إن من يُمعن النظر في السياسات الإيرانية يجد أن نزعتها العدوانية والتوسعية ارتبطت ارتباطاً كبيراً بالدفاع المستميت عن ملفها النووي.
لم يكن من المُستساغ أن يقف العالم مكتوف الأيدي، وهو يرى النظام الإيراني يطور برنامجه النووي باستمرار، ويقترب من الوصول إلى هدفه غير المعلن، وهو امتلاك أسلحة تدمير شامل، وهو الهدف الذي راوغ وماطل وكسب الوقت طويلاً حتى يصل إليه، في ظل صمت أو تواطؤ أو حتى تدخل باهت عابر سطحي من قبل الدول الكبرى، التي كان يُنتظر منها أن تضغط على هذا النظام بطريقة أشد حتى لا يصل إلى هذا المستوى الخطير من تسليح لا يهدد جيرانه فحسب، بل يشكل تهديداً لدول أبعد جغرافياً بكثير.
إن من يُمعن النظر في السياسات الإيرانية خلال العقد الأخير يجد أن نزعتها العدوانية والتوسعية ارتبطت ارتباطاً كبيراً بالدفاع المستميت عن ملفها النووي، فهي تغلغلت في العراق وسوريا، وسلحت مليشيا حزب الله الإرهابي في لبنان، وحماس في فلسطين، وجماعة الحوثي في اليمن، وفِي قطر تقول ها أنا ذا، وهددت أمن دول الخليج العربي، لتبني خط دفاع وهجوم متقدماً عن برنامجها النووي، وراحت تساوم الدول الكبرى بهذه الملفات والقضايا، وتستخدمها أوراقاً سياسية كي تكسب مزيداً من الوقت، وبما يقربها من امتلاك سلاح نووي، بأي ثمن، وبأي وسيلة، وبأي شكل، ومهما كانت التحديات والعقوبات، ضاربة بذلك كل القرارات الدولية بعرض الحائط.
مع الأسف فإن الغرب لم يبذل الجهد الكافي في سبيل التصدي للمشروع النووي الإيراني، بل أبرم اتفاقاً مع إيران ينطوي على ثغرات عدة تمكّنها في نهاية المطاف من الوصول إلى ما تصبو إليه.
لقد أكدت نيكي هيلي سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة أنه منذ التوقيع على الاتفاق النووي زاد دعم النظام الإيراني للمليشيات الخطيرة وجماعات الإرهاب بشكل ملحوظ، وبدأت صواريخها وأسلحتها المتطورة تظهر في مناطق الحرب في أنحاء الشرق الأوسط، وهو نفس الاتجاه الذي ذهب إليه عادل الجبير وزير الخارجية السعودي، حيث أكد أن إيران توفر أكثر من 90% من المتفجرات التي تُستخدم في الاعتداءات في السعودية، ناهيك عن إيواء إيران لعناصر تنظيم القاعدة.
كما طالب يوريس جونسون وزير الخارجية البريطاني إيران بوقف الأنشطة التي تهدد بتصعيد الصراع في اليمن، وذلك بعد العثور على صواريخ ومعدات إيرانية المنشأ في اليمن، كما جددت الخارجية الفرنسية إدانتها لإطلاق الصواريخ البالستية الإيرانية؛ والتي يديرها الحوثيون على الأراضي السعودية.
في الاتجاه المقابل فإن إيران إن امتلكت سلاحاً نووياً، حسبما تعتزم الآن، لا سمح الله، فإنها، حتى لو لم تستخدمه، ستقوم بتوظيفه كعامل للردع والتهديد، بل والتجبّر السياسي والعسكري، كي تزيد من تغلغلها في محيطها الإقليمي، والذي يتصرف حكام نظام طهران على أنه مجرد مجال حيوي لبلدهم، وستزيد من الضغط على الدول الخليجية والعربية بلا حساب، بل ستضغط على جيرانها في العمق الآسيوي، مستندة إلى أن سلاحها النووي يمكّنها من منع أي دولة تريد أن تنحاز إلى حق الدول العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص في أن تعيش في سلام، وتحافظ على وجودها وتماسكها.
ومع الأسف فإن الغرب لم يبذل الجهد الكافي في سبيل التصدي للمشروع النووي الإيراني، بل أبرم اتفاقاً مع إيران ينطوي على ثغرات عدة تمكنها في نهاية المطاف من الوصول إلى ما تصبو إليه، ولا تريد أي من الدول الغربية أن تنصت إلى صوت دول الخليج العربي المتضررة بشكل مباشر من امتلاك إيران للسلاح النووي، وهو تضرر ينبني على معطيات حقيقية وموضوعية لا تخفى على أحد.
فناهيك عن خطورة أن يوضع سلاح نووي في يد حكومة عقائدية متطرفة ومتشددة، لديها تصور أو نزعة توسعية تحت لافتة "تصدير الثورة"، فإن توافر مستوى مقبول من الأمان للمفاعلات النووية الإيرانية سيكون محل شك، ولعل ما جرى في مفاعل "تشرنوبيل" ليس منا ببعيد.
وتتطلع أنظار العالم أجمع إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو يتحدث عن ضرورة إعادة النظر في الاتفاق المبرم مع إيران حول برنامجها النووي، ويتمنى كثيرون أن يكون جاداً في توجهه هذا، وأن يجد آذاناً مصغية لدى مؤسسات بلاده الفاعلة، خصوصاً البنتاجون والكونجرس والخارجية والمخابرات المركزية، حتى تتحول أقواله إلى أفعال، وحتى يحال بين حكومة الملالي المتطرفة وبين امتلاك سلاح نووي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة