للإعلام الغربي تحديداً تاريخ في صناعة الصورة، سواء في تلميعها أو في انتقادها.
إذا دقق المتابع لوسائل الإعلام عن المادة الرئيسية في الصحافة العالمية فسيجد أن أغلبها بات يركز على إيجابيات الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وعلى حياته الخاصة التي باتت تظهره بصورة مختلفة عما كان الرأي العام العالمي يعرفه عنه، خاصة في طريقة التخلص من معارضيه السياسيين وفي تحديه الولايات المتحدة، ووصل الأمر بهذا الاهتمام إلى أن ينسينا أن كوريا الشمالية كانت تصنف كواحدة من الدول الشريرة في العالم بجانب إيران.
هذا الأمر الذي يعطينا انطباعاً حول قدرة وسائل الإعلام الغربي في تشكيل إدراك الرأي العام العالمي تجاه قضايا معينة وغسيل أدمغتهم -إن صح التعبير- بسبب ما تمتلكه من قوة التأثير وعناصر الجذب والإبهار، حتى إنه لم يعد أحد يفكر في جدية ما يطرحه حالياً عن هذه الشخصية المثيرة للجدل والمشككة في نواياها ومدى صدقيتها، وإنما انصب التركيز على أن قصة كيم جونغ أون مسلية للجميع، والكل يرغب في استمرارها مثلما كانت قبل اللقاء التاريخي.
أغلب الظن أن الإعجاب بسياسة الرئيس الكوري الشمالي سيتزايد في الإعلام الغربي، خاصة الأمريكي؛ لأنه أحد أساليب الضغط السياسي على النظام الإيراني، وسيترجم هذا الضغط إلى مزيد من الغضب والاستياء الجماهيري على سلوكيات النظام في طهران
المفهوم إعلامياً أن الناس لديهم فضول في معرفة كل ما يتعلق بمساحة غامضة وملتبسة عن أي شيء، شخصاً كان أو مكاناً، لكن الأمر أحياناً لا يقتصر على نقل الحقيقة فقط وإزالة اللبس، ولكن يمارس فيه الإعلام "صناعة الصورة الجديدة" خاصة لدى الإعلام الغربي الذي يعتبر صانعاً للأحداث ويرسم ملامح جديدة عن الشخصية بالطريقة التي تخدم مصالح بلدانها، حدث ذلك مع العديد من الشخصيات السياسية في العالم مثل: الزعيم الليبي معمر القذافي، الذي تحول من ديكتاتور إلى أحد زعماء العالم ثم عاد ليكون مجرماً.
سواء كان فعل هذا الإعلام صحيحاً أم أنه جزء من المؤامرة على الآخر فإن نجاحه يعد انتصاراً على الآخر، فضلاً عن أنه من فعل الغباء السياسي الذي يفضح الذين لم يستفيدوا من الفرص التي قدمها لهم المجتمع الدولي، كما أنه يسحب من رصيد الثقة التي كان يتمتع بها.
للإعلام الغربي تحديداً تاريخ في صناعة الصورة، سواء في تلميعها أو في انتقادها، وفي الانتقاد عانى الدين الإسلامي والمسلمون كثيراً، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث ظهرت تنظيمات إرهابية تزعم أنها تمثل الدين الإسلامي، وللأسف فإن الإعلام العربي كان يردد ويكرر المصطلحات الغربية حتى لصقت بعضها بالمسلمين مع أنه كان ينبغي أن تُصحَح تلك "الاتهامات" على الأقل من ناحية عدم ترديدها كما هي.
الشاهد أن وسائل الإعلام، ولا سيما الغربية، لديها القدرة على قلب الحقائق رأساً على عقب؛ حيث تطمس الحقائق وتشكل مدارك جديدة للرأي العام كما يريدها، ومن ثم تسهم في رسم الخرائط السياسية بصورة تتوافق مع توجهات قيادته السياسية، ومن ثم ففي حالة الرئيس الكوري الشمالي فقد تلاشى كل الكلام عن انتهاكاته والمجازر التي كانت تتعلق بمجرد ذكر اسمه، فاليوم هو إنسان بمواصفات غربية، وزوجته تضاهي أناقتها معاقل الأناقة الباريسية.
إذا كان خروج كيم جونغ أون عن سياسته النووية شيئاً رائعاً، خاصة أنه يتواكب مع انتظار العالم للقاء مع الرئيس الأمريكي المثير للجدل دونالد ترامب، فإن هذا الخروج بمنزلة شيء سيئ وحدث مؤسف للنظام الإيراني؛ لأنه ستلصق فيه كل الصفات السيئة التي كان الإعلام يرددها على النظام الكوري الشمالي.
تصح هنا الحكمة العربية "مصائب قوم عند قوم فوائد"، فالنظام الإيراني المنفتح على الدبلوماسية العالمية أساساً قدّم للنظام الكوري الشمالي إلى العالم (المنغلق على نفسه) خدمة كبيرة، فصورته مختلفة عما هو معروف عنه منذ قرابة سبعة عقود، بأنه يقوم بتجويع شعبه ويروع جيرانه بالأسلحة النووية، ومن ثم صارت جرائمه أهون وأقل خطورة على البشرية من النظام الإيراني.
أغلب الظن أن الإعجاب بسياسة الرئيس الكوري الشمالي سيتزايد في الإعلام الغربي، خاصة الأمريكي؛ لأنه أحد أساليب الضغط السياسي على النظام الإيراني، وسيترجم هذا الضغط إلى مزيد من الغضب والاستياء الجماهيري على سلوكيات النظام في طهران.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة