الشرق الأوسط بعد «عاصفة الاغتيالات».. سيناريوهات عدة تمر بـ«حرب متدرجة»

عاصفة اغتيالات ضربت الشرق الأوسط في 12 ساعة فقط، تدفع المنطقة إلى مزيد من التصعيد واستعراض القوة، وسط مخاوف من صراع واسع.
بيد أن رفع منسوب التوتر و"التدحرج التدريجي لحرب شاملة" يتوقف بطبيعة الحال على الرد الإيراني المباشر أو غير المباشر على اغتيال قائد المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية في طهران، وطبيعته وقوته، بحسب خبراء عسكريين وسياسيين عرب.
وقدر بعض الخبراء أن "إيران لن تدفع في هذه المرحلة إلى حرب شاملة تكون رأس حربتها المباشرة، لأن ذلك يؤثر على رؤيتها الاستراتيجية ومشروعها الشامل".
فيما رأى قسم آخر، أن استهداف هنية داخل الأراضي الإيرانية، بعد ساعات من اغتيال الرجل الثاني بحزب الله، "يدخل المنطقة مرحلة جديدة من التصعيد، ويدخل طهران في معادلة فرض حرب متدرجة وتصاعدية".
وفي تقدير خبير الأمن القومي والعلاقات الدولية، اللواء محمد عبد الواحد، فإن "الحرب الإقليمية أو الواسعة ستتوقف على طبيعة وشكل وقوة رد الفعل الإيراني" على اغتيال هنية في طهران.
وأوضح "في حال جاء الرد الإيراني في شكل ضربات صاروخية رمزية بدون رؤوس حربية أو برؤوس حربية ضعيفة للغاية، كما حدث في منتصف أبريل (نيسان) الماضي ردا على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، سيعني ذلك أن هناك تنسيقا مع الولايات المتحدة بخصوص هذه الضربة، وربما يحدث هذا خلال الفترة القادمة".
هذا السيناريو، بحسب عبدالواحد، سيشير في حال حدوثه، إلى أن "هناك تفاهمات إيرانية أمريكية لإعادة ترتيب المنطقة مرة أخرى خلال الفترة القادمة، وفقا للمصالح الإيرانية والأمريكية الإسرائيلية".
تنسيق مسبق؟
وفي هذا الصدد، لم يستبعد الخبير الأمني، أن تكون "إسرائيل قد نسقت لعملية الاغتيال أثناء زيارة نتنياهو للولايات المتحدة، على أن تكون عملية محدودة دون الذهاب لأبعد من ذلك أو التحول لحرب إقليمية".
وفي حديثه عن دلالة اغتيال هنية وتوقيت العملية، قال عبد الواحد، "إسرائيل اعتادت منذ نشأتها على الاغتيالات السياسية، وتصنفها ضمن سياسات الردع أو تعتبرها جزء من حماية أمنها القومي، وتختار شخصيات سياسية لها تأثير كبير كأهداف لهذه العمليات".
في المقابل، استبعد اللواء سمير فرج الخبير الاستراتيجي المصري، اندلاع حرب شاملة بالمنطقة في الفترة الحالية، وقال في حديث لـ"العين الإخبارية": "الرد الإيراني لن يكون قويا لأن الأخيرة لا تريد الدخول الآن في حرب شاملة مع إسرائيل، ولا ترغب في فتح جبهة حرب جديدة، فيما سيرد حزب الله على اغتيال الرجل الثاني فيه، فؤاد شكر".
وأوضح: "طهران لا تريد أي تحركات من شأنها عرقلة إنتاجها القنبلة النووية بنهاية هذا العام وبداية العام القادم، لأنه في حال ردت بشكل قوي، فإسرائيل ستتحرك بقوة في العمق الإيراني باستهداف منشآتها".
ودلل على ذلك قائلا "حين قامت تل أبيب بضرب القنصلية الإيرانية في دمشق، في أبريل/نيسان الماضي، لم يكن لطهران رد مؤثر سوى إطلاق 300 صاروخ وطيارة مسيرة لم تصب سوى فتاة في النقب".
وقال مسؤولون إسرائيليون وقتها، إن نحو 99 في المئة من الصواريخ الإيرانية، جرى اعتراضها إما خارج المجال الجوي الإسرائيلي وإما فوق إسرائيل.
وبينما استبعد ردا إيرانيا مباشرا وقويا، قال فرج إن حزب الله "سيرد بشكل قوي على أهداف هامة في إسرائيل، وقد يصل الرد إلى تل أبيب، اعتمادا على بنوك أهداف لدى الحزب، وذلك ردا على اغتيال مسؤول الحزب في الضاحية الجنوبية".
وكانت إيران وحماس وحزب الله، توعدت بأن اغتيال هنية أو شكر، "لن يمر"، فيما يعني تهديدا لإسرائيل بالرد، باتت الأخيرة "تتحسب له"، وفق تقارير إسرائيلية,
"لا حرب"
كما رأى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني سليمان بشارات، مدير مركز يبوس للدراسات (فلسطيني/مستقل)، أن "إيران لن تدفع في هذه المرحلة إلى حرب شاملة تكون رأس حربتها المباشرة لتأثير ذلك على رؤيتها الاستراتيجية ومشروعها الشامل".
وأوضح بشارات، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، أن "حسابات طهران كدولة ونظام سياسي تختلف عن حسابات قوى المقاومة وحركات التحرر، بالتالي هي تدرك أن أي رد قوي سيفهم منه أنه استدعاء للحرب الشاملة".
وأضاف "طهران لا تدفع في هذه المرحلة لحرب شاملة تكون هي في مقدمتها، ورأس حربتها المباشرة لأنه سيؤثر على الرؤية الاستراتيجية لطهران والمشروع الإيراني بشكل شامل".
ونبه الخبير الفلسطيني إلى أن "طهران أمام خيارين؛ الأول الذهاب إلى صفقة سياسية شاملة بالتنسيق مع الولايات المتحدة يكون عنوانها نهاية الحرب في قطاع غزة، وإنهاء حالة المواجهة في كافة الساحات، إضافة لوجود ارتباطات ومخرجات سياسية".
وتابع "أما الخيار الثاني، فهو دعم التوجه نحو توسيع المواجهة مع إسرائيل لكن من خلال محور المقاومة وليس بشكل مباشر من قبل طهران".
"مرحلة جديدة"
بدوره، رأى المحلل السياسي والباحث في مركز "تحليل السياسات" في إسطنبول، محمود علوش، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "اغتيال هنية والغارة على الضاحية الجنوبية ببيروت، أدخلتا حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) مرحلة جديدة، ووضع جديد عالي الخطورة؛ فهذه المرحلة الجديدة إما أن تكون بداية لتصعيد إقليمي أكبر وأكثر خطورة، وإما أن تكون بداية لنهاية الحرب".
ومضى مفسرا "طبيعة المرحلة الجديدة في هذه الحرب تتوقف على ردة فعل إيران وحلفائها في المنطقة على التصعيد الإسرائيلي، فإذا ما كانت طهران لا تزال تولي أهمية قصوى لتجنب الانخراط في حرب إقليمية وكذلك حزب الله، يمكن أن نقول حينها إن رد الفعل لن يصل إلى المستوى الذي ينذر بتفاقم هذه الحرب بشكل أكبر".
لكنه أكد أن اغتيال هنية في طهران، بعد ساعات من ضرب الضاحية الجنوبية واغتيال الرجل الثاني في حزب الله، "يشكل إحراجا كبيرا بالنسبة لإيران".
"الحرب المتدحرجة"
الدكتور عادل محمود الكاتب والمحلل السياسي الأردني، ذهب في تقديره إلى أن "اغتيال هنية أعلى شخصية في حركة حماس يجري استهدافها منذ بداية الحرب، يدخل إيران في معادلة فرض حرب متدرجة وتصاعدية".
وأوضح "في اعتقادي فإن حربا شاملة ستطرق الأبواب بقوة أكثر من ذي قبل، وستأخذ الشكل المتدرج التصاعدي، ما يعني أنها ستكون على فترات ومدروسة الخطوات، لكن بشكل عام فنحن في بداية الحرب الشاملة المتدحرجة".
ونبه إلى أن "فرض الحرب على إيران جعل الرئيس الإصلاحي الجديد في حالة ارتباك، حيث لم تنجح خطة طهران في التهرب من المواجهة، ويتم جرها لساحة المواجهة"، مستدركا "الرد الإيراني سيأخذ وقتا".
ولن تقف عمليات استهداف القادة في حماس وحزب الله عند هذا الحد، وفقا للمحلل السياسي الأردني الذي يتوقع أن تقدم إسرائيل على اغتيال ما وصفه بـ"صيد ثمين" في بنك أهدافها.
رد قوي
ويرى الكاتب السياسي من طهران الدكتور حكم أمهز، أن احتمالات الرد الإيراني مؤكدة وستكون مباشرة وقوية بسبب أن الاعتداء هذه المرة داخلي على ضيف داخل البلاد.
وأرجع أمهز في حديث لـ"العين الإخبارية" أن الاعتداء هذه المرة "مزدوج على السيادة والكرامة الإيرانية"، الأمر الثاني أن الاعتداء على الضيف ه اعتداء على إيران وهذا في الاعتبار القانوني والأعراف والعرف الدولي أمر كبير جدا.
وأوضح أن الرد الايراني سيكون بقوة الحادث ومباشر بما يتناسب مع هذا "العدوان" وحجمه وهذا ما أعلنته القيادات في طهران في عدة بيانات، مشيرا إلى أن "حزب الله في لبنان سيرد بشكل مباشر أيضا بعد العدوان على الضاحية، والحوثيين، والفصائل في العراق لاسيما بعد استهداف الولايات المتحدة الأمريكية قواعد الحشد الشعبي في العراق ومقتل أحد قاداتها أبو حسن المالكي".
كما يعتقد أن "الرد سيكون متزامنا من قبل هذه الجهات بشكل مكثف، إضافة إلى جهات أخرى من داخل فلسطين".
وعن إمكانية الذهاب إلى حرب شاملة، أكد أن "الأمر وارد إذا تجرأت إسرائيل وردت على أي ضربة محتملة فإن الأمور ستتدحرج باتجاه حرب أوسع، فيما شبه عملية اغتيال هنية في طهران بـ"زلزال" ضرب المنطقة ستكون له تداعياته الكبيرة ومخاطره.