"نووي إيران".. من الخداع إلى الابتزاز
الملف النووي الإيراني بدأ رحلته عقب ما يسمي بـ"الثورة الإيرانية" في السوق السوداء ثم الخداع ثم الابتزاز لدول العالم.
مر البرنامج النووي الإيراني بالعديد من المحطات منذ خمسينيات القرن الماضي، حيث بدأ سلميا بمساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية كجزء من برنامج "الذرة من أجل السلام".
إلا أن قامت ما يسمي بالثورة عام 1979 وأطاحت بشاه إيران محمد رضا بهلوي، ليبدأ الملف النووي الإيراني رحلته في السوق السوداء ثم الخداع ثم الابتزاز لدول العالم.
عقب الثورة
زاد طموح إيران النووي بعد ثورة الخميني، واتخذت في سبيل ذلك طرقا ملتوية عدة في ظل قطع معظم التعاونات النووية الدولية.
اتخذت طهران طرقا عديدة للحصول على اليورانيوم منها السوق السوداء، ما دفع واشنطن إلى بداية مراقبة أنشطة إيران الخبيثة وقطع إمدادات اليورانيوم عالي التخصيب لمركز أبحاث طهران النووية وغلق محطة بوشهر.
عام 1984 ونتيجة للتحركات الخفية للنظام الإيراني حصل على اليورانيوم الخام بطرق غير مشروعة من جنوب أفريقيا، وفي نهاية هذا العقد حصلت على أجهزة الطرد المركزي من باكستان.
استمرت المحاولات على قدم وساق خلال تلك الفترة، حتى قررت طهران استئناف بناء محطة بوشهر عام 1995 تحت إشراف خبراء رو وإنشاء منظمة بحثية مشتركة باسم "برسيبوليس".
وشهدت تلك الفترة العديد من التقارير الاستخباراتية الغربية التي تؤكد استمرار إيران في تنفيذ أنشطة نووية خفية للاستخدام في أغراض غير سلمية، كما منعت طهران مفتشين من الطاقة الذرية من أجل التفتيش داخل منشآتها النووية.
مرحلة الخداع
مايو/أيار 2003، وبعد وقت قصير من الغزو الأمريكي للعراق، قامت إيران بالتراجع ومحاولة فتح قنوات اتصال مع الولايات المتحدة وزعمت عرض برنامجها النووي بشفافية كاملة، الخطوة الإيرانية جاءت في الوقت التي أكدت فيه تقارير الطاقة الذرية الاستمرار في الأنشطة غير السلمية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، تعهدت فرنسا وألمانيا وبريطانيا بمبادرة دبلوماسية مع إيران لحل بنود الخلاف حول برنامجها النووي، وبالفعل بدأت مرحلة الخداع الإيراني، حيث أصدرت طهران والاتحاد الأوروبي وثلاثة وزراء خارجية بياناً معروفاً باسم إعلان طهران للموافقة على التعاون مع الوكالة الذرية.
وفي ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، أصبحت التقارير المطلوبة إلى وكالة الطاقة الذرية والسماح الوصول من قبل مفتشي الوكالة، في انتظار تصديق إيران على البروتوكول الإضافي.
ومع بداية وصول المفتشين بأشهر، تراجعت طهران عن وعودها خشية انكشاف حقيقة أمر برنامجها النووي، ومنعت الوكالة الدولية للقيام بعمليات تفتيش، وعلقت الاتفاق في أكتوبر/تشرين الأول 2005.
وفي 4 فبراير/شباط 2006، ورداً على خداع طهران النووي صوت 35 عضوا من أعضاء وكالة الطاقة الذرية 27 لإحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن الدولي.
وأصدر مجلس الأمن القرار رقم 1696، وقد طالب إيران بتعليق أنشطتها لتخصيب اليورانيوم استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لجعل هذا الطلب ملزماً قانوناً بشأن إيران.
استمرت إيران في أنشطتها الخبيثة، حتى ديسمبر/كانون الأول، حيث قرر مجلس الأمن تحت رقم 1737، فرض العقوبات وتجميد أصول عدد من الأشخاص والمنظمات المرتبطة بالبرامج النووية والصاروخية الإيرانية وأنشأت لجنة لمراقبة تنفيذ العقوبات.
استمرت العقوبات والإدانات الدولية ولم ينتهِ الخداع الإيراني، وفي أبريل/نيسان 2015، وبعد مفاوضات استمرت 18 أشهرا بين القوى الكبرى لمناقشة الملف النووي الإيراني تم توقيع اتفاق لوزان لرفع العقوبات الأمريكية والأوروبية بمجرد تحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن إيران تحترم التزاماتها، كما ينص الاتفاق على إمكانية إعادة العمل بها في حال عدم تطبيقه.
استفادت إيران من خدعة الاتفاق ورفع العقوبات عنها تدريجية، واستمرت في دعم الإرهاب وأنشطتها النووية الخبيثة من تحت الطاولة.
الابتزاز الإيراني
انتقلت إيران بعد توقيع الاتفاق النووي الذي وصفته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ"المعيب"، من مرحلة الخداع إلى مرحلة الابتزاز.
ففي مايو/أيار 2018 أعلن ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني الذي وقع عليه سلفه باراك أوباما، وأعاد فرض حزمتي عقوبات اقتصادية شملت قطاعات اقتصادية مهمة أبرزها النفط والمصارف، ما عمق من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها إيران، بسبب إهدار موارد وثروات شعبها على حروبها بالوكالة خارج الحدود.
بعد الإعلان الأمريكي بدء الهجوم الإيراني عبر وسائل الإعلام، ثم انتقل إلى أرض الواقع واستهدفت طهران السفن التجارية والناقلات النفط في المياه الدولية وهددت حرية الملاحة.
ومع زيادة وتيرة الأعمال العدائية أعلنت إيران أنها سنتحسب من الاتفاق النووي مع القوى الأوروبية بخلاف زيادة وتيرة تخصيب اليورانيوم أعلى من الحد المسموح.
كما أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني، الأربعاء الماضي، عودة الأنشطة السابقة لمفاعل آراك النووي، بعد السابع من يوليو/تموز الجاري إذا لم تفِ الدول التي لا تزال ضمن الاتفاق النووي بوعودها.
وهدد روحاني برفع درجة تخصيب اليورانيوم بدرجة أكبر من المتفق عليها بالاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 وهي 3.67%.
وإزاء التصعيد الإيراني، لوَّح وزراء بالاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات فورية ضد إيران بسبب خرقها الاتفاق النووي بتجاوز حد تخصيب اليورانيوم المنصوص عليه في الاتفاق ذاته.
ودعت وكالة الطاقة الذرية إلى اجتماع عاجل نهاية الأسبوع الجاري لمناقشة ابتزاز إيران النووي.
كما قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن إيران خصبت اليورانيوم بدرجة نقاء أعلى من المنصوص عليه في الاتفاق النووي.