تتسارع الأحداث وتهدد باندلاع مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران بعد سنوات من المواجهة المنضبطة، خاصة بعد الهجوم الإيراني الصاروخي تجاه إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول، وتزايد سيناريوهات الرد الإسرائيلي المحتملة.
إيران تعيش أوقاتا معقدة مع تصاعد الهجمات الإسرائيلية على مناطق نفوذها في شمال اليمن وسوريا ولبنان والعراق، وتزايد الضغوط الدولية حول سياساتها المزعزعة للاستقرار وبرنامجها النووي، ما يفسر اختيار رئيسها الجديد مسعود بزشكيان لإعطاء صورة نمطية أن قادتها المتشددين ابتعدوا عن المشهد، وهناك فرصة للتفاوض من جديد، الأمر الذي ترفضه إسرائيل التي تعتبر برنامج إيران النووي تحديا وجوديا لأمنها الوطني.
وارتباك الاستراتيجيات الإيرانية يعكس صعوبة المشهد على إيران التي تنتقل من استراتيجية الصبر إلى المواجهة المنضبطة لاحتواء المواجهة مع إسرائيل، ومحاولة الحفاظ على مكتسباتها الإقليمية وتأمين نظامها بشكل رئيسي، ومع الهجمات الإسرائيلية المستمرة على أذرعها خصوصاً حزب الله، اضطرت إلى رفع الحرج عنها عبر ضربة منضبطة، بصواريخ باليستية على عدة مناطق في إسرائيل.
مقاربة إيرانية أخرى تحاول استعادة صورتها المرتبطة بـ"محور المقاومة"، بعد الانهيار الذي شهده حزب الله (أهم وكيل محلي لإيران في المنطقة)، عبر تكثيف هجمات الأذرع على أهداف إسرائيلية، في استغلال لحالة الفراغ السياسي الذي تعيشه إدارة بايدن مع سخونة الانتخابات الأمريكية، بينما تحاول تخفيف الضغط عليها عبر بوابة الدبلوماسية التي شهدت تحركات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في محاولة الحصول على وساطة خليجية للتهدئة، وإبقاء الأبواب مواربة مع الغرب، وإرسال رسائل بأن إيران لا تريد تصعيد النزاع.
تأخر الرد الإسرائيلي يأتي نتيجة لعدة حسابات داخلية وخارجية، بحيث لا يؤدي الرد إلى تفاقم التصعيد إلى حرب واسعة، خصوصاً في ظل حالة عدم اليقين مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ويفسر أسلوب المناورة الذي يستغله نتنياهو للتعامل مع الأزمة، فمع انشغال إدارة بايدن وهاريس بالانتخابات، يطلق المرشح الجمهوري دونالد ترامب تصريحات تلميحية تعطي إسرائيل الضوء الأخضر لتوسيع العمليات، ما يجعل نتنياهو يتماهى بين تصريحاته وتحركاته، إلا أنه يدرك جيدا أهمية التنسيق الدقيق مع واشنطن بشأن الرد على إيران، لتجنب الخطوات غير المحسوبة، ولقاء وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بنظيره الأمريكي لويد أوستن الذي تم تأجيله، بالإضافة إلى مكالمة نتنياهو وبايدن بحضور هاريس، تمثل أبرز تطورات التنسيق الإسرائيلي-الأمريكي.
وسيبقى السؤال كيف سيكون رد إسرائيل على إيران؟ فهي من جانب لا تريد مواجهة مفتوحة مع إيران قبل انتهاء عملياتها على الأذرع الإيرانية، بينما لا تستطيع الصمت على الهجوم الإيراني الأخير الذي تجاوز الخطوط الحمراء.
ولذا شكل وحجم الرد سيعتمد على مخرجات التنسيق بين تل أبيب وواشنطن، وقد يتضمن مستوى الدعم العسكري، ومعالجة التداعيات السياسية والاقتصادية المترتبة على الضربة.
التباينات أبطأت عملية التنسيق، فصحيفة "وول ستريت جورنال" ذكرت أن واشنطن غاضبة لأن إسرائيل لا تشاركها خطط الرد على إيران، ولعدم وجود إشعار مسبق لعملياتها، وأن المسؤولين فوجئوا مراراً وتكرارا بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان.
الرد الإسرائيلي سيكون نوعيا ودقيقا، إلا أنه سيراعي الجهود الدبلوماسية لاحتواء تداعيات الضربة، ولذا قد يستهدف المواقع العسكرية التقليدية في إيران، دون استهداف المواقع النووية والنفطية، وهو ما أكدته "شبكة ABC الأمريكية" حول مكالمة بايدن ونتنياهو الأخيرة، حيث كشفت الشبكة عن مصدر مطلع على محتوى المكالمة، أنها ناقشت خطط إسرائيل للرد على إيران، ومستقبل الحملة الإسرائيلية على حزب الله في لبنان، وذكر المصدر المطلع أن إدارة بايدن شعرت بقبول إسرائيلي حول حجج التمسك بالأهداف العسكرية، بدلاً من مواقع الإنتاج النفطي والنووي.
ستكون الفترة المقبلة حاسمة في تحديد شكل المواجهة بين إسرائيل وإيران، ما سيغير موازين القوى في الشرق الأوسط، فمع انهيار نفوذ المليشيات الإيرانية في المنطقة يضعف المشروع الإيراني، ما قد يجبر طهران على إعادة صياغة سياستها الاستراتيجية، أو العودة إلى اليوم التالي بعد وصول المرشد السابق الخميني للسلطة، ثم البناء من الصفر على نفس المبدأ الأيديولوجي لتصدير الثورة، والذي لم يحقق للمنطقة خلال 4 عقود غير التراجع في قضاياه الرئيسية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة