الواقع أن الخميني قد اختطف الثورة وحرفها عن مسارها وأهدافها، فبدأ بتصفية كل التيارات.
كانت شعارات الثورة الإيرانية في السبعينيات تستهوي الكثيرين وتشدهم في الداخل والخارج، في الداخل كانت الشعوب تنادي بتحسين الأوضاع الاقتصادية كهدف أساس للثورة الإيرانية التي أطاحت بعرش الشاه محمد رضا بهلوي، وقد شاركت في الثورة مختلف التيارات الإسلامية وغير الإسلامية، وكانت المطالب الاقتصادية على رأس تلك المطالب لجميع القوى، كان الشعب يعتقد بتبديد الثروة ويريد عائدات النفط إلى الشعب وتحسين الأوضاع الاقتصادية والتعليمية والرفاهية للمجتمع.
كانت شعارات الثورة الإيرانية في الخارج لنصرة المستضعفين والوحدة الإسلامية وتحرير فلسطين، مما استهوت الكثيرين من الخارج ولكنهم وجدوا بعد حين أنها شعارات كاذبة جوفاء تخفي حقدا كبيرا على المسلمين والعرب وتدمير البلدان، حتى فيلق القدس يجول الدنيا كلها ما عدا القدس!
وحينها طرح الخميني أهدافا معينة للثورة مثل أن الخدمات من الماء والكهرباء والغاز تكون مجانية للشعب، وأن يتحقق لكل مواطن إيراني منزل خاص يستحقه، وأن تكون المعاشات جيدة وحياة مرفهة، حتى إنّه أفتى بأن الضرائب كالماء والكهرباء والغاز حرام أخذها من الشعب. لم تكن الحياة بتلك السوء الذي نراه اليوم، فقد كانت الأكثرية العظمى من الشعب هي من الطبقة المتوسطة الموظفة والعاملة، وكان راتبها جيدا يكفيها ويزيد منه ما يجعله في فسحة للزواج والسفر والرفاه.
وكانت شعارات الثورة الإيرانية في الخارج لنصرة المستضعفين والوحدة الإسلامية وتحرير فلسطين مما استهوت الكثيرين من الخارج، ولكنهم وجدوا بعد حين أنها شعارات كاذبة جوفاء تخفي حقدا كبيرا على المسلمين والعرب وتدمير البلدان، حتى فيلق القدس يجول الدنيا كلها ما عدا القدس! ويقتل الشعب السوري الأبي، وها هو أمامكم العراق وسوريا واليمن ولبنان بسبب المليشيات الطائفية التابعة للنظام الإيراني.
الواقع أن الخميني قد اختطف الثورة وحرفها عن مسارها وأهدافها، فبدأ بتصفية كل التيارات سواء غير الإسلامية بل حتى الإسلامية غير المؤمنة بنظرية ولاية الفقيه، حتى استبد بالسلطة وبات فساده أكثر من الشاه، ولم ينفذ أي وعد من وعوده وحتى فتاواه للضرائب كالماء والكهرباء والغاز والخدمات التي ترتفع يوما بعد آخر لدرجة كبيرة غير قابلة للتحمل، حتى انعدمت الطبقة المتوسطة وباتت تحت خط الفقر لتعمل ثلاثة وظائف ولا تستطيع المعيشة. (راجع كتابينا: إيران من الداخل، والإمبراطورية الفارسية صعود وسقوط).
أصبح الشعب طبقتين؛ واحدة غنية جدا من أتباع ولاية الفقيه وأخرى طبقة محرومة فقيرة ومعدمة وهي الأكثرية الساحقة، وبات الشباب الذي يمثل الأكثرية لا يجد مستقبلا أو عملا، فيعيش بين الضياع والهجرة والمخدرات والسجون الممتلئة بالشباب.
إيران بلد غني جدا، ولكن الشعب فقير جدا، فأين تذهب الثروة الهائلة، فهي سابع أكبر منتج للنفط عالميا والثاني من دول أوبك، ولها احتياطي كبير من النفط يبلغ 10% من احتياطي العالم، ومن الغاز 15% من احتياطي العالم، لكن الأموال الهائلة تذهب إلى جيوب المسؤولين ثم تصرف أموالا هائلة على شراء الأسلحة لاسيما النووية والصواريخ الباليستية من كوريا الشمالية والصين والهند، فضلا عن دعم الحرس الثوري وفيلق القدس للمليشيات وأتباعهم في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وفلسطين وأفغانستان، وكذلك المؤسسات الشيعية الطائفية في مختلف أنحاء العالم وأدوارها المعهودة.
المظاهرات الكاسحة التي تخرج في المدن الإيرانية مثل طهران ومشهد وكرج وأصفهان وشيراز وغيرها، تنادي بسقوط النظام كله وحرق صور المرشد وشعار الموت للتيار الإصلاحي والتيار المحافظ كوجهين لنظام ولاية الفقيه، وترفض صرف الأموال على مليشيات الخارج في العراق وفلسطين ولبنان وسوريا واليمن، كما أن الملاحظ اليوم أيضا شعارات تتمنى رجوع الشاه ليحكم إيران وينقذها من سلطة ولاية الفقيه.. وهي بحق، لا يمكن مقارنة الشاه رضا بهلوي مع سلطة ولاية الفقيه الكهنوتية التى تحكم باسم الدين، وبسهولة تقتل من يخالفها أو تضعه تحت الإقامة الجبرية كمحارب لله ولرسوله، وإن كان من مراجع الدين الكبار مثل شريعتمداري والخاقاني ومامقاني وحتى منتظري خليفة ولي الفقيه.
النظام الإيراني كان يستغفل الشعوب الإيرانية بشعاراته التي استهلكت بعد أربعة عقود ولم تعد محركة له، وهو يرى نهب ثرواته أمام عينيه وسرقتها إلى جيوب المسؤولين الذين أتخموا وذويهم من أموال الشعب وهم يتصارعون على السلطة والمال وكذا مليشيات الخارج، وجاء يوم القصاص وانتفاضة الشعوب الإيرانية المحرومة والجائعة ومحاسبتها للمسؤولين، فالشعوب الإيرانية أولى بها من مليشيات الخارج.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة