إيران التي عُرف شعبها بنجاحاته في مختلف الصناعات الخفيفة والثقيلة لم يحتمل ما آل إليه حال البلاد اقتصاديا
الحرس الثوري والباسيج والجيش النظامي وأجهزة الأمن المدنية.. أركان حماية نظام ولاية الفقيه.. هل سيكون لأي منها كلمة في خط سير الانتفاضة التي تتسارع وتيرتها ضد نظام الولي الفقيه في مختلف مناطق الجمهورية الإيرانية؟ أم أن هذه الانتفاضة ستأخذ وقتها كما حدث إبان حكم الشاه محمد رضا بهلوي؟ حيث استغرق الأمر سنتين كاملتين من المظاهرات المتوالية التي أجبرت الشاه على اختيار المنفى، ليقتنص الفرصة حينها من وُصِف بقائد الثورة روح الله الخميني، وينصّب نفسه مرشداً للثورة وانتبذ لنفسه مكاناً سياسياً قصياً يحكم عبره بدجله وسحره مستغلاً تطلع الشعب حينها إلى نظام عادل، فرفع شعار الدين وألصق الإسلام باسم الدولة، ليتمكن من تمرير ما لديه من مخططات سياسية وقد نجح في ذلك عبر أربعة عقود.
انتفاضة الشارع الإيراني هذه المرة ليست كما في السابق، والتحرك هذه المرة اتخذ هدفاً موحداً وهو إسقاط نظام ولاية الفقيه، لأنه أدرك أن المشكلة ليست في إصلاح أخطاء اقتصادية بل في نظام صبروا عليه لأربعة عقود ولم يروا منه سوى الدجل والشعوذة.
الخميني القادم من مدينة خمين إحدى مدن محافظة مركزي الذي انتقل ليتعلم ويتشيخ في قم المدينة التي عُرِفت باحتضانها المرجعية العلمية للطائفة الشيعية، التي وللأسف الشديد اُختطِف أبناؤها فكرياً عبر هذه الطغمة الفاسدة التي فرضت سيطرتها وبطشها بمجرد استيلائها على السطلة في العام 1979.
لم يثق الخميني في جيش بلاده الذي قام بحماية الدولة إبان الثورة الإيرانية على محمد رضا بهلوي شاه إيران، فقام بإنشاء جيشه الخاص وهو الحرس الثوري الإيراني الذي كان شارك في قيادته المرشد الحالي علي خامنئي، وهذا ما يفسر الولاء التام الذي يدين به الحرس الثوري للمرشد ولنظام دولة الفقيه، ويفسر الصلاحيات التي تمنحه حق التحرك بموجب تفويض مفتوح ليس لحماية البلاد ومقدراتها بل لحماية "الفقيه" ونظامه، وليقدم خدمات الارتزاق في دول المنطقة مستغلا أوضاعها الأمنية والاقتصادية التي أسهم بشكل رئيسي في إضعافها أملاً منه في ملء الفراغ الذي أحدثه في هذه الدول، محيّدا بذلك دور الجيش الإيراني النظامي الذي تم تحجيمه وتدجينه ضمن هيئة أركان يرأسها منتسبون للحرس الثوري ويتلقون الأوامر من القائد الأعلى المرشد الأعلى.
ولو لاحظنا رتبة قيادات القوات المسلحة لوجدتم أعلاها رتبة الجنرال أو اللواء..على الرغم من الخبرة الطويلة التي يتمتع بها أولئك القادة وربما لهذا علاقة برتبة قائد حرس الثورة حين تأسيسها.
إيران التي عُرِف شعبها بنجاحاته في مختلف الصناعات الخفيفة والثقيلة لم يحتمل شعبها ما آل إليه حال البلاد اقتصادياً، فانتفضت هذه المرة وبشكل مختلف عما سبق من محاولات، حيث جرب الإيرانيون الطرق "الديمقراطية" وسيتساءل كثيرون عن أي ديمقراطية تتحدث .. فأجيبهم عن ديمقراطية الأمر الواقع التي فرضها المرشد ونظامه، جربوها من باب: وداوها بالتي كانت هي الداء.. عبر الانخراط في "العملية السياسية" بالشروط التي تتحكم فيها مؤسسات حماية خامنئي ونظامه وعلى رأسها مؤسسة "صيانة الدستور" وهي أعلى هيئة تحكيمية تتألف من 12 عضواً ستة منهم يعينهم المرشد والستة الباقون يزكيهم رئيس "السلطة القضائية" !
محاولات التغيير والإصلاح السابقة كانت بإرادات شعبية خالصة في أساسها، إلا أن من تصدروا المشهد وركبوا موجات الاحتجاجات لم يكونوا سوى رجال وتيارات الخطط البديلة التي يلجأ إليها نظام الملالي لامتصاص غضب الشارع واحتوائه وإبقاء سقف الاحتجاجات والمطالب تحت سقف النظام السياسي، عبر توجيهها إلى حقل الإصلاحات الاقتصادية ومحاصرتها في ذلك الإطار، ومن حاول نقل المعركة إلى درجة أعلى أي إلى المرحلة السياسية تم إخفاؤه من المشهد وهو ما حدث مع الإصلاحيين مهدي كروبي ومير حسين موسوي قائدي احتجاجات الحركة الخضراء التي خرجت في العام 2009 احتجاجاً على نتائج الانتخابات التي أوصلت أحمدي نجاد إلى منصب " الرئاسة"، فحين استشعرت خطورة وجدية الرجلين والاستجابة الطاغية التي حظيا بها في الشارع الإيراني قامت باحتجازهما تحت الإقامة الجبرية بل وصل الأمر بكروبي إلى الإضراب عن الطعام بعد أن امتنع النظام عن محاكمته علنيا كما طلب، لأنه متأكد من أن ذلك سيفضح كذبته ويفقده مصداقيته الزائفة أصلا.
انتفاضة الشارع الإيراني هذه المرة ليست كما في السابق، والتحرك هذه المرة اتخذ هدفاً موحداً وهو إسقاط نظام ولاية الفقيه، لأنه أدرك أن المشكلة ليست في إصلاح أخطاء اقتصادية بل في نظام صبروا عليه لأربعة عقود ولم يروا منه سوى الدجل والشعوذة، والأنكى أنهم يرون ثروات ومقدرات بلادهم تُحرق بشكل مهين في إشعال دول الجوار ودول المنطقة وتصدير الفوضى عبر إنشاء وتدريب وتسليح مليشيات تحظى برعاية مباشرة من نظام ولاية الفقيه.
حاول هذا النظام تجهيل شعبه فحاصره فكرياً وعقدياً وثقافياً وإعلامياً إلا أنه كان أقدر على تجاوز كل ذلك.. وصحيح أن الشعب أدرك متأخراً أنه أدرك وقع بين فكّي تمساح غدار لكن هذا التمساح شاخ قبل أن يتمكن من مضغ من أطبق عليهم بفكيّه، وما يحدث الآن هو تمكن جزء ممن صمدوا من مقاومة فكي التمساح الذي ترهلت عضلاته فاتحين الطريق أمام البقية، وها هم يشلون حركة التمساح ويشتتونه شيئاً فشيئاً، في انتظار مساندة حقيقية من أي معين.. وقد استجاب حتى الآن أبناء المعارضة الإيرانية بشكل معنوي حيث ما باليد حيلة، على الأقل في المرحلة الراهنة، اللهم إلا من تحركات مريم رجوي زعيمة المعارضة التي تقيم في المنفى هي وكل رفاقها من المعارضين الذين اضطروا للعيش بعيداً عن بلادهم خوفاً من هذا النظام الغادر،
الأمر في بدايته إلا أنه يتصاعد وينتشر انتشار النار في الهشيم خاصة مع وصول الموجة إلى العاصمة طهران واقتحام مقرات ميليشيات الباسيج التابعة للحرس الثوري، ومقتل واعتقال المئات بحسب ما تسمح لنا بمعرفته وسائل التواصل الاجتماعي النافذة التي من خلالها يتمكن الإيرانيون من نشر ما يقومون به في ظل التعتيم الإعلامي والقمع الأمني، والأيام القادمة كفيلة بالكشف عما تخبئ هذه الانتفاضة إضافة إلى الأنباء والمؤشرات اتي تشير إلى نقل المرشد وكبار معاونيه إلى إحدى القواعد العسكرية وتغيير مقرات اجتماعات الحكومة، ولجوء روحاني إلى استخدام عبارات في أول تعليق له مفادها تحريك الأنصار ضد المنتفضين..
ختاما ..هذه الانتفاضة الإيرانية ما هي إلا جرس إنذار عالي الصوت لمن يراهنون على نظام الملالي الراديكالي الشمولي المتطرف والديكتاتوري، ويستقوون به على إخوتهم الذين لا يزالون يتغاضون عن تصرفاتهم المشينة، فيتحالف بعضهم معه ويرتزق البعض الآخر منهم لتحقيق مكاسب ضيقة.. آن الأوان لفك الارتباط قبل فوات الأوان طالما أن ذلك بالإمكان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة