سياسة
قمع أم تهدئة؟.. عدوى غضب الشارع تصيب النظام الإيراني بالانقسام
قمع أم مبادرات تهدئة؟ سؤال احتار النظام الإيراني في الإجابة عليه، خلال تعامله مع الاحتجاجات غير المسبوقة، التي تعد أكبر تهديد له منذ عام 1989.
فبينما تعم شوارع إيران مظاهرات لم تهدأ وتيرتها منذ 16 سبتمبر/أيلول الماضي، احتجاجا على مقتل الفتاة مهسا أميني على يد ما يعرف بـ"شرطة الأخلاق"، ويتأرجح سلوك النظام بين مزيد من القمع وقليل من التهدئة.
إلا أن ذلك التأرجح كان مؤشرا على "انقسام" داخل النظام في إيران حول طريقة الرد على الاحتجاجات "غير المسبوقة" والمتواصلة منذ أشهر، بحسب محللين.
فالموافقة على إعادة محاكمة عدد من المحتجّين حُكِم عليهم بالإعدام، والإفراج عن معارضين بارزين، مؤشّرات على أن البعض يسعى إلى نهج أكثر ليونة، إلا أن تنفيذ إيران حكم الإعدام بحق رجلين لقتلهما عنصرا من قوات الباسيج المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني خلال اضطرابات مرتبطة بالاحتجاجات، أتى ليذكر بالمسار المتشدد.
وإلى ذلك، قال نادر هاشمي، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة دنفر الأمريكية إن "الرسائل المتضاربة التي نتلقّاها من النظام الإيراني تشير إلى جدل داخلي حول طريقة التعامل مع الاحتجاجات المستمرة"، مضيفا: "في معظم الأنظمة الاستبدادية هناك صقور وحمائم" تختلف حول مدى القمع أثناء الأزمات.
حسابات سياسية
وفيما ثبّتت المحكمة العليا بعض أحكام الإعدام، ونفذّتها في حق أربعة رجال حتى الآن، أعلن القضاء إعادة محاكمة ستة من 14 شخصا حكم عليهم بالإعدام.
تطورات قال عنها الخبير الإيراني مهرزاد بروجردي، المشارك في وضع كتاب "إيران ما بعد الثورة: دليل سياسي"، إن ذلك يعكس "حسابات سياسية".
وأوضح الخبير الإيراني "هم يعلمون أن عمليات الإعدام الجماعية ستؤدي إلى نزول مزيد من الأشخاص إلى الشوارع. من جانب آخر يريدون إرسال إشارة تفيد بأنهم لا يترددون بإعدام متظاهرين من أجل إخافة الناس".
ويعتبر محلّلون أن إطلاق سراح مجيد توكلي وحسين رونقي، وهما معارضان بارزان أوقفا في بداية الاحتجاجات، بعد أسابيع من اعتقالهما، هو محاولة أخرى لتهدئة الوضع.
تنفيس الاحتقان
وعن ذلك، قال بروجردي إن النظام يستخدم "كل شيء من تنفيس الاحتقان إلى فترات سجن طويلة وعمليات إعدام، إنهم يجرّبون هذه الأساليب فيما يعانون من أجل صياغة سياسة أكثر وضوحا".
من جهته، يقول أنوش احتشامي، مدير معهد دراسات الشرق الأوسط والدراسات الإسلامية في جامعة دورهام في إنجلترا، إن إعادة المحاكمات تعكس جزئيا الضغوط الخارجية والداخلية المتزايدة.
وتابع: "لكن حتى داخل النظام هناك انقسام حول طريقة التعامل مع الوضع، فالمتشددون يقفون في جانب، وفي جانبٍ آخَر من يرون أن الإعدامات تحفّز مقاومة المحتجّين"، مشيرًا إلى أن إعادة المحاكمات وإطلاق سراح معارضين "إجراءات تهدئة.. لمحاولة إرضاء" المتظاهرين.
وفي حين قد تبدو هذه الإجراءات غير مهمة للبعض، إلا أن "نظاما أمنيا متعثرا.. يعتبرها بادرة سخية من جانبه واستجابة لضغط الناس".
وفيما أوقف النظام مشاهير لفترات أقصر بكثير، فقد أفرج عن الممثلة الشهيرة ترانه عليدوستي الأربعاء بكفالة بعد احتجازها ثلاثة أسابيع تقريبا بسبب دعمها الاحتجاجات، وفق ما أعلن محاميها في سياسة قال عنها محللون إن استراتيجية التوقيف وإطلاق السراح هي بمثابة تخويف، لكن أيضا "جس نبض لمعرفة ما سيكون رد الفعل".
منع الانقسامات
ويقول الأستاذ المشارك في دراسات الشرق الأوسط في جامعة كيل في إنجلترا أفشين شاهي إن "التساهل" الذي تظهره السلطات أحيانا "هو محاولة لمنع حصول مزيد من الانقسامات داخل المؤسسة الأمنية"، إذ إن القمع أدى إلى نفور بعض أعضائها، مشيرا إلى أن النظام "لا يبدو أن لديه استراتيجية واضحة" ردا على الغضب الشعبي.
ورغم إطلاق سراح بعض الأشخاص، أمضت شخصيات بارزة أشهرا في السجن، بينهم الناشط آرش صادقي والصحافيتان الإيرانيتان اللتان ساهمتا في كشف قضية أميني.
وفي مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن المدعي العام محمد جعفر منتظري "حلّ" شرطة الأخلاق، لكنّ أيّ جهة رسمية أخرى لم تؤكّد ذلك.
ويوضح هاشمي أن هذا الإعلان يعكس الجدل الداخلي ويظهر أنّ "جزءا واحدا على الأقل من النظام" يؤيد انتهاج طريقة أقل صرامة لفرض قواعد اللباس.
حل وسط
وبحسب احتشامي، فإن بعض أهل السلطة "بدؤوا الآن يتحدثون عن حل وسط" رغم أنّ من السابق لأوانه معرفة ما سيكون ذلك، لكن "بالمعنى الأوسع لا أعتقد أن لديهم ما يريده الناس"، وهو تغيير شامل لم تُحَدَّد تفاصيله.
إلا أنه مع ذلك، فإن النظام تاريخيا أظهر قدرته على "تقديم تنازلات عندما يتعين عليه ذلك"، بحسب هاشمي، الذي أضاف: "ينسى الناس أن هذا النظام صمد 44 عاما لأن بإمكانه أن يكون ذكيا جدا وبارعا جدا وماكيافيليا جدا من ناحية ما عليه فعله للبقاء".
وتشهد إيران منذ 16 سبتمبر/أيلول الماضي احتجاجات إثر وفاة الشابة الكردية مهسا أميني (22 عاما)، بعد ثلاثة أيام على توقيفها بأيدي شرطة الأخلاق لعدم التزامها القواعد الصارمة للّباس.
وتحوّلت المظاهرات إلى حركة مناهضة لإلزامية الحجاب وللجمهورية الإيرانية، في أكبر تحدٍ للسلطات منذ ثورة 1979 التي أطاحت حكم الشاه، مما دفعها للرد بـ"عنف"، أسفر عن مقتل مئات الأشخاص، وإيقاف الآلاف والحكم بالإعدام على 14 منهم، بينهم عدد كبير بتهمة قتل عناصر أمن أو مهاجمتهم، بحسب القضاء.