائية".