لا نشك في أن تضييق الخناق على النظام الإيراني يزعج النظام القطري ويضعه في "مأزق"، على الأقل من الناحية السياسية.
كنا شعوب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية حتى عام 2015، نعتقد أنه من غير الطبيعي أن تكون علاقة أي دولة خليجية مع إيران أو تركيا أفضل من علاقتها مع دولة شقيقة عضو في هذه المنظومة السياسية.
لن يكون أمام النظام القطري سوى إغداق الهدايا على "السلطان" والإذعان لطلباته؛ لأنها ستكثر مع مرور الأيام، ولكن عليه أن يتذكر مصير هداياه التي أغدقها على معمر القذافي، وأن يستوعب دروس أردوغان، فخدماته السياسية، رغم أنها مدفوعة القيمة، إلا أن فيها مغامرة كبيرة
ولكن بعد المواقف المتطرفة لنظام "الحمدين" في دولة قطر ضد أشقائه الخليجيين وبعض الدول العربية، وعلى رأسها مصر "قلب العروبة" ومركز الثقل السياسي العربي، وموقفه من حرب إعادة الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية، تأكد لنا أن علاقة هذا النظام -الحمدين- مع الدول الخليجية أكثر صعوبة من علاقته مع النظام الإيراني والنظام التركي، اللذين لهما مشروعاتهما السياسية في الدول العربية والخليجية تحديداً، فصار من غير المستغرب والمستبعد أن يتضامن نظام قطر مع الدولتين ضد أشقائه الخليجيين، ومن هنا بدأت مسألة إعادة صياغة العلاقة الخليجية مع النظام القطري وفق رؤيته لاستقرار المنطقة واستقرار المجتمعات العربية.
إلا أن التساؤل الذي بات يتردد بين المراقبين متعلق بمدى استمرارية مرونة استفادة النظام القطري من إيران وتركيا، المتنافستين سياسياً ولكنهما متفقتان التمدد في الإقليم العربي، خاصة بعد الاهتمام المبالغ فيه الذي أظهره أمير دولة قطر الشيخ تميم بتركيا، وتحديداً بالرئيس التركي أردوغان، ذلك الاهتمام الذي وصل إلى حد تقديم "هدية اللغز" تقدر قيمتها بنصف مليار دولار، دون أن يحدث ذلك أو بأقل مع إيران، الأمر الذي ترك انطباعا إن كان هناك فتور يخيم على علاقتها مع "الشريفة"، حسب وصف مندوب قطر في الجامعة العربية، أو أنها -العلاقة-تعاني حساسية بين القيادة في البلدين.
يكمن "لغز الهدية" أنها غير معتادة في العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الدول، وإذا افترضنا أنها قد تحدث فإنها تكون إلى رئيس تعاني دولته مشاكل مالية، وليست دولة مثل تركيا التي كانت تصنف من الدول الصاعدة اقتصادياً حتى وقت قريب، ويزداد لغز الهدية غموضاً حول لماذا تركيا دون إيران؟ مع أن النظام الإيراني- وفق الطقس السياسي الدولي حيث العقوبات الاقتصادية والإقليمي- أنسب لنظام "الحمدين"، فخلافاتها أعمق وأكثر شراسة مع الدول الخليجية، وخاصة التي تقاطعها سياسيا (السعودية، والإمارات، والبحرين). وربما يستخلص البعض أن البعد الأيديولوجي للنظاميين القطري والتركي يدعم تيار "الإخوان المسلمين"، على عكس الأيديولوجية الإيرانية الطائفية في ناحية الحيوية النشطة والعافية السياسية.
الذي ينبغي أن "نتفهمه" أن ما يفعله نظام "الحمدين" أنه يريد تثبيت مكانته عند أردوغان، بعدما غضب من تأخر تميم في دعمه ماليا، حينما سجلت الليرة التركية تراجعاً، كما ينبغي أن نتفهم موقفه من هذا الإغداق (وهذا الأهم) هو من أجل إنقاذ أردوغان؛ لأن مصير النظام القطري معلق باستمراره-أردوغان- في السلطة، والنقطة الأخرى التي لا تقل أهمية عن الأخيرة أن النظام القطري بات يعيش قلقاً وهاجساً حول مصير النظام الإيراني الذي يواجه صعوبات مع المجتمع الدولي، وبالتالي فإن خياراته في الاستفادة من النظام ضد الدول الخليجية تتقلص، وأعتقد أن الإغداق القطري ستتضح معالمه أكثر عندما تتبلور نتيجة "الجرعة" الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران.
لا نشك في أن تضييق الخناق على النظام الإيراني يزعج النظام القطري ويضعه في "مأزق" على الأقل من الناحية السياسية، فمرونته في المراوغة تم تقييدها، كما أن وضع كل "بيض النظام القطري في السلة" التركية فكرة غير آمنة وغير مضمونة مع أردوغان صاحب البراجماتية السياسية، خاصة أن خلافاته مع دول العالم والمنطقة ليست بعمق خلافات إيران التي كانت مصدر اطمئنان "للحمدين" في مواجهة أشقائه في الخليج وغطاء سياسي من مناورات أردوغان غير المتوقعة، حيث يمكن أن يغير موقفه بسهولة، مجرد أن يجد مصلحته مع أي دولة خليجية.
لن يكون أمام النظام القطري سوى إغداق الهدايا على "السلطان" والإذعان لطلباته؛ لأنها ستكثر مع مرور الأيام، ولكن عليه أن يتذكر مصير هداياه التي أغدقها على معمر القذافي، وأن يستوعب دروس أردوغان، فخدماته السياسية، رغم أنها مدفوعة القيمة، إلا أن فيها مغامرة كبيرة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة