إن سقوط تنظيم "داعش" لا يعني أبداً نهاية تنظيم داعش، وذلك بسبب مجموعة من الاعتبارات
هذه رؤوس أقلام خاصة بالسيناريوهات المتوقعة في منطقة الشرق الأوسط، بعد تراجع وزن تنظيم داعش، مع الإشارة إلى أن الحديث هنا يهم التنظيم "الجهادي"، ولا يهم باقي الملفات الحساسة، ومنها ملف القضية الفلسطينية، وملف تراجع الحراك السوري والاتجاه نحو حل سياسي، بمقتضى التداخل الروسي في الصراع الذي ساهم في إحداث التوازن، ومنها أيضاً ملف الإصلاحات السياسية في دول الخليج، وملف تدبير وتعامل دول المنطقة مع الورقة الإخوانية بمقتضى التحولات التي كشفت عنها أحداث "الربيع العربي"، ابتداء من يناير 2011، والتي كانت تصب في تولي العديد من الأحزاب السياسية قيادة التدبير الحكومي، بدعم غربي، وأمريكي على الخصوص.
إن استحضار مجمل هذه الملفات يفرض علينا التعامل بحذر مع هذه السيناريوهات المتوقعة، ولكن سوف نقتصر بالتحديد على ملف واحد ضمن هذه الملفات، ويتعلق الأمر بالملف الجهادي مع ظاهرة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروف اختصاراً بتنظيم "داعش".
التجربة التاريخية مع الظاهرة الجهادية في نسختها ما قبل الداعشية تؤكد أن مقتل زعيم تنظيم القاعدة لم يكن مؤشراً على نهاية التنظيم.. بل عاينّا ولادة تنظيم أكثر خطورة من الناحية الأمنية والسياسية والاستراتيجية على المنطقة أي تنظيم داعش.
إن سقوط تنظيم "داعش" لا يعني أبداً نهاية التنظيم، وذلك بسبب مجموعة من الاعتبارات، نلخصها كالتالي:
1- طالما بقيت أسباب الظاهرة الجهادية قائمة، فهذا يفيد أنها مستمرة، وليس صدفة أن أسباب الظاهرة مستمرة في المنطقة منذ عدة عقود، بل ازدادت استفحالاً وتقعيداً بشكل أكبر بكثير، مقارنة بالنماذج الجهادية السابقة التي كانت حاضرة في بعض دول المنطقة، ولكنها اليوم توجد في أغلب البلدان.
2- حتى لو تم الإعلان عن اعتقال أو مقتل أغلب أتباعه وقياداته، فلا يعني ذلك أن الظاهرة مصيرها إلى زوال؛ لأن التجربة التاريخية مع الظاهرة الجهادية في نسختها ما قبل الداعشية تؤكد أن مقتل زعيم تنظيم القاعدة، لم يكن مؤشراً على نهاية التنظيم، بل عاينّا ولادة تنظيم أكثر خطورة، من الناحية الأمنية والسياسية والاستراتيجية على المنطقة، أي تنظيم داعش.
3- نزعم أن الجهاديين اليوم، ينتقلون من مرحلة التمكين إلى مرحلة الانتشار، فهم مروا بمراحل متعددة، كان فيها القتال محلياً، ثم انتقل ليكون تضامنياً في أفغانستان، وبعدها ليكون طائفياً في العراق وسوريا، وبعدها سيصبح شبكة.
في المرحلة الثالثة، أصبح لهذه التنظيمات، إمارات، وأذرع وأفرع خارجية، وممولون عالميون، ودول للمرور، وارتكازات وسيطرة على الأرض، وعقب انحسار هذه التنظيمات في العراق وسوريا، والمرجح ليبيا مستقبلاً أيضاً، سيصبح لها خلايا المواجهة المباشرة في الأراضي المحررة، كما سيصبح لها خلايا الفروع والأذرع في دول مثل مصر وتونس وشمال أفريقيا، وستحاول خلق أفرع أخرى.
4- هناك معطى أكثر تعقيداً يتعلق بمرحلة ما بعد القضاء النسبي على تنظيم داعش، ويتعلق الأمر بالتعامل مع العائدين من منطقة الصراع، وليس بالجهاديين الذين تحدثنا عنهم في النقطة الثالثة سالفة الذكر.
إن التعامل مع ظاهرة "العائدون"، سواء إلى باقي دول الشرق الأوسط (أو دول المغرب العربي أو حتى إلى أوروبا)، يقتضي الأخذ بعين الاعتبار التدقيق في أنماطهم؛ حيث نجد منهم:
- عائدون وهم مؤمنون بجُلّ أفكار التنظيمات الإرهابية، ومرتبطون تنظيمياً، وهم خطر كبير.
- عائدون وهم يحملون الأفكار الجهادية الإرهابية، لكنهم ناقمون على التنظيم، وهؤلاء يمكن أن يعودوا للارتباط بتنظيماتهم القديمة، أو إنشاء تنظيمات وخلايا جديدة، وهم خطر كبير أيضاً.
- عائدون وقد نقموا وكفروا بهذه التنظيمات، وانخرطوا في مراجعات حقيقية، وأخذوا مسافة نهائية، فكرية وتنظيمية من الأفكار الإرهابية، وبالتالي لا يمكن لهؤلاء أن يشكلوا خطراً على تطورات الساحة في منطقة الشرق الأوسط، على الأقل في الشق الخاص بالملف الجهادي؛ لأنهم ابتعدوا بشكل نهائي عن الظاهرة الجهادية.
هذا عن الظاهرة "الجهادية"، في نسختها "الداعشية"، وبالتحديد، النسخة التي تأخذ بعين الاعتبار العوامل الذاتية للظاهرة؛ لأن هناك عوامل خارجية، أمنية واستخباراتية وسياسية تطلبت توظيف الظاهرة "الجهادية" في المنطقة خلال العقود الأخيرة، ومنها ما عاينّاه منذ يناير 2011، أي توظيف تلك الظاهرة في إثارة القلاقل السياسية والأمنية والاستراتيجية، في العديد من التجارب، سواء تعلق الأمر بالتجربة العراقية، أو السورية، أو الليبية، كما تمّ ذلك عملياً من طرف عدة دول شرق أوسطية وخليجية، مولت وساعدت هذه الجماعات الجهادية، بل تمّ توظيف فقهاء وعلماء دين من أجل استصدار فتاوى تدين حراكاً في بلد، وتدعو إلى نصرة حراك في بلد.
ولعل نموذج الشيخ المصري القطري يوسف القرضاوي، من أهم هذه النماذج، من خلال تأمل ما قام به، تحت لافتة مؤسسة دينية إخوانية، تسمى "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، وهي مؤسسة تابعة سياسياً وأمنياً لدولة قطر.
وعندما نتحدث عن الشيخ القرضاوي وعن هذه المؤسسة، فإننا لا نتحدث عن بعض علماء، وإنما عن عدة مشاريع إخوانية، يتم توظيفها في صراعات استراتيجية في المنطقة، ويبدو أن هذا التوظيف سيبقى مستمراً، سواء مع توظيف الورقة الإخوانية (الأممية الإخوانية)، أو توظيف الورقة الجهادية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة