محاولة مراكز التأثير خاصة مليشيا الحرس الثوري التدخل والعمل على إسكات صوت الشعب الإيراني لن تؤدي إلا لمزيد من المواجهات
مع تبادل كل طرف داخل النظام الإيراني الاتهامات تجاه الطرف الآخر حول مسؤوليته عن اندلاع المظاهرات نكون أمام مشهد سياسي جديد في الساحة الإيرانية رغم التسليم بأن حالة المظاهرات تتراكم فعالياتها، وتتنامى بصورة كبيرة وهو الأمر الذي يحدث في ظل غياب دولي لتغطية ما يجري بالفعل داخل المدن الإيرانية من حالة غليان، وهو الأمر الذي يؤكد أننا أمام مد شعبي كبير وحقيقي سيكون له آثاره بصرف النظر عن إمكانية النظام الإيراني وقدرته على إسكات صوت الشعب الذي خرج يطالب بحقه في الحياة، وينشد الحرية جنبا إلى جنب المطالب الاقتصادية التي تتجاوز بكثير المطالبة بحل أزمة البنزين التي كانت السبب الرئيسي في اندلاع الأحداث الأخيرة.
في كل الخيارات المطروحة - ولأمد غير بعيد - ستبقى الأوضاع في إيران غير مستقرة وغير آمنة، وما استمرار المظاهرات المندلعة إلا ناقوس خطر يهدد بحالة من التأزم الحقيقي التي ستؤدي إلى الانفجار الكامل خاصة أن حالة الحراك الشعبي باتت شاملة وممتدة يصعب معها العودة إلى حالة الاستقرار السابق.
في ظل غياب الرؤية الرسمية المعتمدة، وتضارب الأنباء عن سقوط الضحايا في ساحات المواجهة واستمرار قطع خدمة الإنترنت، وإعادتها في بعض المناطق، وتصميم الإدارة الأمريكية على مواصلة سياسات العقوبات التي كان آخرها فرض العقوبات على وزير الاتصالات محمد جواد نفسه، ومن قبل بعض الشخصيات القريبة من المرشد نفسه، فإن ثمة معطيات تفرض نفسها.
الأول: استمرار اعتقال العشرات من الإيرانيين في رسالة لا تغيب، وتذكر وبقوة انتفاضة ٢٠١٧ -٢٠١٨ التي تجاوزت اعتقال ١٠ آلاف مواطن، ومن ثم فإن ما يجري الآن في إيران قد يكون مقدمة لما جرى من قبل، ويدفع لإجراءات مستحدثة في تبني خيار العنف والقوة في إطار مواجهة ما يجري ومحاولة إخماده.
الثاني: لا يزال المرشد الأعلى ومعسكره يدفع بقوة لوجود مؤامرة حقيقية من الخارج تريد ضرب إيران، وهز استقرارها في حين يوجد تيار مقابل يمثله الرئيس حسن روحاني يشير إلى وجود أزمات حقيقية في الداخل ينبغي التعامل معها بواقعية، ورغم تأكيد الرئيس روحاني أن قرار مضاعفة أسعار الوقود اتخذ بقرار حكومي، وشارك فيه رئيس هيئة القضاء إبراهيم رئيسي ورئيس البرلمان علي ريجاني، ورغم أن الاثنين أنكرا هذا لاحقا، ومن ثم يظهر التجاذب بين كل الأطراف، وهو الأمر المرشح للتزايد وانفراط عقد التوافق بين السلطات الحاكمة.
الثالث: المؤكد أن مرشد الثورة علي خامئني كان وراء ما جرى، حيث لا يوجد ما يشير إلى غير ذلك بل بالعكس كان مخططا أن يتم في سياق سياسي وأمني ربما كان مختلفا ولكن يقينا أن هذا الأمر ظل حتى الآن محل اعتراض، ورفض كبير من قبل بعض الأطراف التي سعت للنأي بنفسها من التورط في تبني موقفا محددا، والغريب فعلا أن مجلس العلماء قد دخل على الخط، وهو داعم للحكومة ومساند لتوجهاتها، حيث رفض الإجراءات الحكومية بل دعا رسميا إلى إعادة النظر في القرار الخاص بأمن الطاقة، والرسالة أن المؤسسة الدينية الإيرانية بكل أطرافها رفضت الإجراءات الحكومية، وانضم بعضهم إلى بعض المظاهرات.
الرابع: هناك تخوف حكومي حقيقي من انضمام قوات الأمن للمتظاهرين في حال توسع المظاهرات خاصة أن هناك ما يشير لوجود حالة من التمرد داخل قوات الأمن من ممارسات الحرس الثوري، كما أن استقالة بعض نواب البرلمان قد تدفع لمزيد من وضع عدم الاستقرار، وهو ما يتخوف من تداعياته مرشد الثورة شخصيا خاصة مع تتابع الإجراءات الحكومية ذات البعد الأمني ومنها إلغاء مباريات كرة القدم، والتوجيه للأجانب بمغادرة إيران، وحظر رحلات السفر للخارج، والرسالة أن إيران باتت تعاني من أزمة هيكلية حقيقية تتطلب توفير الموارد، واتباع استراتيجية التقشف، كما أنه من المتوقع تزايد التضخم بصورة غير مسبوقة، ومن ثم فإن استمرار إنزال القوات الخاصة، ومحاولة السيطرة على الشارع ستحتاج إلى إجراءات متعددة، وليس استخدام العنف خاصة أن حالة الحراك الراهن وراءها قيادات جديدة غير معروفة أمنيا، ما قد يسهل التعامل معها خاصة أن النظام عجز عن حشد مظاهرات مقابلة، رغم مناشدات الرئيس روحاني أبناء الثورة الإيرانية العظيمة بالتحرك، وبالتالي فإن الترويج الخاطئ إلى أن المظاهرات تمت بدعم أسرة الشاه الراحل رضا بهلوي ومنظمة خلق لها ما يبررها في إطار العبث السياسي للنظام الإيراني وعلى الرغم من أن مظاهرات بعض المدن، أهمها بوشهر، قد هتفت لرضا بهلوي وقد وصلت الرسالة للنظام الإيراني بقوة.
إن محاولة مراكز التأثير خاصة الحرس الثوري التدخل والعمل على إسكات صوت الشعب الإيراني لن تؤدي إلا لمزيد من المواجهات، ومزيد من القتلى خاصة أن الولايات المتحدة لا تزال تقيم المشهد السياسي والأمني قبل إعلان موقفها الرسمي في استمرار دعم خيارات الشعب الإيراني بالأساس.
في كل الخيارات المطروحة - ولأمد غير بعيد - ستبقى الأوضاع في إيران غير مستقرة وغير آمنة، وما استمرار المظاهرات المندلعة إلا ناقوس خطر يهدد بحالة من التأزم الحقيقي التي ستؤدي إلى الانفجار الكامل خاصة أن حالة الحراك الشعبي باتت شاملة وممتدة يصعب معها العودة إلى حالة الاستقرار السابق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة