شاهد عيان لـ"العين الإخبارية": إيران ارتكبت جريمة حرب في 1988
وافقت السلطات السويدية مؤخرا على محاكمة حميد نوري أحد المتهمين بمجزرة السجناء السياسيين في إيران صيف 1988.
واعتقلت ستوكهولم، حميد نوري المسؤول القضائي السابق في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 عند وصوله إلى أراضيها.
ومددت السويد حبس نوري احتياطيا في خطوة وصفها ناشطون حقوقيون بغير المسبوقة، بسبب أدلة قوية تثبت إدانته (نوري) في إعدام آلاف المعارضين الإيرانيين قبل 3 عقود.
ويعرف نوري بأنه مساعد المدعي العام لسجن جوهردشت في كرج وأحد أعضاء ما يطلق عليها "هيئة الإعدامات" الثمانية في هذا السجن أثناء الإعدامات الجماعية للسجناء السياسيين في صيف عام 1988.
وتشكيل محاكمة لهذا الموظف في الحكومة الإيرانية بتهمة التورط في "جريمة حرب" كان يتطلب موافقة الحكومة السويدية على طلب المدعي العام لإجراء هذه المحاكمة.
وفي هذا الصدد قال محمود رويايي، وهو سجين سياسي سابق وشاهد عيان على مجزرة عام 1988، إنه لم يمض ليلة واحدة دون أن تطارده ذكرى الضحايا الذين أعدمتهم إيران في ثمانينات القرن الماضي.
والتقت "العين الإخبارية" محمود رويايي للوقوف على تفاصيل قرار السويد وتفاصيل مجزرة 1988 في إيران حيث أنه أحد شهود العيان.. وإليكم نص المقابلة:
ما الذي تحاول فعله لتحقيق العدالة في هذه القضية؟
لقد مرت 32 سنة على عملیات الإعدام الجائرة بحق أقرب أصدقائي. لم أمض ليلة واحدة، خلال هذا الوقت الطويل دون أن أتذكرهم، لا تزال صورهم وذكرياتهم واضحة وجميلة أولئك الأحبة الذين تعاني عائلاتهم الموت أيضا وهم يراقبون خطواتنا وتصميمنا بقلق وبفارغ الصبر.
الآباء الذين مرضوا والأمهات اللواتي يراقبن الطريق وأولئك الذين ما زالوا ينظرون إلى صورة أحبائهم بعد 32 عاما وتنهمر الدموع على وجوههم، لذا لن أدخر جهدا في طلب وتحقيق العدالة لهؤلاء الأحبة.
أنا أعرف حميد نوري وهو يعرفني، لقد شهدت ضده أمام القضاء السويدي وتدخلت في هذه القضية كمدعي خاص، ولن أفوت هذه الفرصة بعدما جمعت خلال هذه المدة الكثير من الأدلة التي تجعلنا ندين حميد نوري وشركائه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.
وكما قال مسعود رجوي، زعيم المقاومة الإيرانية، إذا كانت هناك قطرات من العدل والحرية، فسننتصر بلا شك في كل معركة قانونية وسياسية.
هل تتوقع أن تتلقى قضيتكم دعما دوليا؟
في رأيي، فالحركة التي دعت إلى محاكمة مرتكبي المجزرة بفضل عقود من الجهود الدؤوبة والتنوير قد حطمت اليوم الجدران العالية بعد تدخل خبراء من الأمم المتحدة، ومهدت الطريق للتعرف على المتورطين بقتل 30 ألف سجين سياسي في صيف عام ١٩٨٨ ومحاسبتهم.
نحن في المقاومة الإيرانية نرى الأمل في أنفسنا وشعبنا، حيث يمكننا تقديم نظام الملالي المجرم إلى العدالة عندما نمتلك الإرادة ونوفر الوسائل لذلك، ودماء أكثر من 100 ألف مناضل من أجل الحرية والتي أراقها الملالي المجرمون ستغلي بلا شك وسوف تساعد في إيقاظ كل ضمير بشري.
الآن، وبعد 32 عاما من تلك المأساة الكبرى، نشهد أنه بفضل الجهود الدؤوبة التي تبذلها قيادة المقاومة الإيرانية وأعضاؤها، تم تمهيد الطريق لمحاكمة ومعاقبة قادة النظام أكثر من ذي قبل.
بصفتك أحد الشهود، هل يمكنك أن تشرح لنا بإيجاز تفاصيل هذه المجزرة؟
طوال السنوات العشر التي أمضيتها في السجن قبل 3 عقود، تعرضت للتعذيب الجسدي والضغط النفسي الشديد، وكما تعلم بدأ الإعدام الجماعي للسجناء السياسيين بعد يوم 20 يونيو/ حزيران 1981.
في أوائل الثمانينيات، شهدت السجون في جميع أنحاء إيران إعدام عشرات الآلاف من خيرة أبناء الشعب الإيراني، ومعظمهم من أعضاء وأنصار منظمة مجاهدي خلق.
لم تبدأ مذبحة الـ 30 ألف سجين سياسي في عام 1988 دفعة واحدة بل تم التمهيد لهذه الجريمة في البداية، فمنذ الأيام الأولى للسجن، لمح مسؤولو السجن لموضوع المجزرة بأشكال مختلفة.
على سبيل المثال، كان رئيس سجن قزل حصار، داود رحماني، يقول دائما إنه في يوم من الأيام عندما نشعر بالتهديد، سنلقي بقنبلة يدوية في زنزانة كل منكم ولن ندعكم تخرجوا من السجن أحياء، كما قال حميد نوري (يحاكم في السويد حاليا) صراحة بعد يوم واحد من المذبحة في السجن "أننا إذا أردنا تنفيذ أوامر الخميني بالكامل، كان علينا قتل نصف الشعب الإيراني".
لكن أول إجراء عملي للمجزرة حدث في شتاء عام ١٩٨٧، عندما تم الفصل بين أجنحة السجن بمؤشر يدل على السجناء الموالين لمنظمة مجاهدي خلق وفصلهم عن المجموعات الأخرى في طهران والمدن الأخرى.
في ١٧ يوليو/ تموز عام 1988، اضطر الخميني إلى قبول قرار مجلس الأمن رقم 598 أو ما أسماه "كأس السم" الذي أوقف حينها إطلاق النار في الحرب العراقية - الإيرانية، منذ ذلك التاريخ اعتبر النظام الإيراني مجزرة السجناء السياسين أولوية مباشرة.
ضمت فرقة الموت في العاصمة طهران حسين علي نيري، ومرتضى إشراقي، ومصطفى بور محمدي، وإبراهيم رئيسي رئيس القضاء حاليا في إيران، وإسماعيل شوشتري والتي أمرت بإعدامات جماعية للكثير من السجناء السياسيين بكل استهانة بأرواحهم داخل سجن إيفين، خلال شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب من نفس العام.
كان حميد نوري يتواجد ويتحرك بنشاط في كل الأيام التي كان فيها السجناء الأبرياء يُعدمون بكل قسوة، هو الشخص الوحيد الذي قرأ أسماء السجناء بعد فرقة الموت وأرسلهم إلى المشنقة.
في هذه الفترة، تم إعدام سجناء سياسيين رغم انتهاء محاكمتهم وكان العديد من أصدقائي وأقاربي يعانون من أمراض خطيرة ومستعصية لكن تم إعدامهم مثل محسن محمد باقر المصاب بالشلل، وناصر منصوري وكاوه نصاري الذي كان يعاني من صرع حاد.
الجدير بالذكر أن أعضاء فرق الموت هذه وصلوا إلى أعلى مستويات السلطة الحاكمة اليوم في إيران، رغم أنهم ارتكبوا إبادة جماعية في السجون.
أرجو أن تتخيلوا للحظة أن أعلى سلطة قضائية في البلاد متورطة بأعظم جريمة إبادة جماعية، بينما ظل الموت والمجازر لا يزال يخيم على رؤوس ثمانين مليون إيراني وبالتالي لا مجال لأن نبقي صامتين.
معظم الذين تم إعدامهم في ذلك العام كانوا طلابا وقد تم اعتقالهم وهم دون سن 18 عاما بسبب قراءة منشورات منظمة مجاهدي خلق، أي أنه تم إعدام جميع المعارضين عقائديا وفكريا بأمر من الخميني بعد 7 سنوات من التعذيب.
هل محاكمة حميد نوري في السويد وسيلة ضغط على إيران؟
حميد نوري كان أحد المنفذين الفاعلين للمجزرة، خاصة في سجن جوهر دشت، لكنه أيضًا كان ممثلا للنظام الإيراني، لذا فإن محاكمته في رأيي هي محاكمة لهم جميعا، وكذلك فإن محاكمة الدبلوماسي المتورط في تدبير تفجير إرهابي فاشل بفرنسا عام 2018 أسد الله أسدي في بلجيكا ستكون خطوة كبيرة في طريق تحقيق العدالة لدماء الضحايا ومحاسبة المسؤولين والجهات الفاعلة الرئيسية.
مما لا شك فيه أن إدانة نوري وأسدي مقدمة لسلسلة من الاشمئزاز والإدانة العالمية لنظام الإبادة الجماعية الحاكم في طهران، وبذلك سيعود النور لقلوب المفجوعين الذين ينتظرون بعد ثلاثة عقود من الحزن محاسبة المسؤولين وتحقيق العدالة.
aXA6IDE4LjExNy43OC4yMTUg جزيرة ام اند امز