لذا، كما جاء في أوليات علم السياسة أن الداخل القوي المتماسك هو البداية الصحيحة للسياسة الخارجية الراشدة.
على الرغم من ظاهر الخطاب العدائي المتبادل بين إيران وإسرائيل، إلا أنه يخفي تاريخاً من الخلافات والمصالح، حيث كانت إيران من أوائل الدول التي اعترفت بدولة إسرائيل بعد تأسيسها عام 1948، لتتقاطع المصالح الاستراتيجية بين البلدين خلال الحرب الإيرانية العراقية قبل أن تتدهور بشكل كبير، خاصة خلال حكم الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، حتى يأتي الرئيس حسن روحاني فيكفّر عن ذنب سابقه، عندما هنأ اليهود بسنتهم العبرية، وأن يقول وزير خارجيته إننا لم ننكر «الهولوكوست»، وإن من أنكرها يعني «نجاد» ذهب..
في غياب مشروع عربي وحدوي قوي سيعبث العدوّان الصديقان الإسرائيلي والإيراني بأمن المنطقة العربية، وينشران فتن الطائفية والمذهبية؛ سعياً منهما لتطويقها بحزام قد -لاقدر الله- يذهب بوجودها
فالصراع الإيراني- الإسرائيلي ليس صراعاً أيديولوجياً بقدر ما هو نزاع استراتيجي قابل للحل، ذلك لأن الكثير من التعاملات الإيرانية – الإسرائيلية السريّة التي تجري خلف الكواليس، والتي لم يتم كشفها من قبل؛ إذ تعتمد إسرائيل في نظرتها إلى إيران على "عقيدة الطرف" الذي يكون بعيداً عن المحور، فيما تعتمد إيران على المحافظة على قوّة الاعتماد على "العصر السابق" أو التاريخ حين كانت الهيمنة "الطبيعية" لإيران تمتد لتطال الجيران القريبين منها.
فطبيعة الحكم في كلا الدولتين تنطلق من المفهوم اللاهوتي للسلطة على أساس أن تأثير المؤسسة الدينية في صناعة القوانين والتشريعات له الدور الأكبر والترجيح لتحقيق مصالح الدولة الثيوقراطية في حالة الاختلاف. وكلاهما يعتمد على التصريحات الاستفزازية والخطب النارية، ولكنها لا تتصرف بناءً عليها بأسلوب متهور وأرعن من شأنه أن يزعزع نظامها أو أمنها. وعليه فيمكن توقع تحركات إيران، وهي ضمن هذا المنظور لا تشكّل «خطراً لا يمكن احتواؤه» عبر الطرق التقليدية الدبلوماسية.
كلتا الدولتين تنطلق من نفسية عدائية ونظرة استعلائية للعرب بمشروع توسعي على حساب العالم العربي: المشروع الاستيطاني الصهيوني بإنشاء دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، ومشروع ولاية الفقيه الفارسي من الخليج العربي إلى المحيط.
لقد أسهمت إسرائيل بشكل مباشر في مساعدة إيران في حربها مع العراق، إذ ذكرت صحيفة "إيروسبيس ديلي" في شهر أغسطس من عام 1982 أن الدعم الإسرائيلي كان "حاسماً" في استمرار تحليق القوات الجوية الإيرانية في مواجهة العراق وبضرب المفاعل "أوزيراك" النووي العراقي الذي أعاق البرنامج النووي العراقي، كما أن صفقات الأسلحة من خلال إسرائيل إلى إيران تفوق 500 مليون دولار أمريكي في الفترة من عام 1981 إلى 1983 وفق ما ذكره معهد جيف للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب. ولقد تم دفع معظم هذا المبلغ من خلال النفط الإيراني المقدم إلى إسرائيل.
فاحتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاثة (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى) ورفضها الانسحاب منها أو حتى الدخول في تفاوض حولها، وزرعها لـ"حزب الله" في لبنان ودعمها للعصابات "الحوثية" ضد الشرعية الوطنية اليمنية، بل إلى انتهاك حدود المملكة العربية السعودية، ومحاولاتها زعزعة أمن البحرين والمغرب ما هو إلا تنفيذ لمشروع تصدير الثورة الخمينية المجوسية.
كما أن تسليم العراق لمليشيات إيران من طرف «برايمر» الحاكم الأمريكي بعد الغزو، وتفتيت العراق إلى دويلات يأتي هو في صلب الأهداف الاستراتيجية الإيرانية – الإسرائيلية ضد العالم العربي. لقد استطاع التحالف الإسرائيلي-الإيراني أن يخرج كل منهما من الحصار السياسي والاقتصادي الإقليمي، ويبلور سياسة شرق أوسطية بضم لاعب صديق قديم تركيا؛ لرسم سايكس بيكو جديدة معالمها تقسيم دول الممانعة مثل سوريا والعراق إلى دويلات وخلق حالة التوتر في دول المجلس الخليجي ومصر، بتكليف قطر مهمة التنفيذ بجانبهم.
والنتيجة أن استطاعت إيران -عن الطريق "الفزاعة الإسرائيلية"- الحفاظ على حكمها من جهة، ونجحت إسرائيل بحفظ السيطرة على الأراضي الفلسطينية من جهة ثانية.
في غياب مشروع عربي وحدوي قوي سيعبث العدوان الصديقان الإسرائيلي والإيراني بأمن المنطقة العربية، وينشران فتن الطائفية والمذهبية؛ سعياً منهما لتطويقها بحزام قد -لاقدر الله- يذهب بوجودها.
لذا كما جاء في أوليات علم السياسة أن الداخل القوي المتماسك هو البداية الصحيحة للسياسة الخارجية الراشدة، فأزماتنا أعقد من أن يحلها فصيل واحد مهما كانت قوته.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة