إيران وإسرائيل.. نهاية لمرحلة الردع أم دورة جديدة من التصعيد؟
هل انتهت الضربات المباشرة بين إيران وإسرائيل أم أن البلدين على أعتاب مرحلة جديدة من التصعيد؟ سؤال طُرح بعد «الضربة» الإسرائيلية على إيران التي كانت محدودة ومصممة بعناية على ما يبدو للحد من مخاطر اندلاع حرب كبرى.
فهل انتهت مرحلة الردع؟
تقول شبكة «سي إن إن» الأمريكية، إن إسرائيل وإيران تعملان على دفع الشرق الأوسط إلى عصر جديد خطير من خلال محو المحرمات التي تمنع توجيه ضربات عسكرية علنية إلى أراضي كل منهما، مضيفة: السؤال الآن هو ما إذا كانت ضرورات كل جانب لإظهار الردع وحفظ ماء الوجه قد تم تلبيتها ــ أو ما إذا كان الأعداء مقدر لهم الدخول في دورة جديدة من التصعيد؟
وفيما تشير التقارير إلى أن الضربة الإسرائيلية كانت محدودة؛ فلم تستهدف المواقع النووية الإيرانية في المنطقة، إلا أنه كان المقصود منها إظهار القدرة الإسرائيلية على التوغل في عمق إيران.
وبحسب «سي إن إن»، فإن الضربات الإسرائيلية تعد استعراضًا للقوة من جانب الدولة العبرية، في إظهار قدرتها على التهرب من الدفاعات الإيرانية متى شاءت - وعلى مقربة من المنشآت النووية الإيرانية.
ورغم ذلك، فإن حقيقة أن إسرائيل اختارت هدفاً داخل إيران بدلاً من حصر ردها على وكلاء طهران في سوريا أو العراق، على سبيل المثال، فإن ذلك يزيد من حجم المواجهة بشكل كبير ويفاقم احتمال خروج المواجهة بسرعة عن نطاق السيطرة.
وحذرت الشبكة الأمريكية، من أن الخطر في محاولة اجتياز هذا المسار الضيق هو أن المنطقة أصبحت على حافة الهاوية بعد مرور ستة أشهر على الحرب التي شنتها إسرائيل ضد حماس في غزة، مشيرة إلى أن التوترات السياسية حادة للغاية داخل كلا البلدين، بحيث يصعب على كل جانب أن يقيّم بدقة كيف سيتعامل الطرف الآخر مع الأمر.
فقبل ساعات من الضربات الإسرائيلية، على سبيل المثال، حذرت إيران من أن أي هجوم إسرائيلي سيقابل برد قوي. وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لشبكة «سي إن إن»، إن مثل هذا الإجراء سيقابل برد فوري وعلى أقصى مستوى.
مؤشرات مبكرة
ومع ذلك، ظهرت مؤشرات مبكرة يوم الجمعة على أن إيران مستعدة لإنهاء هذه المرحلة المحددة من التصعيد دون تصعيد جديد على سلم المواجهة، وأن إسرائيل - رغم رفضها الدعوات الدولية لضبط النفس - ربما لا تزال تتقبل المخاوف الأمريكية والغربية بشأن إمكانية إشعال حرب إقليمية كبرى.
وقللت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية والمسؤولون الحكوميون من أهمية الهجوم الذي وقع يوم الجمعة. وقال مصدر استخباراتي إقليمي مطلع على رد فعل إيران المحتمل على ضربة الجمعة، إن الضربات المباشرة بين البلدين بين العدوين «انتهت»، مضيفًا: ليس من المتوقع أن ترد إيران على الضربات – لكنه لم يذكر سبباً.
وإذا أثبتت الأحداث اللاحقة ذلك، فقد تنجح إسرائيل في تحقيق المبدأ الاستراتيجي الذي وضعه الرئيس جون كينيدي في عام 1963 عندما تحدث عن أزمة الصواريخ الكوبية في العام السابق عندما قال إن الحنكة السياسية يجب أن تهدف إلى «تجنب تلك المواجهات التي تجلب العدو. أمام خيار إما الانسحاب المهين أو الحرب النووية».
ولم يكن الخطر يتمثل في نشوب حرب نووية في هذه الحالة، بل في الاتجاه نحو صراع تقليدي كبير كان من الممكن أن يستهلك المنطقة بأكملها ويقتل العديد من الإيرانيين والإسرائيليين وشعوب الدول المجاورة. وفي الوضع الراهن، لم تضطر إيران أو إسرائيل إلى التراجع المهين ــ وربما يكون هذا هو المفتاح لاحتواء الموقف.
نتنياهو يتحدى
ويمثل الهجوم الإسرائيلي على إيران أيضًا رفضًا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لنصيحة الرئيس جو بايدن باعتبار الاعتراض الناجح لجميع الطائرات بدون طيار والصواريخ الموجهة نحو إسرائيل بمثابة انتصار.
وبينما يبدو أنه كانت هناك جهود من قبل إسرائيل للنظر في المخاوف الأمريكية والغربية بشأن حرب أوسع نطاقا، فقد تجاهل نتنياهو مرارا وتكرارا مناشدات بايدن - بما في ذلك شهور من الشكاوى الأمريكية بشأن السلوك الإسرائيلي للحرب في غزة وتأثيرها على المدنيين الفلسطينيين بعد ذلك.
لكن بايدن واجه أيضًا حقيقة أن إسرائيل دولة ذات سيادة، وعلى الرغم من اعتمادها القوي على الولايات المتحدة، فمن غير المرجح أن تسمح على الإطلاق بهجوم موجه على أراضيها دون رد. وفي أعقاب التطورات الأخيرة، تركز واشنطن على جهد جديد لوقف تصاعد التوترات بشكل أكبر بينما تنأى بنفسها عن الإجراء الإسرائيلي.
وقد أوضح البيت الأبيض في الأيام الأخيرة أنه لن ينضم إلى أي أعمال هجومية إسرائيلية ضد إيران. لكن يكاد يكون من المؤكد أنه سيتم استدعاء القوات العسكرية الأمريكية للدفاع عن إسرائيل مرة أخرى في حالة حدوث انتقام إيراني كبير. وبالتالي يمكن أن ينجر بايدن بشكل أعمق إلى صراع عسكري في المنطقة حاول مرارا وتكرارا وقفه، بحسب الشبكة الأمريكية.
صورة جيوسياسية مرعبة
وبحسب «سي إن إن»، فإن إسرائيل، رغم «قوتها العسكرية، إلا أنها في موقف ضعيف للغاية. فهي الآن تقاتل على ثلاث جبهات: ضد حماس في غزة؛ وكيل إيراني آخر، حزب الله، في صراع محتدم على الحدود اللبنانية؛ ومباشرة ضد إيران نفسها».
فـ«التهديد الذي يمثله حزب الله خطر بشكل خاص؛ لأن الجماعة اللبنانية تمتلك عشرات الآلاف من الصواريخ التي يمكن أن تسبب مذبحة في المدن الإسرائيلية أكبر بكثير من التهديد الذي شكلته صواريخ حماس في بداية حرب غزة»، تقول الشبكة الأمريكية، مشيرة إلى أنه من المؤكد أن دخول حزب الله على نطاق واسع إلى الصراع لدعم إيران سيؤدي إلى رد فعل إسرائيلي واسع النطاق، ما من شأنه أن يعيد الحرب إلى لبنان.
وقال آرون ديفيد ميلر، مفاوض السلام المخضرم في الشرق الأوسط بين الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين، لشبكة «سي إن إن»: حتى لو مرت هذه المرحلة دون انتقام إيراني كبير، فإن الحقيقة هي أن إسرائيل وإيران ستخوضان هذا الصراع التنافسي. لا حل لمشكلة وكلاء إيران. لا حل لحقيقة أن إيران دولة على عتبة الأسلحة النووية.
وواجهت إسرائيل ضغوطا مكثفة لإظهار ضبط النفس ليس فقط من الولايات المتحدة، لكن أيضا من القوى الأوروبية والعربية، التي انضم العديد منها إلى العملية الأمريكية والإسرائيلية لإسقاط الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية في نهاية الأسبوع الماضي.
وفي حين أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل مضمون، فإن رد فعل تلك الدول الأخرى سوف يكون حاسماً الآن بعد أن قرر نتنياهو تجاهل نصيحة المدافعين عن إسرائيل.
مرحلة تصعيدية؟
وقال مالكولم ديفيس، أحد كبار المحللين في معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي، إن التطورات الأخيرة مهدت الطريق لمرحلة تصعيدية طويلة المدى، قد تؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة، لكن القدرة الإسرائيلية الواضحة على مراوغة الدفاعات الجوية الإيرانية قد تعيد أيضاً ترسيخ التفوق الاستراتيجي لإسرائيل.
ديفيس أضاف: «أعتقد أن ذلك يبعث برسالة إلى طهران مفادها أنهم في الواقع أكثر عرضة للضربات الإسرائيلية مما يرغبون في الاعتراف به».
ويشعر بعض الخبراء بالقلق من أن الواقع الجديد المتمثل في الضربات المباشرة مع إسرائيل قد يدفع إيران ــ التي يقدر الخبراء أنها على بعد أسابيع فقط من القدرة على إنتاج سلاحها النووي ــ إلى الاندفاع عبر العتبة النووية، في وضع لا تستطيع إسرائيل ـ ولا الولايات المتحدة على الأرجح ـ أن تقبله، ما يعني أن الخطر المتصاعد في الأيام الأخيرة قد يكون مجرد لمحة عما سيأتي.
aXA6IDE4LjExNy45NC43NyA=
جزيرة ام اند امز