لا فرق بين إيران وإسرائيل إلا فيمن هو أشد خطورة وهي في الوقت الحاضر إيران.
على النظام الإيراني الاعتراف بأنه كان السبب الرئيسي في تحويل إسرائيل من دولة محتلة ومهددة لاستقرار المنطقة إلى "حليف محتمل" للدول العربية، نتيجة لمشروعاتها وطموحاتها السياسية المسيئة على الصعيد الداخلي والخارجي. لذا على إيران وغيرها من الدول التي اعتادت "خداع" الرأي العام العربي بأن إسرائيل عدو مشترك في أمن واستقرار المنطقة الإدراك بأن هذه الحجة قد ولى عليها الزمن وأن الإنسان العربي فهم، سياسيا، أنه لا فرق بين إيران وإسرائيل إلا فيمن هو أشد خطورة وهي في الوقت الحاضر إيران.
بل إن هناك بعضا من الأنظمة العربية لا تقل خطورة عن إيران على الأمن العربي وأقصد هنا نظام "الحمدين" في قطر، أما مسألة التلاعب بالأخوة الدينية أو التاريخ المشترك فهو ليس أكثر من كونه نوعا من التلاعب بالعاطفة، وغير صالح للاستهلاك في السياسة. وبالتالي فإن الحملات الإعلامية لمحاولة تشويه الفكر العربي على خلفية ما تم في العاصمة البولندية، وارسو، ما هو إلا لهدف تسويق الفوضى وتحريض الشعوب العربية ضد حكوماتها سواءً من الإيرانيين أو من الإعلام القطري وهو لم يعد ينطلي عليهم.
تبقى القاعدة السياسية تعبيرها أدق في وصف هذه الحالة: "عدو عاقل خير من صديق جاهل"؛ فالنظام الإيراني يؤذي نفسه وشعبه أكثر من محاولات إيذاء جيرانه وهذا ينم عن جهل منه. ولا يخلو ما سبق من التنظير والغضب، لكنه لا يخلو أيضا من الواقعية والصحة
كشعوب عربية لسنا بحاجة إلى نظرية المؤامرة كي نتتبع عبث النظام الإيراني وأساليبه في خلق عدوات في المنطقة؛ فتدخلاته الصريحة ومجازره التي يرتكبها في عدد من الدول العربية والأزمات والمشاكل التي يدبرها ضد الأمن الوطني العربي لا تحصى، وتقدم الأدلة لكل مراقب يتحلى بموضوعية كي يقرر من هي الدولة الأخطر في المنطقة، بينها وبين إسرائيل إذا اتفقنا أن الاثنتين تحتلان أراضي عربية.
وحتى يكون الأمر أكثر وضوحا وشفافية؛ فإن للنظام الإيراني دورا كبيرا في خلق بيئة إيجابية لإسرائيل لدى الشارع العربي في خلال الأربعين عاما الماضية وتحسين صورتها لدى الرأي العام بما فيهم جيل الخمسينيات والستينيات، الذين كانوا يتوعدون إسرائيل بإلقائها في البحر. فمن غير احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث خلق هذا النظام توترا طائفيا وعمل على شق صف مواطني الدولة الواحدة بين شيعة وسُنة لخدمة أهدافه، وأثار أحقادا تاريخية كل هذا تحت بند تصدير الثورة الإيرانية.
وعليه يكون من الطبيعي أن يغضب الإنسان العربي ويقف متسائلا ويقارن من هو العدو الحقيقي له؟! ويستنكر في الوقت نفسه بين ما يصرح به مسؤولو النظام الإيراني في تشويه صورة الدولة الإسرائيلية التي تغتصب الأرض العربية وبين ما يعملون على تطبيقه من سياسات على أرض الواقع في التعاون معها، وبالتالي إذا كان هناك خلل في المزاج السياسي العربي تجاه إسرائيل باعتبارها عدوة للعرب والمسلمين؛ فينبغي عدم تبرئة النظام الإيراني من تحمل مسؤولية تحويل إسرائيل "حليف محتمل للعرب" ضد إيران فهذا هو منطق السياسية ومنطق إيران البراجماتية.
إذا أردنا الدقة أكثر، فإن الرأي العام العربي بات واعيا من أن كل السياسات الإيرانية لا تخرج عن تصورين اثنين هما، إما أنها تريد زيادة تمكين إسرائيل، الدولة التي ترتبط بعلاقات مصالح مع الإيرانيين ليس من اليوم ولكن منذ أيام الحرب العراقية-الإيرانية، وهذا شيء معروف للجميع على حساب العرب. وإما من أجل إضعاف الدول العربية لخدمة مصالحها وإن كان الاحتمال الثاني بالنسبة لي هو الأقرب، ولكن في الحالتين فإن الخطر الإيراني أكبر لأن النتيجة النهائية لتلك السلوكيات هي تقويض القدرات العربية سواء في مواجهة إسرائيل أو إيران. وبالتالي تبقى القاعدة السياسية تعبيرها أدق في وصف هذه الحالة: "عدو عاقل خير من صديق جاهل"؛ فالنظام الإيراني يؤذي نفسه وشعبه أكثر من محاولات إيذاء جيرانه، وهذا ينم عن جهل منه.
ولا يخلو ما سبق من التنظير والغضب، لكنه لا يخلو أيضا من الواقعية والصحة؛ لأن الفكرة الأساسية أن إسرائيل لم تعد بتلك العداوة لدى الرأي العام العربي؛ فالخطر الإيراني مقدم لدينا بسبب سياساته وأكثر إلحاحا عن أي خطر آخر، قد يعتبر البعض أنه كلام غير مسبوق ولكنه مطروح لدى الإنسان العادي قبل السياسيين، وهو أمر ينبغي ألا يستهين به النظام الإيراني.
بلا شك أن التحول العربي يحمل الكثير من المرارة؛ لأن الدور الإيراني الذي كان يفترض أن يكون رافعة سياسية للقضية الفلسطينية للعرب والمسلمين ضد الاحتلال الإسرائيلي وظفه ملالي إيران في السياسة لتكون إسنادا لإسرائيل، وهذا كله لم يكن يخطر على بال أحد من العرب، لكنه، للأسف، بات واقعا أو أنه قد بدأ.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة