لعل استراتيجية الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه إيران تسير في الطريق الخطأ.
بعض ملامح هذه الاستراتيجية تبدو محاولةً لتسويةِ بعض مشاغل دول المنطقة. إلا أن الطريق الذي تتخذه إدارة بايدن يجعل من هذه المشاغل أمرا ثانويا. بل وقد يُصار إلى البحث فيها في إطارٍ ثانويٍ موازٍ، بينما يكون الإطار المتعلق باستئناف الاتفاق النووي قد مضى قدما.
إيران نفسها تقترح هذا الإطار الموازي، أولا، لأنها لا تريد له أن ينطوي على أي التزامات ترتبط بتنفيذ الاتفاق النووي. وثانيا، لأنها تعرف أن المفاوضات فيه يمكن أن تمتد إلى سنوات. وثالثا، لأنها تعرف في النهاية كيف تجعله إطارا فاشلا.
إيجادُ طريقٍ ثانوي موازٍ للبحث في التهديدات الإيرانية لدول المنطقة وبرنامجها الصاروخي وسياساتها المزعزعة للاستقرار، يتوافقُ تماما مع استراتيجية الطريق الخاطئ التي تسلكها إدارة الرئيس بايدن.
هذه الإدارة تبني استراتيجيتها على كلمتين: "عودوا فنعود". وهي ذاتها الاستراتيجية الإيرانية. والاختلاف الوحيد بينهما هو "من يبدأ أولا".
وبالنظر إلى أن جوهر الاستراتيجية واحد، فإن قصة "من يبدأ أولا" يمكن حلها بسهولة، عندما طرحت إيران نفسها أن تترك للاتحاد الأوروبي أن يقترح آليات للعودة المتزامنة. وإذا حدث ذلك، فإن العقدة ستكون قد انحلت: تتراجع إيران خطوة، فتبدأ المليارات تأتي لتمويل أعمال الإرهاب الإيراني والمخاطر الأخرى. وخطوة من بعد خطوة، يعود الاتفاق النووي كما كان، بكل عوراته ونواقصه.
ومثلما سقط الرئيس السابق باراك أوباما بالفخ، فإن الرئيس بايدن يعد نفسه وبلاده والاتحاد الأوروبي للسقوط في ذات الفخ.
إيران تكاد ترقص الآن فرحا. وتفرك يديها بانتظار رفع العقوبات. وهي لا تحتاج لتنفيذ استراتيجيتها المشتركة مع بايدن، سوى إعداد الترتيبات، وطبعا، بالكثير من الغنج والمطالب والشكوى، التي توحي بأنها تقدم تنازلات، هي ليست في الواقع تنازلات، وإنما زيادة في تعميق الفخ.
الاتفاق النووي كان يقوم على قضية واحدة، هي معالجة "الخطر النووي" الذي تمثله إيران. هذا هو الفخ الذي نصبته إيران للولايات المتحدة وللاتحاد الأوروبي. فوقع الجميع فيه.
إيران ليست خطرا نوويا. إنها خطر إرهابي، وخطر مليشياوي، وخطر مشروع طائفي لزعزعة استقرار دول المنطقة، وخطر صاروخي، وخطر جرائم تخريب وفساد أسقطت دولا عدة في هوةٍ أعمقَ من أي هوة قد تنشأ عن إلقاء عشر قنابل نووية.
بتوقيع الاتفاق النووي عام 2015، باعت إيران خطرا، لتحتفظ بآخر. والنتيجة واضحة تماما لكل ذي عين. وهي تريد أن تكرر الشيء نفسه، في مخادعات جديدة تلوّح بإنتاج "كعكة صفراء"، فتحاول إدارة بايدن أن تخيف نفسها بها.
الولايات المتحدة وأوروبا قد تعود لتنظر إلى إيران على أنها سوق تجارة مربح. وعندما يبقى الخطر الآخر قائما فإن سوقا مربحا آخر لتجارة الأسلحة يظل قائما، فتكسب من الجهتين، بينما تدفع دول المنطقة وشعوبها مُرّ الثمن ليس من استقرارها فحسب، وإنما من حياة الملايين من أبنائها أيضا.
إيران ليست تهديدا نوويا. أنظر إلى ما فعله التدخل الإيراني في سوريا، وسترى خرابا وأضرارا إنسانية أكبر بكثير من عشر قنابل نووية. لقد تحول هذا البلد إلى لوحة خراب شامل وكأنها قادمة من زمن الحرب العالمية الثانية. ولو كانت قنبلتا هيروشيما وناكازاكي قد أوقعت نحو 230 ألف ضحية، فقد أوقعت الحرب الطائفية التي قادتها إيران في هذا البلد أكثر من 600 ألف ضحية، وأدت إلى تشريد 12 مليون إنسان، أو ما يقارب نصف الشعب السوري، ودمارا تتطلب إعادة بنائه أكثر من 250 مليار دولار.
أنظر إلى ما فعله انقلاب الحوثي في اليمن من أذى وأضرار وفشل دفع ثمنه ملايين اليمنيين، وما تزال الحرب قائمة لأن الذين انقلبوا على الشرعية لا يريدون تسليم السلطة. إيران تمنعهم من ذلك.
ثم أنظر إلى الفشل في لبنان. أدت إلى خراب مرفأ بيروت وربع مساحة العاصمة. كما أدت إلى مقتل المئات وجرح الآلاف، وتشريد عشرات الآلاف. لأن تابعين لحزب الله كانوا يقومون بنقل نترات الأمونيوم التي ظلت مخزنة في المرفأ لسنوات إلى سوريا لتصنيع البراميل المتفجرة، ولأنهم كانوا يصنعون منها قنابلهم الخاصة.
دع عنك كل جرائم القتل والاغتيالات التي يقف وراءها إرهابيو حزب الله. النظام اللبناني نفسه تحول إلى رهينة بيد حزب الله، حتى ليعجز عن معالجة أي مشكلة، بل وحتى ليعجز عن تشكيل حكومة إنقاذ توقف الانحدار السريع "إلى جهنم"، كما توقع الرئيس ميشال عون نفسه.
ثم انظر إلى العراق، سترى آثار قنبلة نووية تفجرت في كل ركن من أركان هذا البلد، من دون قنابل نووية. الكعكة الصفراء هناك هي كعكة المليشيات التي تمارس كل أعمال التخريب والقتل والتفجيرات، وكل أنماط الانتهاكات، وتستولي على كل مراكز الدولة ومؤسساتها لتحولها إلى مجرد غطاء لأعمال الفساد وتهريب الأموال إلى إيران. وقائمة الضحايا منذ أن تولى أتباع الولي الفقيه السلطة في العراق إلى يومنا هذا تتجاوز مليون ضحية، وخمسة ملايين مشرد، وشعبا بأسره وقع تحت مظالم الفقر والحرمان والمرض.
إيران ليست تهديدا نوويا. هذه خدعة للذين يريدون أن ينخدعوا بها. وبوجود ما يوازيها، فهي غير ذات قيمة أصلا.
دع الأعمى يأتي إلى هذه البلدان، وسيرى ما لا يمكن أن تفعله عشرات القنابل النووية.
وعندما لا يلتفت الرئيس بايدن إلى هذه النتائج ليركز مخاوفه إلى "الكعكة الصفراء"، فإنه يسلك طريقا خاطئا. وقد يخدع نفسه به، إلا أنه لا يخدع ضحايا الدمار الشامل الذي أوقعته إيران بهذه البلدان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة