الوجع الجماهيري الإيراني الأكبر يتمثل في القهر السياسي والإنساني الذي عاناه الإيرانيون طوال أربعة عقود هو عمر الثورة غير المحمودة
قبل عدة أيام من كتابة هذه السطور كانت رياح التمرد تملأ شوارع إيران لتخبر الملالي بأن زمن ولاية الفقيه في طريقه إلى الانهيار، ووقت ظهورها إلى العلن كانت الأحداث قد تطورت بشكل متوقع لجأت فيه إيران إلى القوة الغاشمة لإخضاع ثورة الإيرانيين.
ما يحصل في إيران زلزال شعبي، وما لا يريد الملالي إدراكه هو أن العالم تغير، وإن التسويف لم يعد له محل، وإن سقوط النظام الثوري لن يجيء من جراء المواجهة مع الغرب بسبب البرنامج النووي أو الصاروخي، بل من جراء حياة الكرامةفات الملالي ورأسهم المرشد خامنئي شيء مهم في تحليلاتهم وقراءتهم، وهو أن الشعب الإيراني الذي ثار على الشاه رضا بهلوي وجاء بالخميني، هو عينه الآن من يطالب بالموت للديكتاتورية المغلفة في رداء شفاف من الأصولية الإسلاموية.
قبل بضعة أشهر كانت هناك تحركات على سفينة القيادة الإيرانية تشي بأن الملالي متشارعون ومتصارعون، واليوم بات الخلاف في الشارع الإيراني عينه، ما يعني أن الخرق قد اتسع على الراتق، وأن المخاض قد بدأ حتى ولو كانت الولادة متعسرة في ظل دموية الباسيج، والذي لا يقل وحشية عن السافاك في العصر السابق.
ويطفو على الذهن الآن ما أشار إليه إمبراطور فرنسا الأشهر نابليون بونابرت ذات مرة: "لا تتدخل عندما يكون عدوك في عملية تدمير ذاتي"، ويبدو أن هذا ما تقوم به القوى الكبرى المؤمنة بخطورة إيران على الاستقرار الإقليمي والعالمي، ويكفي أن من يسعى لهدم معبد الملالي هم الشباب الإيراني الذين خرجوا إلى الشوارع منادين بسقوط الطواغيت من ناهبي أرزاق الإيرانيين، لحساب المليشيات التي تحاول من خلالها تغيير شكل المنطقة ولي أذرع الدول والحكومات في الجوار.
لم تعد تنطلي أكاذيب خامنئي على أحد، لا سيما حين يتحدث عن الأعداء والمغرضين، فالجميع يعلم أن إيران من أصعب دول العالم اختراقا، وأن الأجهزة الاستخبارية تعاني في الوصول إلى مراكز القيادة أو صفوف الجماهير.
يتساءل المراقب للمشهد الإيراني في الأيام الأخيرة: "هل هي بالفعل ثورة اسعار المحروقات التي ارتفعت؟
لا شك أن قصة زيادة ثمن غالون النفط كانت هي القشة التي قصمت ظهر البعير، أما الحقيقة التي لا مراء فيها فهي أن الإيرانيين يدركون مدى غنى وثراء بلادهم وخيرها الكثير والوفير، ويعز عليهم أن يروا الاخرين يرفلون فيه وهم باتوا كالأيتام على موائد اللئام.
لم يعد مقبولا من الإيرانيين أن يروا أدوات إيران الحوثية والأسدية، الحشدية وحزب اللاتية، يتلقون ملايين الدولارات كل عام، في حين تفرغ خزائن منازلهم من مقومات الحياة الأساسية.
أما الوجع الجماهيري الإيراني الأكبر فيتمثل في القهر السياسي والإنساني الذي عاناه الإيرانيون طوال أربعة عقود هو عمر الثورة غير المحمودة، تلك التي عاشوا فيها في جو خانق للحريات، وسط ظلامية الفقهاء والأولياء الذين لا يدارون أو يوارون أنفسهم، خاصة في ظل ما هو معروف عنهم من فساد نخبوي يصل بهم إلى تعريف النخبة النهبوية التي أفقرت إيران الشعب، وملأت جيوب الملالي، وعلى غير المصدق أن يسأل المرشد من أين له بمليارات الدولارات التي جمدتها الولايات المتحدة الأمريكية، خارج البلاد بنوع خاص؟
قبل بضعة أسابيع طمأن آية الله أحمد علم الهدى مستمعيه إلى أن إيران موجودة في العراق وسوريا وفلسطين واليمن، وفاته أن الحوثي في مأزق غير مسبوق، لا سيما بعد نجاح الوساطة السعودية الإماراتية في لمّ الشمل اليمني وجمع الأشقاء، ولم يتبق غير ذلك الفصيل المارق والتابع لطهران؛ إذ يقف وحيدا في صحراء التيه.
فات علم الهدى كذلك أن حزب الله يعاني أسوا أيام حياته في الداخل اللبناني وأن التمرد عليه قد وصل إلى رجالاته، أما عن بقية اللبنانيين فقد اعتبروا أن زمن الضاحية قد ولى وأن حكم العصابات قد انتهى.
الأمر نفسه ينطبق على العراق، فلو أعطى المهدي أذنيه للشارع العراقي لسمع دعوات طرد.. "إيران بره بره والعراق حره حره".
لم يسأل المهدي رجل إيران القوي قاسم سليماني الذي يقود حركات الثورة والتمرد في دول الجوار عما يعانيه في الأسابيع الأخيرة، وكيف أن النوم يجافي عيونه، خوفا من المصير الذي سيلقاه عملاء إيران في المنطقة.
الحقيقة التي لا مراء فيها هي أنه وإن لم يسقط خامنئي في المدى الزمني القريب فإنه وفي كل الأحوال سوف يضحى آخر ولي فقيه، ولن يخلفه أحد، إذ انقضى موعد بقاء إيران كثورة لعقود أخرى.
ما يحصل في إيران زلزال شعبي، وما لا يريد الملالي إدراكه هو أن العالم تغير، وأن التسويف لم يعد له محل، وأن سقوط النظام الثوري لن يجيء من جراء المواجهة مع الغرب بسبب البرنامج النووي أو الصاروخي، بل من جراء حياة الكرامة ورغيف الخبز.
طباخ السم الإيراني يذوق معاناة ما حاول إذاقته للآخرين قسرا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة