قانون ملاحقة "الفاسدين".. هل يعيد أموال العراق المهربة؟
يكافح العراق لاسترداد أمواله المهربة للخارج التي اختلفت التقديرات حولها عبر تشريعات واتصالات، فيما لم ينجح إلا في استرداد 3% منها.
وتضغط الظروف السياسية والاقتصادية معاً لملاحقة تلك الأموال التي تتجاوز حسب تقديرات شبه رسمية حاجز الـ500 مليار دولار.
وجرى تهريب معظم تلك الأموال ما بين حقبتين زمنتين في تاريخ العراق، بدأت خلال حكم صدام حسين وتواصلت ما بعد عام 2003، والتي يشكل الجزء الأكبر منها.
وتقع تلك الأموال التي تؤكد دوائر النزاهة في العراق، رصدها وتعقب آثارها عند بنوك ومصارف أجنبية وعربية، وقد عمد مهربوها إلى تسجيلها بأسماء آخرين وعناوين غير رسمية، خشية الملاحقة والتتبع القضائي.
ورغم الجهود المبذولة من قبل دائرة استرداد الأموال المهربة فإنها لم تنجح في استرداد اكثر من 3%، بحسب مسؤولين في السلطة التشريعية.
وتكشف تصريحات لهيئة النزاهة البرلمانية أن نحو 350 مليار دولار قد تم استنزافها في مشاريع وهمية وهربت إلى خارج البلاد ما بعد 2003، فيما يُتهم مسؤولون رفيعو المستوى بينهم وزراء ومن بدرجتهم بالوقوف وراء تلك العمليات.
وأدت فوضى التشريعات والأوضاع الأمنية المضطربة لأن يكون العراق بيئة جاذبة للفساد وهدر المال العام، أفضت في نهاية المطاف إلى تعثر الحكومة العراقية في الثلث الأخير من العام الماضي في توفير رواتب موظفي الدولة واللجوء إلى الاقتراض الداخلي والخارجي، لسد العجز في إيرادات البلاد عقب انخفاض أسعار النفط وظروف جائحة كورونا.
وكانت عمليات نهب المال العام وما قابلها من نقص في مستوى الخدمات العامة وتهالك البنى التحتية، من أكثر الأسباب التي وقفت وراء اندلاع تظاهرات أكتوبر عام 2019، والتي أرغمت حكومة عبد المهدي إلى تقديم استقالتها والذهاب لانتخابات تشريعية مبكرة.
وتعهد مصطفى الكاظمي، الذي وصل إلى رئاسة الوزراء، في مايو/أيار من العام الماضي، لملاحقة من أسماهم بـ"حيتان الفساد"، واسترداد الأموال المنهوبة عبر تشكيل لجنة خاصة بذلك الأمر.
وسجلت حقبة الكاظمي، نشاطاً ملحوظاً في ملفات الفساد تمثل في تحريك دعاوى قضائية ضد مسؤولين كبار في حكومات تعاقبت على حكم العراق ما بعد أبريل/نيسان 2003.
ومع الإطاحة بنحو 32 مسؤولاً ما بين وزير ومن بدرجته وبقية من شغلوا مناصب مهمة، خلال عام من حكم رئيس الوزراء، إلا أن بعض المراقبين يؤكدون أن المافيا وكبار الفاسدين ما زالوا بمنأى عن مطرقة القضاء.
استرداد عائدات الفساد
في خضم "الأداء المتواضع"، الذي تبذله الدوائر المعنية بتتبع الأموال المنهوبة من العراق، وفق مراقبين، يدفع رئيس العراق برهم صالح بمشروع قانون إلى البرلمان لاسترداد ثروات البلاد المهربة عبر
إجراءات داخلية وخارجية كما يصفها بـ"أكثر صرامة وقدرة".
وتكبد العراق منذ سقوط نظام صدام حسين "18 عاما" خسائر مالية ضخمة، وفقا لما كشفه الرئيس العراقي برهم صالح.
وقال الرئيس العراقي في خطاب متلفز إن حجم الأموال التي تم تهريبها إلى خارج البلاد خلال تلك الفترة من صفقات الفساد بلغ نحو 150 مليار دولار.
وقال إنه تقدم بمشروع قانون لاسترداد عائدات الفساد إلى البرلمان العراقي، وأوضح أن القانون يتضمن إجراءات عملية استباقية رادعة، وأنه يتضمن خطوات لاحقة لاستعادة أموال الفساد.
ونشرت وكالة الأنباء العراقية الرسمية تفاصيل مشروع القانون نقلا عن بيان من رئاسة الجمهورية العراقية الذي أوضح أنه يشمل جميع مسؤولي الدولة العراقية الذين تسلموا المناصب العليا الأكثر عرضة للفساد، منذ العام 2004 وحتى الآن، من درجة مدير عام فما فوق، وتقوم الجهات المالية المختصة بإعداد قائمة موثّقة بشاغلي هذه المناصب خلال 17 سنة الماضية.
ومشروع القانون الذي يتعقب الفاسدين، يهدف لاسترداد الأموال الآتية داخل العراق وخارجه، والأموال والعائدات الإجرامية في أية جريمة فساد، أو ممتلكات تعادل قيمتها، والإيرادات والمنافع المتأتية من عائدات جريمة فساد والممتلكات التي حولت إليها أو بدلت بها او التي اختلطت معها.
الخبير الاقتصادي مازن الأشيقر يؤكد أن "مشروع القانون تضمن تفصيلات تسهل عملية تتبع الأموال المهربة".
وأوضح الأشيقر، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أنه إضافة إلى عقد تفاهمات واتفاقيات مع الدول التي تتحرك فيها الأموال العراقية المهربة، فرض مشروع القانون على المسؤولين الكشف عن أرصدتهم وأبنائهم وزوجاتهم".
وتابع: "البرلمان ملزم بالتصويت على مسودة القانون خلال مدة لا تزيد على 60 يوماً، وفي حال الرفض فإن مجلس النواب سيضع نفسه في دائرة الاتهام بالفساد".
ويؤكد الأشيقر أن "الفترة المتبقية من عمر البرلمان كافية لتمرير القانون.
واتفق مع ذلك الخبير القانوني طارق حرب الذي رأى أن "تمرير هذا القانون في البرلمان يحتاج إلى أغلبية بسيطة وتحقيق ذلك يسير"، وفق ما ذكر.
وتوقع حرب خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "يسهم ذلك القانون إذا ما أقر في استرجاع بعض من الأموال المنهوبة والمهربة للخارج بنسبة لا تتجاوز الـ30%"
في هذا الصدد، يرى المحلل السياسي نجم القصاب، أن "التوقيت جاء متأخراً ومن الصعب العبور بمسودة القانون الرئاسي إلى منصة التصويت داخل البرلمان في ظل الظروف الحالية".
وبين القصاب، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "الفترة المتبقية من عمر البرلمان تفرض على جميع النواب الاستعداد للانتخابات وبالتالي يصعب تحقيق جلسة مكتملة النصاب".
ومن جانبه قال النائب عبد الأمير المياحي، عضو لجنة النزاهة النيابية: "رغم الجهود المبذولة لاسترداد الأموال المنهوبة فإن الأداء ما زال متواضعاً ولم يثمر عن نتائج تتناسب مع تلك الثروات في بنوك الخارج".
وقال المياحي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن استرجاع الأموال المنهوبة تحتاج إلى قرار وطني يترافق مع أي مسودة أو قانون يتعامل مع الفساد".
ويتفق المحلل السياسي نجم القصاب من ذلك الرأي ، مؤكدا أن الغطاء السياسي لحيتان الفساد الكبيرة يضمن لها البقاء بعيداً عن المحاسبة ويوفر لها القدرة على العبث بمقدرات البلاد وهو ما يفرض إعادة النظر في الإجراءات المتبعة لاسترداد الأموال عبر تلك السنوات قبل الذهاب نحو أي تشريع جديد يستهدف الأمر ذاته".
وشدد قائلا: "هي مهمة ليست بالسهلة، فأغلب تلك الأموال المتواجدة خارج العراق مسجلة بغير أسماء من قام بتهربيها ما يصعب المهمة أمام أي مشرع أو قانوني لتعقبها خارج البلاد ".