استعراض القوة أم قناع الهشاشة؟ مناورات إيران تحت المجهر
في بداية عام يهدد بتحديات جديدة، تسعى إيران التي تعاني من ضغوط اقتصادية داخلية، ومن وطأة عدم الاستقرار المتزايد في المنطقة، إلى إظهار القوة، استعدادًا لولاية ثانية للرئيس المنتخب دونالد ترامب.
مساع دفعت إيران إلى إطلاق الأسبوع الماضي أوسع مناورات عسكرية لها منذ عقود، شملت آلاف الطائرات بدون طيار، وقاذفات الصواريخ والصواريخ الباليستية، وأحبطت هجوما محاكيا على منشأة نووية شمل «مجموعة كبيرة من التهديدات الجوية».
وقال الجنرال علي محمد نائيني، المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني، إن التدريبات أجريت ردًا على «التهديدات الأمنية الجديدة»، مضيفًا أن طهران لم تتوقف عن إنتاج الصواريخ يومًا واحدًا، فيما تعمل أنظمتها الدفاعية بكامل طاقتها، وفي كثير من الحالات، تم تحديثها.
لكنّ التصريحات العلنية لا يمكنها أن تخفي تماما القلق داخل المجتمع الإيراني؛ فقد وعد الرئيس المنتخب دونالد ترامب باتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إيران، بما في ذلك تشديد العقوبات. في حين تفيد التقارير بأن إسرائيل التي تزداد جرأة تفكر في توجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية.
وبحسب صحيفة «واشنطن بوست»، فإن إيران ظلت في موقف دفاعي لعدة أشهر، حيث واجهت هجمات مباشرة من إسرائيل وتكبدت خسائر في لبنان وسوريا. ومن المتوقع أن تستهدف العقوبات الأمريكية الجديدة مبيعات النفط الإيرانية إلى الصين، كما يقول المحللون، مما يزيد من الضغوط على الاقتصاد المتعثر.
وخلال التدريبات العسكرية، سلط القادة الضوء على الدفاعات الجوية الإيرانية الجديدة بعد أكثر من شهرين من هجوم إسرائيلي أدى إلى إتلاف أو تدمير عناصر رئيسية من أنظمة البلاد المتطورة للغاية، وفقًا لتحليل صحيفة «واشنطن بوست» لصور الأقمار الاصطناعية .
ضعف إيراني؟
ووصف نائيني التقارير التي تحدثت عن وقوع أضرار بأنها محاولات من جانب «الأعداء» لتصوير إيران على أنها «ضعيفة»، مشيرًا إلى أنه «بعد هجوم إسرائيل على إيران في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قالوا إن إيران ليس لديها دفاعات جوية».
لكن الدفاعات العسكرية التي تم عرضها هذا الأسبوع كانت أقل جودة من تلك التي ورد أنها ضربت في أكتوبر/تشرين الأول، وكانت معظم الأنظمة الهجومية التي تم عرضها عبارة عن أسلحة استخدمتها إيران بالفعل، في الهجمات على إسرائيل في أبريل/نيسان وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ويقول أفشون أوستوفار، أستاذ شؤون الأمن القومي في كلية الدراسات العليا البحرية في كاليفورنيا: «لقد كشفت إيران عن كل أوراقها. لقد كشف الصراع الذي دار على مدى العام الماضي عن أفضل أوراق إيران، وأظهر أن طهران لا تمتلك في الواقع ما يخشاه الناس. وقد أدى هذا إلى إضعافها إلى حد كبير».
أوستوفار أضاف أنه في حين يحاول قادة البلاد بيع الرواية القائلة بأن «قلعة إيران عادت»، فإنهم بدلاً من ذلك سلطوا الضوء على حدود ترسانتها، مشيرًا إلى أن قوة طهران وقدرتها بلغت ذروتها عندما كانت كل التهديدات التي شكلتها نظرية.
ومن بين العواقب الأخرى المترتبة على الصراع الإقليمي الذي استمر لمدة خمسة عشر شهراً تدهور الاقتصاد، فقد فقدت العملة الإيرانية 65% من قيمتها العام الماضي؛ وأدت أزمة الطاقة إلى إغلاق الشركات والمدارس والمباني الحكومية؛ ولا تزال معدلات البطالة مرتفعة.
في الأسبوع الماضي، نظم عمال البازار الرئيسي في طهران إضراباً نادراً احتجاجاً على ارتفاع معدلات التضخم. وأظهر مقطع فيديو للتجار المضربين حشداً من الرجال وهم يزعمون أن «ارتفاع أسعار الدولار باستمرار يجعل العمل مستحيلا».
انعكاس للمخاوف؟
ويبدو أن التدريبات العسكرية التي أجريت هذا الأسبوع تعكس مخاوف النظام بشأن احتمال تنامي عدم الاستقرار الداخلي. فقد استضافت طهران يوم الجمعة مناورات أجرتها قوات الباسيج، وهي قوة شبه عسكرية مكلفة بالحفاظ على الأمن الداخلي والتي استُخدمت لقمع الاحتجاجات.
وقال العميد حسن حسن زادة، أحد قادة الحرس الثوري: «إن هذا إعلان عن استعداد الباسيج الشامل لمواجهة أي تهديد. إن أتباع الشعب والأمة ما زالوا حاضرين على الساحة وسوف يضحون بأرواحهم من أجل هذه الأمة».
كما يستعد حلفاء إيران الإقليميون لعودة ترامب. فبعد أن شاهد العراق الهزيمة التي لحقت بحزب الله في لبنان وسقوط بشار الأسد في سوريا، عمل على الحد من عمليات الميليشيات المتحالفة مع إيران داخل أراضيه.
ولعبت الجماعات المدعومة من إيران دورا رئيسيا في وقف تقدم تنظيم داعش في العراق في عام 2014، ومنذ ذلك الحين جرى دمجها رسميا في قوات الأمن العراقية.
ويخشى المسؤولون العراقيون الآن من أن تكثف إسرائيل والولايات المتحدة هجماتهما على حلفاء طهران في العراق، كما فعلتا مع الحوثيين في اليمن.
وزار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني طهران هذا الأسبوع لمناقشة تقييد عمليات القوات المدعومة من إيران في العراق، وفقًا لمسؤول عراقي كبير.
تحقيق التوازن
وقال إحسان الشمري، المحلل السياسي بجامعة بغداد، إن حكومة السوداني حاولت تحقيق التوازن بين المصالح المتنافسة في كثير من الأحيان لحليفيها الرئيسيين، إيران والولايات المتحدة.
وبعد أن هاجمت حماس إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، انحاز العراق إلى جانب إيران. لكن مع استمرار الحرب، كما يقول الشمري، بدأت بغداد في تغيير موقفها.
وبحسب الشمري، فإنه «مع سقوط إيران في لبنان وسوريا، تغيرت الأمور». ومن غير الواضح كيف يخطط العراق بالضبط للحد من النفوذ الإيراني على أراضيه، لكنه توقع أن تقبل «طهران الضعيفة» بدور أقل.
وقال مسؤول عراقي كبير على صلة بمسلحين تدعمهم إيران إن الجماعات تمارس ضبط النفس في الوقت الحالي، لكن ذلك لا يشير بأي حال من الأحوال إلى نهاية نفوذ إيران في العراق.
وأشار إلى أنه بمجرد موافقة حزب الله وإسرائيل على وقف إطلاق النار، قررت الجماعات المدعومة من إيران أن شن هجمات ضد إسرائيل والقوات الأمريكية في المنطقة «لن يكون لها أي فائدة لهم وسيكون لها عواقب أكبر من الفوائد».