الدول الخليجية بقيادة السعودية فاجأت النظام في إيران لأن ما يحدث لم يتوقعه
الحوار الذي أجراه الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد السعودي مع برنامج (60 دقيقية) في قناة سي بي إس الأمريكية الأسبوع الماضي، والذي جاء على خلفية الزيارة التي يقوم بها سموه للولايات المتحدة، استوقف صنّاع السياسة في إيران والكثيرين ممن يتعاطف مع النظام الإيراني، سواءً من العرب أو غيرهم، باعتبار أن ما جاء فيه من تفاصيل هو: بمثابة خطاب سياسي خليجي جديد لم يكن "الغرور" الإيراني ذو "النفس الفارسي" يتوقعه خاصة خلال فترة ما بعد توقيع الاتفاق النووي.
لا تكمن أهمية التوجه السعودي الجديد في ما عبّر عنه ولي العهد السعودي في رفض أن تُقارَن بلاده بإيران سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً، نتيجة لما يفعله ملالي طهران من زعزعة الاستقرار الدولي فحسب، وإنما في الاعتزاز بالدور السياسي الخليجي الذي أصبح مركزاً مؤثراً لصنع القرار الإقليمي.
يستحق الحوار قراءته جيداً من المراقبين لمعرفة توجهات السياسة الخليجية الجديدة التي تقودها السعودية؛ على اعتبار أن النظام الإيراني لم يعهد مثل هذا الخطاب من الجوار العربي منذ نشأة مجلس التعاون الخليجي العربي عام 1981، فهو اعتاد على سياسة التهدئة الخليجية.
وبالتالي ما تطرحه السياسة الخارجية الخليجية اليوم مع إيران هو عبارة عن فهم المجتمع الدولي وليس العربي لتجاوزات النظام الإيراني لكل الاتفاقيات والتعهدات الدولية، لأن الموقف الخليجي يستند إلى ما يحدث من السياسة الدولية تجاه إيران خاصة في ملف الاتفاق النووي.
ولا تكمن أهمية التوجه السعودي الجديد في ما عبر عنه ولي العهد السعودي في رفض أن تُقارَن بلاده بإيران سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً؛ نتيجة لما يفعله ملالي طهران من زعزعة الاستقرار الدولي فحسب، وإنما في الاعتزاز بالدور السياسي الخليجي الذي أصبح مركزاً مؤثراً لصنع القرار الإقليمي، وكذلك أنه يمثل آمال الشعوب العربية وأغلب الشعب الإيراني الذي بات يعبر عن مواقفه الرافضة لما يقوم به نظامه، وكذلك من خلال الشجاعة السياسية التي كرر فيها تشبيهه لما يقوم به النظام الإيراني من سياسات بنفس سياسات النظام الفاشي في عهد هتلر الذي دمر العالم في غفلة من السياسة الدولية، وتسبب في حرب عالمية، ولكن الأمر هذه المرة لن يُترَك للنظام الإيراني لأن هناك من يدرك ما يريده نظام الملالي من نشر الخراب والفوضى في المنطقة.
الدول الخليجية بقيادة السعودية فاجأت النظام في إيران لأن ما يحدث لم يتوقعه على الأقل من ناحية الخبرة التاريخية الإيرانية في التعامل مع الخليجيين على مدى أكثر من أربعة عقود، ولكن لو تتبعنا هذا الموقف فهو تعبير عن "تراكم" استياء خليجي وعربي من ممارسات السياسة الإيرانية منذ نجاح ثورتها وعدم إدراكها بقدرة الآخرين في التفكير من أجل مستقبل شعوبهم وبلدانهم.
هذا الخطاب الخليجي الذي يتصف بالحزم والقوة تجاه النظام الإيراني يضع هذا النظام في خانة حقيقته باعتباره نظاماً لا يفهم إلا لغة القوة والشدة، والتي تأكد أن استخدامها معه يدفعه إلى التراجع خاصة بعد الوقاحة السياسية التي تزامنت مع توقيع الاتفاق النووي عام 2015، كما أنه - أي الخطاب - يحمل رؤية سياسية ناضجة لامست بشكل مباشر "النفس الفارسي" وتدخلاته الطائفية في الشأن العربي، ما يعني أن المرحلة المقبلة لن تكون في صالح إيران إن هي تمادت في سياستها.
الدول العربية كلها تقريباً، وعلى رأسها السعودية، هادنت النظام الإيراني كثيراً وحاولت بحسن نية وهدوء تغيير توجهاته وسياسته الخارجية، وقد لاحظ الكثيرون هذه السياسة العربية، لكن النظام الإيراني كان ينظر إلى تلك السياسة بفوقية وغطرسة، مع أن سمعة هذا النظام دولياً مثير للفوضى ومخرب للاستقرار على مدى أربعة عقود، حتى بدا للعالم بأن لغة هذا النظام خاصة في عهد أحمدي نجاد ليست لغة العصر ولا تتوافق مع النظام الدولي.
ومنذ ثلاثة أعوام فقط أي بعد الإعلان عند انطلاق عمليات التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، سارت السياسة الإيرانية نحو مزيد من الانحدار في مسارها الإقليمي والدولي، خاصة بعد افتضاح أجنداتها في الدول العربية والخليجية والتضييق على أذرعها السياسية في العراق واليمن.
ما يحدث الآن سيسجله التاريخ الدبلوماسي وعلم السياسة الدولية باعتباره لحظة فارقة في المواجهة الخليجية الإيرانية؛ لأنه أسلوب جديد وواقعي في التعامل مع نظام لا يعرف قيمة "حلم الجوار العربي له".!!
بلا شك أن الأمير محمد بن سلمان صاحب التوجه الجديد، داخلياً وخارجياً، أراد من حواره أن ينبه الجميع وليس إيران فقط، بل ينبّه أيضاً بعض العرب (ممن يعتقدون أنه ممكن أن يأتي من إيران خير متناسين كل التجارب التاريخية معها)، إلى مواضع الخلل في النظام العربي وضرورة تعديله، خاصة وأن التوافق الدولي حول دور إيران في زعزعة الاستقرار واضح للمجتمع الدولي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة