أوروبا تتعقب "حرس إيران" وتستعد بقائمة الإرهاب.. لماذا الآن؟
كانت تغريدة مفاجئة على "تويتر" بمثابة كلمة سر لموجة متزايدة تتشكل على المستوى الأوروبي وتستعد لإغراق الحرس الثوري الإيراني.
إذ قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، في التغريدة الإثنين الماضي "إن تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية أمر مهم من الناحية السياسية ومنطقي".
وأضافت أنه "يجب إزالة العقبات القانونية قبل الإدراج.. لهذا السبب اتصلنا بالاتحاد الأوروبي لتوضيح المتطلبات".
تصريحات بيربوك ليست الأولى من نوعها التي ترد على لسان مسؤول ألماني، إذ تحدث المستشار أولاف شولتز في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن تكثيف الضغط على الحرس الثوري، بعد أيام من حديث بيربوك نفسها عن دراسة الاتحاد الأوروبي إدراج المنظمة الإيرانية على قوائم الإرهاب.
بيد أن تغريدة بيربوك، قبل يومين، كانت مختلفة عن التصريحات السابقة، إذ إنها جاءت بعد موجة غضب أوروبية من إعدام متظاهرين إيرانيين، دفعت الاتحاد الأوروبي وبرلين وباريس إلى استدعاء ممثلي طهران، وقبل اجتماع هام لمجلس الشؤون الخارجية الأوروبي.
تغريدات بيربوك تزامنت مع إرسال الحكومة الألمانية مذكرة للبرلمان "البوندستاغ"، اطلعت عليها "العين الإخبارية"، تقول فيها بوضوح "تجري الحكومة الفيدرالية محادثات مع شركاء الاتحاد الأوروبي بشأن مسألة إدراج الحرس الثوري ضمن نظام عقوبات الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب".
موقف باريس
كما أن تصريحات بيربوك وحديثها عن تحرك في أروقة الاتحاد الأوروبي لإدراج الحرس الثوري على قائمة التنظيمات الإرهابية، اكتسب أهمية مضاعفة لأنه لقي صدى سريعاً من أهم فاعل في هذا الملف، باريس.
ولدى سؤالها عمّا إذا كانت باريس ستدرج الحرس الثوري على قوائم الإرهاب، قالت آن كلير لوجندر المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية للصحفيين الثلاثاء الماضي "نظرا لاستمرار هذا القمع (أي قمع المتظاهرين)، تعمل فرنسا مع شركائها الأوروبيين على فرض عقوبات جديدة، من دون استثناء أي منها".
وكانت فرنسا تعارض حتى الآن ضغوط إدراج الحرس الثوري على قوائم الإرهاب، ولكن كلير تركت بهذه الكلمات الباب مفتوحا أمام هذا المسعى، عقب مزيد من وقائع الإعدام لمحتجين هذا الأسبوع والتنسيق العسكري الأوثق بين طهران وموسكو الذي شهد نقل طائرات مسيرة إلى روسيا في حربها على أوكرانيا.
وألمانيا وباريس ليسا وحدهما في خندق "عقوبات الحرس الثوري، إذ إن البرلمان الهولندي وجه الحكومة في 22 ديسمبر/كانون أول الماضي بالعمل في أروقة الاتحاد الأوروبي من أجل وضع الحرس الثوري على قوائم الإرهاب، بسبب قمع المتظاهرين وإرسال طائرات مسيرة إلى روسيا.
هذه التحركات الفردية المتتالية في أمستردام وبرلين وباريس، تسبق اجتماعا مهما لمجلس الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي في 23 يناير/كانون الثاني الجاري في بروكسل، حيث من المنتظر أن يناقش وزراء الخارجية الأوروبيون موجة جديدة من العقوبات على إيران، وفق ما علمته "العين الإخبارية".
حراك البرلمان الأوروبي
وقبل الاجتماع المرتقب لوزراء الخارجية الأوروبيين، سيكون هناك حراك مكثف داخل البرلمان الأوروبي، حول سبل معاقبة إيران في ملفي قمع المتظاهرين وتزويد روسيا بالمسيرات.
إذ قالت النائبة الأوروبية البارزة هانا نيومان في سلسلة تغريدات على "تويتر" تابعتها "العين الإخبارية" "سيكون هناك نقاش حول قرار بشأن إيران في الجلسة العامة المقبلة للبرلمان الأوروبي" مطلع الأسبوع المقبل.
نيومان التي تتصدر ملف إيران في البرلمان الأوروبي، تابعت "من المرجح أن يتم التصويت على القرار يوم الخميس 19 يناير/كانون ثاني".
وحول الدور الذي يمكن أن يلعبه البرلمان الأوروبي، أوضحت نيومان "لا يمكن للبرلمان فرض عقوبات، لكن سيكون هناك نقاش وتوصية بشأن إيران"، متابعة "يمكننا دعوة الدول الأعضاء إلى إدراج الحرس الثوري كمنظمة إرهابية".
فيما أكد نائب رئيس كتلة المحافظين والإصلاحيين في البرلمان الأوروبي، تشارلي ويمرز أن كتلته ستقود المناقشات في مشروع القرار المنتظر من أجل تضمينه نصا يدعو الدول الأعضاء لوضع الحرس الثوري على قائمة الإرهاب.
توصيف الواقع
ولا تعني المساعي المتزايدة في أوروبا لإدراج الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، أن المنظمة الإيرانية كانت تسبح في بيئة أوروبية مواتية طوال السنوات القليلة الماضية، فبروكسل تثقل بالفعل كاهل القوات المثيرة للجدل، بحزم من العقوبات.
وخلال الـ١٠ سنوات الماضية فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على الحرس الثوري الإيراني بأكمله بموجب نظام عقوبات أسلحة الدمار الشامل، وهي نفس العقوبات التي تفرض بمجرد وضع كيان على لائحة الإرهاب الأوروبية، وفق وثيقة طالعتها "العين الإخبارية".
وتشمل العقوبات وفق نظام عقوبات أسلحة الدمار الشامل تقييد حركة وأموال 19 شخصية مرتبطة بالمنظمة، و١١ كيانا يتصدرها الحرس الثوري ككل والقوات الجوية التابعة له وفيلق القدس، على خلفية تورطها في البرنامج النووي الإيراني وبرنامج الصواريخ الباليستية.
ومنذ تفجر قضية تسليم طهران مسيرات إلى روسيا عاقب الاتحاد الأوروبي الشخصيات والكيانات الرئيسية في الحرس الثوري الإيراني لدورها في هذا الملف، خاصة حسين سلامي القائد العام للحرس الثوري الإيراني، والقوة الجوية للحرس، وفق هانا نيومان.
الأكثر من ذلك، أن فيلق القدس التابع للحرس الثوري موجود على قائمة العقوبات الأوروبية منذ سنوات طويلة، لدعمه الإرهابيين والمسلحين الإسلامويين خارج إيران، ودوره في سوريا منذ بداية الأزمة في هذا البلد في 2011.
ورغم هذا الكم من العقوبات المفروض على الحرس الثوري أوروبيا ومعاناة المنظمة بالفعل من تجميد الأصول وصعوبة حركة قياداتها، ترى نيومان أن وضع الحرس الثوري على قوائم الإرهاب الأوروبية تبقى خطوة مهمة وضرورية، ورسالة سياسية بالغة الأهمية لطهران.
مسار التطبيق
وضع الحرس الثوري على قائمة التنظيمات الإرهابية في الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى عملية معقدة ومخططة جيدا، خاصة من الناحية القانونية، وفق ما ألمحت إليه وزيرة الخارجية الألمانية في تغريداتها قبل أيام.
وفي هذا الإطار، أكدت الخارجية الألمانية، في إفادة لـ"العين الإخبارية"، أن ألمانيا ستزيد الضغط على إيران، خاصة على الحرس الثوري.
وأوضحت "لذلك بدأت الحكومة الفيدرالية مناقشات داخل إطار الاتحاد الأوروبي لفحص القضايا القانونية للإدراج"، أي إدراج المنظمة الإيرانية في قوائم الإرهاب.
المنفذ القانوني
هذه القضايا القانونية من منظور الخارجية الألمانية تسميها النائبة نيومان "مخاوف قانونية"، وتوضحها كالتالي "لإدراج منظمة في قائمة الإرهاب، فإنها تحتاج إلى إدانة أو على الأقل تحقيق ضدها بسبب أعمال إرهابية في الدول الأعضاء على الأقل".
وتابعت في تغريداتها التي تابعتها "العين الإخبارية"، "إضافة الحرس الثوري على قائمة الإرهاب ثم وقف محكمة أوروبية للقرار، سيكون الأسوأ من بين جميع الإشارات السياسية"، مضيفة "لذلك نحن بحاجة إلى التأكد من أن أي وضع للحرس الثوري على قائمة الإرهاب قوي وصامد قانونيا".
وبصفة عامة، كل عقوبات الاتحاد الأوروبي، ومن بينها الوضع على قوائم الإرهاب، يتم تبنيها من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالإجماع، ويحدث ذلك عادة في اجتماعات مجلس الشؤون الخارجية.
ووفق جايسون برودسكي، مدير السياسات في منظمة "متحدون ضد إيران النووية"، وهي منظمة غير حزبية وغير ربحية في الولايات المتحدة، فإن الأساس القانوني لتصنيف الحرس الثوري إرهابيا في الاتحاد الأوروبي، متوفر بالفعل.
وقال برودسكي في تصريحات لـ"العين الإخبارية": "تورط الحرس الثوري الإيراني في مؤامرات إرهابية على أراضي الاتحاد الأوروبي، فقد حاول مؤخرا اغتيال مواطن فرنسي في باريس باستخدام تاجر مخدرات إيراني".
وتابع "بالإضافة إلى ذلك هناك حادث اختطاف الحرس الثوري الإيراني ثم إعدامه للمعارض روح الله زم، الذي كان في المنفى في فرنسا".
لكن النائب عن الاتحاد المسيحي الألماني ومتحدث الاتحاد في الشؤون الخارجية نوربرت روتغن وسع المنظور القانوني، إذ ذكر أن الأساس القانوني لتصنيف الحرس الثوري إرهابيا لا يقتصر على قضايا وملفات داخل الاتحاد الأوروبي.
وقال في تغريدة تابعتها "العين الإخبارية": "لا يوجد عدم يقين قانوني(في مسألة التصنيف).. تعلم وزارة الخارجية الألمانية أن الإدراج على لوائح الإرهاب يمكن أن يستند إلى قضايا خارج الاتحاد الأوروبي، لكنها لا تقول ذلك علنا"، لافتا إلى أن وزارة الخارجية ذكرت ذلك في مذكرة للبرلمان الألماني.
وأوضح "هناك قرار صادر عن محكمة جنائية في الولايات المتحدة بشأن تورط الحرس الثوري في الإرهاب"، لافتا إلى إمكانية إدارج المنظمة الإيرانية على قوائم الإرهاب الأوروبية على هذا الأساس، انطلاقا من التزام المحاكم الأمريكية بحكم القانون.
لماذا الآن؟
بدوره، تحدث برودسكي عن أسباب تحرك الدول والمؤسسات الأوروبية في الوقت الحالي، وقال "يتزايد الضغط السياسي بالتأكيد على الاتحاد الأوروبي لإضافة الحرس الثوري إلى قائمته للإرهاب، بعد ظهور تقارير تفيد بأن المملكة المتحدة تعتزم القيام بذلك، ما يضع ضغطا أكبر على بروكسل لتحذو حذوها".
وتابع: "لطالما كان الاتحاد الأوروبي بعيدا عن هذه القضية إذا ما قورن بالولايات المتحدة، حيث يخضع الحرس الثوري الإيراني هناك (أمريكا) لعدة عقوبات إرهابية منذ سنوات".
ومضى قائلا "حان الوقت لأن ينضم الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة وقريباً المملكة المتحدة في الاعتراف بالحرس الثوري الإيراني على ما هو عليه: منظمة إرهابية".
ضربة قاصمة
وفيما يعاني الحرس الثوري بالفعل من عقوبات أوروبية تحت عناوين مختلفة منذ سنوات طويلة، يعد وضع المنظمة على لوائح الإرهاب ضربة قاصمة أخيرة، تفاقم عزلته وتشل حركته، خاصة في ظل تبني الولايات المتحدة الخطوة في 2017، ومساعي بريطانيا للسير في نفس الطريق.
وبصفة عامة، فإن تصنيف الحرس الثوري تنظيم إرهابي، يضع بشكل تلقائي قيود هجرة وسفر على أعضاء المنظمة بسبب عضويتهم السابقة أو الحالية، لذلك يمكن الآن منع أي شخص ينتمي إلى المنظمة من دخول أوروبا، وفق تقرير سابق لمعهد واشنطن "بحثي".
كما أن التنصيف يرتبط تلقائيا بحظر تقديم دعم مادي أو موارد للحرس الثوري الإيراني عن عمد، وترتيب عقوبة جنائية في حال انتهاك الحظر، فضلا عن تطبيق صارم لمصادرة أصول المنظمة الإيرانية في أوروبا.
الأكثر من ذلك، أن التنصيف يجعل الدول والشركات تفكر مليا في التعامل مع إيران، نظرا لأن الحرس الثوري الإيراني متجذر بشكل كبير في الاقتصاد الإيراني، بحسب المصدر ذاته.
النقطة الأهم هي الرمزية السياسية التي يحملها قرار إدراج الحرس الثوري كتنظيم إرهابي في أوروبا، والمتمثلة في عدم وجود باب مفتوح لعلاقات طبيعية مع طهران، وإصرار الاتحاد الأوروبي على وقف الأخيرة كافة أنشطتها القمعية داخليا والمزعزعة للاستقرار خارجيا.
وفي هذا الإطار، قالت نيومان "هناك إرادة سياسية قوية في الوقت الحالي لوضع الحرس الثوري على قائمة الإرهاب.. ستكون رسالة سياسية قوية للغاية".
aXA6IDE4LjIyNi4yMDAuOTMg جزيرة ام اند امز