التغيير في السودان من خلال الثورة الشعبية في تحد صعب وغاية في الأهمية لاستخلاص سموم الإنقاذ والحركة الإسلامية من الجسد السوداني
التغيير يعني الانتقال من الوضع القديم إلى وضع جديد وحديث يتماشى مع متطلبات المرحلة المستقبلية التي ينشدها الإنسان، ويسهم في تحقيق تطلعاته وغايته، سواء الشخصية أو العملية، وهو سنة الحياة.
إذا أرادت النخبة السياسية والاقتصادية والفكرية النهوض بالسودان يجب أن تعمل في البداية على عمل مسح كامل للعقلية السودانية التي سممها الإخوان المسلمون بفكرهم العقيم طوال ٣٠ سنة، لإنعاشها وإعادتها للحياة مرة أخرى، ويجب مخاطبة العقل الباطني للشعب السوداني ودخول قلوب السودانيين
التغيير كلمة بسيطة في نطقها لكنها كبيرة في معناها، والعمل على تحقيقها وجعلها واقعا معاشا يجب أن يكون عادة تصاحب كل إنسان يبحث عن التقدم في حياته وإحداث نقلة حقيقية في أسلوبه الشخصي قبل العام، وتعامله مع من حوله أي كانت انتماءاتهم الدينية أو السياسية أو القبلية أو الفكرية.
إن التغيير الذي حدث في السودان -من خلال الثورة الشعبية التي انطلقت منذ سبتمبر 2018 وأسقطت نظام الإنقاذ والحركة الإسلامية- وضع السودانيين في تحد صعب وغاية في الأهمية، لاستخلاص سموم الإنقاذ والحركة الإسلامية من الجسد السوداني، ومحو آثارها من جبين السودانيين.
ما يمر به السودان الآن هو أول مراحل التغيير الفعلي والحقيقي، وهي أصعبها من ناحية المعطيات والوضع السوداني المتدهور والمهترئ طوال ٣٠ سنة، لذا يجب علينا العمل بجهد واجتهاد والبحث عن الجوانب التي من شأنها ترسيخ معالم التغيير على أرض الواقع السوداني، وشحذ الهمم وإحداث تغيير في مختلف المجالات التعليمية والتدريبية والمجتمعية والثقافية والفكرية، وصياغة أفضل وأنجع الخطط بأبسط الطرق وأحدثها لإنجاح عملية التغيير السلمية التي تخلق مجتمعا معافى ومستنيرا ويتقبل كل أنواع التغيير.
هذا التغيير مهر بدماء نقية وأرواح طاهرة نترحم عليها، وندعو الله أن يتغمدها بواسع رحمته، ويسكنها مع الشهداء والصدّيقين.
نجاح التغيير الذي ننشده والذي قامت من أجله الثورة السودانية مرهون الآن بخلق جو مثالي لقبول الآخر، وتجاوز الاختلافات العرقية والدينية والسياسة في السودان، والتي تمثل عقبة أمام جعل مناخ التعايش السلمي حقيقة، بما يسهم في تحقيق الحرية والسلام والعدالة.
السودان به أكثر من 300 لهجة محلية، بالإضافة إلى اللغة العربية، وأكثر من 600 قبيلة تستوطن مناطق السودان المختلفة، وتتوزع في أقاليمه وولايات، مما يفرض على من يتولى مقاليد الحكم أن يتعامل مع كل هذه الاختلافات العرقية والدينية، ويسهم في دمجها في وطن يسع الجميع، ويخلق جوا ومناخا ملائما للحريات الدينية والسياسية، من ثم تتحقق العدالة الاجتماعية وتندثر القبلية والجهوية في كل ربوع السودان.
إن فتح مجال لمناقشة قضايا المجتمع، وحفظ حقوق المرأة والطفل، ومختلف القضايا التي تهم الرأي العام وتمثل أولوية لدى المواطن، من شأنها أن تكفل حق الإنسان في أن يعيش حياة كريمة، وتكفل له كامل حقوقه وتوضح واجباته تجاه وطنه.
إن الشعب السوداني يحتاج إلى وقت ليتقبل هذا التغيير، ويبدأ التعامل بمبدأ المساواة والوعي الاجتماعي والفكري وتحقيق التعايش السلمي وتقبل الآخر.
إن التغيير قادم لا محال، لذا على السودانيين قبول الاختلاف في المجتمع وتغيير طريقة التفكير العقيمة التي رسختها سنوات من الكبت والحرمان، وانتهجت في الماضي، وكانت نتائجها خراب ودمار السودان.
يجب الامتثال إلى تقبل الآخر؛ لأنه مفتاح لتحقيق تطلعات الشعب، الذي أصبح يعي حقوقه ولا يثق في أي تغيير جديد دون موافقته ورغبته؛ لأن السودانيين أصبحوا واعين لما يدار ويحاك حولهم.
إن عملية الإصلاح الذي ينشده المواطن السوداني يجب أن يحوي تغييرا حقيقيا يلامس تطلعاته واحتياجاته ومعيشته، ويكون هو محوره الأول والأخير.
لذا يجب العمل على إعادة صياغة المناهج التعليمية بما يتماشى مع النهضة الحديثة، والعمل على التوعية المجتمعية وإرساء قواعد نبذ الجهوية والقبلية.
ما حدث سابقاً في السودان نتج عن الاختلاف الواضح في كل شيء، مما قاد إلى فشل كل الحكومات السابقة منذ الاستقلال، وإذا استمرت الحكومة الانتقالية في نفس نهج سابقاتها فسيكون مصيرها كمصير من سبقها، لذا التعامل مع القضايا السودانية بصورة حكيمة تخاطب جذور المشاكل هو الحل الأمثل والسليم و"قبول الآخر"، بعض النظر عن الاختلاف في الرأي أو الفكر أو الدين أو القبيلة هو السبيل لتحقق التعايش السلمي، وحفظ حقوق الشعب وضمان النجاح سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً.
إذا أرادت النخبة السياسية والاقتصادية والفكرية النهوض بالسودان يجب أن تعمل في البداية على عمل مسح كامل للعقلية السودانية التي سممها الإخوان المسلمون بفكرهم العقيم طوال ٣٠ سنة، لإنعاشها وإعادتها للحياة مرة أخرى، ويجب مخاطبة العقل الباطني للشعب السوداني ودخول قلوب السودانيين.
هذا إلى جانب العمل على تنمية العقلية السودانية الشابة في هذا التوقيت، الذي سيسهم بدوره في تحقيق نجاح مبادئ الثورة السودانية "حرية سلام وعدالة"؛ لأنها سوف تترسخ لدى كل كبير وصغير، وتحقق مفهوم الهوية الوطنية.
هنا أيضاً يبرز دور الساسة والإعلاميين الذين لا بد أن يكون لهم رأي فعال ومؤثر، وذلك من خلال تناولهم ومناقشتهم للقضايا التي تهم الشعب السوداني، والتي من شأنها تغيير التفكير السلبي إلى إيجابي، ليصبح كل سوداني منتج ومفكر في مجاله ويحقق حلم الوطن الواحد.
إن قضايا التغيير متعددة ومتشعبة ومتداخلة، لذلك جوهر التغيير هو النفس البشرية، ونملك في السودان من المؤهلات ما يجعلنا نحتل مكانة متقدمة، لذا لا بد من استقطاب الطاقة البشرية، خصوصا فئة الشباب والشابات؛ حيث هم المحرك الرئيسي للثورة، إذا تم استثمار طاقاتهم وإبداعاتهم فسنصبح من أفضل الدول في مختلف المجالات، ولن يتحقق ذلك ما لم نكن منفتحين على العالم الخارجي بروح صافية وعقل منفتح؛ لأن السودان يزخر بأبناء مؤهلين يعملون في العديد من بلدان العالم؛ حيث يمكن الاستعانة بهم في طرح برامج تطويرية في مختلف جوانب الحياة العملية والسياسية والاقتصادية والمجتمعية، وطرح برامج تطويرية وبرامج الموارد البشرية وبرامج الخدمات المجتمعية والمدنية، بهذه الخطوات نصنع مستقبلا مميزا ونفتح أبواب التطوير والحداثة في كل الجوانب بما يحقق رفعة الإنسان السوداني.
فهل يتقبل الشعب السوداني هذا التغيير؟ سؤال نتركه للسنوات المقبلة للإجابة عليه!!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة