معضلة إيران.. كيف تحافظ على وكلائها وتتجنب الحرب الشاملة؟
وسط تزايد المخاوف من اندلاع حرب شاملة بين حزب الله وإسرائيل، مع ارتفاع منسوب التوتر بينهما، أثيرت تساؤلات بشأن موقف إيران من الجماعة اللبنانية ولماذا لم تتدخل لدعمه؟
فبعد سلسلة من «الإهانات»، التي تفاقمت بسبب تكثيف الهجمات الإسرائيلية على حزب الله، تواجه إيران معضلات واضحة؛ فطهران تريد استعادة الردع ضد إسرائيل مع تجنب حرب شاملة بين البلدين والتي من شأنها أن تجر الولايات المتحدة إلى التدخل، وبالتالي تدمير إيران في الداخل، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز».
وأوضحت الصحيفة الأمريكية أن إسرائيل تريد الحفاظ على وكلائها الذين يوفرون ما تسميه «الدفاع المتقدم» ضد إسرائيل (حزب الله، وحماس، والحوثيين في اليمن) دون الدخول في معركة نيابة عنهم.
ماذا تريد إيران؟
في الوقت نفسه، تريد إيران رفع بعض العقوبات الاقتصادية القاسية المفروضة عليها من خلال تجديد المفاوضات النووية مع الغرب، مع الحفاظ على علاقاتها العسكرية والتجارية الوثيقة مع خصوم واشنطن الرئيسيين، روسيا والصين.
وقال علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية: «إن الأساسيات لم تتغير بالنسبة لإيران. إنها لا تريد على الإطلاق الدخول في حرب أكبر في المنطقة».
وأضاف أن هذا من المرجح أن يكون أحد الأسباب التي جعلت إيران حتى الآن لا ترد على اغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية أثناء وجوده في إيران لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.
وتشكل حرب إسرائيل ضد حزب الله في جنوب لبنان إحراجاً آخر لإيران ورئيسها الجديد، إذ تزيد الضغوط عليه للرد على إسرائيل للدفاع عن حليف مهم.
وبينما رفضت إيران حتى الآن أن تستفزها إسرائيل إلى حرب إقليمية أكبر لا يريدها المرشد الإيراني علي خامنئي، على حد قول المحللين، يزور الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الأمم المتحدة على أمل تقديم وجه أكثر اعتدالاً للعالم، كما يلتقي بدبلوماسيين أوروبيين على أمل استئناف المحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني، وهو ما قد يؤدي إلى تخفيف العقوبات الحيوية المفروضة على اقتصادها المتعثر.
وفي نيويورك هذا الأسبوع، كان بيزيشكيان صريحاً في تصريحاته، فقد قال إن إسرائيل تسعى إلى إيقاع بلاده في فخ حرب أوسع نطاقاً، مضيفًا: «إسرائيل هي التي تسعى إلى خلق هذا الصراع الشامل. إنهم يجروننا إلى نقطة لا نرغب في الوصول إليها».
نشر النفوذ
ومنذ الإطاحة بالشاه في عام 1979 وتنصيب الجمهورية الجديدة، حاولت إيران نشر نفوذها في مختلف أنحاء المنطقة وتعهدت بتدمير إسرائيل. وقد بنت شبكة من الوكلاء الذين تمولهم وتسلحهم وتدعمهم، لكنها لا تسيطر عليهم بالكامل (حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني في غزة والضفة الغربية؛ والحوثيين في اليمن؛ والشيعة في العراق والعلويين في سوريا؛ وحزب الله في جنوب لبنان، الذي يُعتقد أنه مجهز بأكثر من 150 ألف صاروخ وقذيفة، قادرة على ضرب إسرائيل بأكملها).
وبينما أدت الهجمات التي شنتها حماس على إسرائيل قبل عام تقريبا إلى إبراز دور إيران في المقدمة، اغتنمت تل أبيب الفرصة لتدمير أو تقليص اثنين من وكلائها الإيرانيين: حماس على حدودها الجنوبية وحزب الله على حدودها الشمالية، والذي أرسل الصواريخ إلى إسرائيل دعما لحماس، مما دفع الآلاف من الإسرائيليين إلى النزوح عن منازلهم.
وفي الوقت نفسه، واصلت إسرائيل حربها السرية ضد إيران، فقتلت ضباطاً كباراً في هجوم صاروخي على القنصلية الإيرانية في دمشق في أبريل/نيسان. ثم تبادلت إسرائيل وإيران الضربات على أراضي كل منهما، قبل أن تتراجعا.
وفي الآونة الأخيرة، أحدثت إسرائيل حالة من الذعر في لبنان بإطلاقها أجهزة اتصال لاسلكية متفجرة، مما أظهر قدرتها على اختراق بنية حزب الله، ثم أعقب ذلك بإطلاق وابل من الصواريخ والقنابل أسفر يوم الإثنين عن مقتل المئات في لبنان، في أكثر الأيام دموية منذ الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد في عام 1990.
حرب شاملة؟
يقول المسؤولون إن إسرائيل حققت أهدافها القصيرة الأجل خلال أسبوع من الهجمات على حزب الله، لكن الهدف النهائي غير واضح.
وقالت سوزان مالوني، الخبيرة في الشؤون الإيرانية ومديرة برنامج السياسة الخارجية في مؤسسة بروكينغز: «تحاول إسرائيل إغراء حزب الله بهجوم من شأنه أن يؤدي إلى حرب شاملة وتمكين إسرائيل من نقل المعركة إلى ما تعتبره تهديدها الاستراتيجي الحقيقي، إيران نفسها».
وأضافت مالوني أن حزب الله أيضا «غير راغب في الانخراط في صراع من المرجح أن يؤدي إلى تدميره»، مشيرة إلى أنه «بالنسبة لإيران، يمثل حزب الله الرادع الأعظم فقدراته وقربه من إسرائيل يشكلان خط الدفاع الأول لإيران، وإذا تم تدميره فإن هذا من شأنه أن يجعل الإيرانيين أكثر عرضة للخطر بشكل كبير».
ويمثل الوكلاء استراتيجية إيران في الدفاع الأمامي لحماية طهران، ومن المفترض أن يقاتل الوكلاء من أجل إيران، يقول فايز، مضيفا «لم يكن من المبدأ قط أن تقاتل إيران دفاعًا عنهم».
ماذا تقول إيران؟
في الوقت الراهن تراقب إيران ما يحدث عن كثب، في حين تفترض أيضا أن حزب الله المسلح والمنظم جيدا قادر على الدفاع عن نفسه، وإلحاق أضرار جسيمة بإسرائيل دون مساعدة إيرانية صريحة.
ويبدو أن إسرائيل تستغل التحديات التي تشكلها إيران، لكن كما هو الحال دائما فإن الخطر يكمن في احتمال وقوعها في خطأ الحكم.
وقال إيلي جيرانمايه، الخبير في الشؤون الإيرانية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن هناك عناصر متشددة في الحرس الثوري في إيران وداخل حزب الله نفسه «الذين يرون المواجهة مع إسرائيل، أمراً لا مفر منه ويفضلون أن يحدث ذلك في وقت أقرب».
ويقول كورنيليوس أديبار، الذي يدرس إيران لصالح مؤسسة كارنيغي أوروبا، إن إيران لا بد أن تدعم محور المقاومة لديها بطريقة أو بأخرى، مضيفا «لا تستطيع إيران أن تتقبل هذا إلى الأبد، وسوف يسأل الناس: أي نوع من القوة أنت إذا كنت عاجزاً عن حماية وكلائك؟».
وفي خطاب قصير ألقاه يوم الثلاثاء أمام الأمم المتحدة، اتهم بزشكيان إسرائيل بـ«الهمجية»، ووصف وكلاء إيران بـ«المقاتلين من أجل الحرية»، لكنه تحدث أيضاً عن «عصر جديد»، وتعهد بالقيام «بدور بناء».
ويُنظر إلى بزشكيان على أنه معتدل في النظام الإيراني، ويُعتبر فوزه في الانتخابات الرئاسية هذا العام علامة على أن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي يريد الحد من التوترات داخل إيران التي انفجرت في عام 2022 وتفاقمت بسبب إبراهيم رئيسي الأكثر تشددا، الذي كان يُعتبر خليفة محتملا للمرشد الأعلى لكنه توفي في حادث تحطم مروحية.
ويحاول بزشكيان، برفقة مفاوضين من ذوي الخبرة والمعروفين لدى الغرب، في الأمم المتحدة تقديم حكومته على أنها معتدلة وعملية ومنفتحة على الدبلوماسية.
خيارات إيران
لكن التوقيت معقد، مع اقتراب الانتخابات الأمريكية من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وربما تكون هذه هي الفرصة الأخيرة لمثل هذا التواصل.
وحذرت الصحيفة الأمريكية من أنه إذا تعرض وكلاء إيران للضرب المبرح ولم تسفر المفاوضات الجديدة بشأن الملف النووي عن أي نتائج، فهناك أصوات قوية داخل إيران تطالب بتسليح البرنامج النووي الإيراني وتحقيق الردع بهذه الطريقة.
وأشارت إلى أن إيران قد تختار أيضاً تعميق علاقاتها مع موسكو، على أمل الحصول على نظام الدفاع الجوي الروسي المتقدم إس-400، لأن أنظمتها الحالية أثبتت ضعفها في مواجهة إسرائيل.
وقال فايز «إن إيران تقف الآن عند مفترق طرق. فهي تدرس إذا كان هناك طريق للمضي قدماً في الدبلوماسية النووية، لكن أي حرب من شأنها أن تضعف حزب الله بشكل كبير سوف تجعل إيران تشعر بقدر أقل من الأمان وقد تغير حساباتها النووية».