التحولات الطارئة في الشرق الأوسط والعالم يجب عدم إغفالها، خاصة بعد أن قام النظام القطري بإبرام اتفاقيات للوجود العسكري الإيراني والتركي
منذ مقاطعة الدول العربية الأربع لدولة قطر في يونيو 2017، لم تظهر شهادة على الدور القطري تاريخيا، بحجم ما حملته شهادة الأمير بندر بن سلطان، السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة، رئيس الاستخبارات السعودية السابق، فما حملته الشهادة، سواء من سرد لأحداث مهمة، أو ما طرحه الأمير بندر لرؤيته حول مستقبل قطر، يعد واحدا من أهم ما يجدر تناوله من ناحية ما يفسر أزمة قطر مع ذاتها، والتي انعكست أزمة مع محيطها العربي.
لن تخرج قطر من أزمتها قريبا، فستظل رهاناتها مستمرة، حتى وهي تندفع بالاتجاه الخاطئ؛ فالنظام القطري لم يعد يستطيع حتى القدرة على المراجعة الذاتية لتحالفاته الحالية، وما يمكن أن تؤدي في المستقبل
تطرح شهادة الأمير بندر بن سلطان، قراءة عميقة لأزمة قطر التي تعيشها، بأن تلعب دورا أكبر من حجمها، وتعطي دلالة واضحة على أن القطريين يعانون أزمة داخلية، على اعتبار مساحة قطر الصغيرة، وعدم قدرة القيادة القطرية على استيعاب النطاق الجغرافي، وتبدو هذه الأزمة هي سبب الاحتقان الحاد، الذي من خلاله تفجرت أزمات واسعة مع دول الجوار، التي من الواضح أنها تحملت طويلا التصرفات القطرية المتشنّجة.
الأمير بندر بن سلطان، تحدث عن أهم ثلاثة عوامل تراهن عليها قطر في سياستها، وهي الوجود الأمريكي على أراضيها، وشبكة علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك الإعلام، ولعل من المهم للغاية، الأخذ بهذه الاعتبارات، خاصة مسألة قاعدة العديد التي توجد فيها القوات الأمريكية؛ فبالعودة لما أعقب عاصفة الصحراء، والتي انتهت عام 1991 بتحرير دولة الكويت، كان على الولايات المتحدة أن توجد لمواجهة النظام العراقي السابق، وكانت السعودية مصممة على مغادرة القوات الأمريكية أراضيها، بعد انتهاء مهمتها، وهو ما انتهزته قطر بعرضها للأمريكيين منحهم قاعدة عسكرية، ومع ذلك، بادر المسؤولون في الولايات المتحدة بإبلاغ السعوديين بالخطط القطرية.
التحولات الطارئة في الشرق الأوسط والعالم يجب عدم إغفالها، خاصة بعد أن قام النظام القطري بإبرام اتفاقيات للوجود العسكري الإيراني والتركي، في إشارة للتخبّط عند القيادة القطرية؛ فالانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران (مايو 2018) يُعَد متغيرا سياسيا حادا في السياسة الدولية، فعلى ضوء الانسحاب الأمريكي جاءت العقوبات الأمريكية على إيران، وبات من المنتظر أن تتحمل الدوحة تبعات هذه المقاطعة، وما سيليها من عقوبات أمريكية على النظام الإيراني، ما سيضغط على النظام القطري، ليحدد خياراته، فإما أن يكون ضمن المحور الإيراني أو الأمريكي.
في مؤتمر وارسو (فبراير 2019)، كانت أولى بوادر الأزمة القادمة للنظام القطري، فوجود قطر في المؤتمر كان أشبه ما يمكن وصفه بـ(العميل المزدوج)، فمن المثير في هذه الازدواجية أن القطريين الذين يوجدون في مؤتمر مخصص لمواجهة النظام الإيراني، والبحث عما يمكن أن يتخذ لمواجهة إيران وسياساتها، يظهرون قطر في المؤتمر ذات وجهين مزدوجين؛ فهي مع المجتمع الدولي في مواجهة إيران، وهي كذلك مع إيران لتنفيذ أجنداتها التخريبية في العالم العربي.
تنتهج السياسة القطرية منهج اللعب على المتناقضات، وهي سياسة أوصلتها لتجمع كل المتناقضات على أرضها؛ فهي تدعي أنها مع الحرية الإعلامية، بينما لا ترى في مئات الصحفيين الأتراك الذين يزج بهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ما يستدعي التضامن معهم، كما أنها لا ترى ما يستدعي الحديث عن التدخل التركي في الأراضي العربية، وتجاوزاته داخل عفرين السورية، هذه التناقضات أيضا تتكرر مع الإيرانيين وتدخلاتهم في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بينما تدعي قطر أنها ترفض التدخل في الشؤون العربية الداخلية، وأنها تدعم سيادة الدول العربية.
لن تخرج قطر من أزمتها قريبا، فستظل رهاناتها مستمرة، حتى وهي تندفع بالاتجاه الخاطئ؛ فالنظام القطري لم يعد يستطيع حتى القدرة على المراجعة الذاتية لتحالفاته الحالية، وما يمكن أن تؤدي في المستقبل، ومنها تحالفاته مع إيران وتركيا والإخوان المسلمين، بل حتى تقديم النظام القطري الأموال لتنظيم داعش، وغيرها من الجماعات الإرهابية، كلها تحالفات ستقود لمصير واحد، وهو مواجهة هذه التناقضات ككتلة واحدة، فلا يمكن للنظام القطري أن يدور في فلك متناقضات تحت ادعاء الدوحة أنها تستقل بمحورها السياسي، وهي لا تمتلك الرصيد السياسي والعسكري والاقتصادي، وكذلك التاريخي، لتكون محورا، في ظل شرق أوسط، من أبرز سماته هو استمرار الصراعات والتصادمات على مدى العقود الماضية.
نقلا عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة