السبب الذي جعل إيران تطالب برفع "الحرس الثوري" من قائمة الإرهاب، في المراحل الأخيرة من مفاوضات الاتفاق النووي، يعود إلى أن هذا التنظيم يسيطر على نحو ثلث اقتصاد إيران.
إذ يتحكم الحرس الثوري في نحو 100 شركة كبرى، تضم أكثر من 800 شركة فرعية تعمل في مختلف المجالات الصناعية والتجارية والخدمية.. وهي تستهدف في مجموعها تمويل عملياته ونشاطات المليشيات والشركات التابعة له في الخارج.
بقاء اسم "الحرس الثوري" في قائمة الإرهاب يعني أيضا أن "مجموعة العمل المالي" الدولية "فاتف" التي تراقب عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لن ترفع اسم إيران من القائمة السوداء، الأمر الذي يعرقل حصول إيران حتى على أموالها المحتجزة في المصارف الغربية، التي تبلغ أكثر من 100 مليار دولار. هذا بالإضافة إلى عائدات تصدير النفط الأخرى، إذا ما تم رفع الحظر عنها.
السماح بعودة هذه الأموال سوف يشترط ألا يتم توظيف أي جزء منها لخدمة النشاطات الإرهابية، أو لتمويل عمليات المنظمات المتهمة بأعمال إرهاب.
وبعبارة أخرى، فإن هذه الأموال يتعين ألا تذهب في النهاية إلى تمويل الشركات التابعة لمنظمة "الحرس الثوري"، أو لإبرام أي تعاقدات معها لتنفيذ أي مشروع من مشاريع العمل التي تسيطر عليها هذه الشركات.
الاتفاقية الدولة لمكافحة تمويل الإرهاب، التي وقعتها دول العالم في عام 1999، ودخلت حيز التنفيذ في 10 يناير 2000، تنص في مادتها الثانية على: "يرتكب جريمة بمفهوم هذه الاتفاقية، كل شخص يقوم بأي وسيلة كانت، مباشرة أو غير مباشرة، وبشكل غير مشروع وبإرادته، بتقديم أو جمع أموال بنية استخدامها، أو هو يعلم أنها ستستخدم كليا أو جزئيا للقيام بعمل يشكل جريمة في نطاق إحدى المعاهدات المرفقة (...) في أعمال عدائية في حالة نشوب نزاع مسلح، عندما يكون غرض هذا العمل، بحكم طبيعته أو في سياقه، موجها لترويع السكان، أو لإرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بأي عمل أو الامتناع عن القيام به".
وهذا وصف دقيق لمجمل نشاطات الحرس الثوري الإيراني وشركاته وتنظيماته في إيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن.
المعاهدة ذاتها تطالب في مادتها الخامسة بأن: "تتخذ كل دولة طرف التدابير اللازمة، وفقا لمبادئها القانونية الداخلية، للتمكين من أن يتحمل أي كيان اعتباري موجود في إقليمها أو منظم بموجب قوانينها المسؤولية إذا قام شخص مسؤول عن إدارة أو تسيير هذا الكيان، بصفته هذه، بارتكاب جريمة منصوص عليها في المادة 2. وهذه المسؤولية قد تكون جنائية أو مدنية أو إدارية".
هذا القانون، بكثير من تفاصيله الأخرى، يُلزم إيران التصدي لنشاطات منظماتها الإرهابية، سواء اعتبرتها كذلك أم اعتبرتها أعمالا تتسمى بتسميات أخرى.
ما يهم في المسألة هنا، هو ليس الأوصاف التي تطلقها إيران على تلك الأعمال، وإنما الوصف الذي تطلقه المؤسسات الدولية التي تحتاج إيران إلى التعامل معها.
يمكن لإيران ألا تتعامل مع هذه المؤسسات لتهنأ بالتسميات التي تشاء لمنظماتها الإرهابية، ولكنها لا تستطيع، في المقابل، أن تُلزم هذه المؤسسات التغاضي عن تمويلها، أو تسهيل تعاملاتها المصرفية.
وإزاء تمسك إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ببقاء "الحرس الثوري" ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، خلال مشاركته في أعمال منتدى دافوس، إن رفع اسم الحرس الثوري من القائمة "مسألة ثانوية".
إذا نظر المرء إلى "حصة" الحرس الثوري من الاقتصاد الإيراني، التي تبلغ نحو 140 مليار دولار سنويا، والتي تجعله ثاني أكبر "مؤسسة اقتصادية" في البلاد بعد مؤسسة النفط الإيرانية، يستطيع بسهولة أن يدرك شيئين:
الأول، أنها ليست "مسألة ثانوية"، ولكن اعتبارها كذلك تعبير عن الشغف بتوقيع الاتفاق النووي، لأنه حتى مع بقاء هذا القيد، يظل يعمل في صالح إيران.
والثاني، هو أن إيران تسعى إلى الالتفاف على العقوبات التي تُفرض على النشاطات الاقتصادية للحرس الثوري، لتمارس بذلك واحدة من أوسع محاولات الضحك على الذقون. والالتفاف قد يعني تحويل إدارة شركات الحرس الثوري أو بعضها، إلى مؤسسات أخرى، تؤدي الغرض نفسه.
ما لا تستطيع الولايات المتحدة، ولا إيران نفسها، أن تتلاعب به، هو أن قائمة الشركات التابعة لهذه المنظمة، الرئيسية منها والفرعية، يجب ألا تكسب قرشا واحدا من الأموال الإيرانية التي قد يُمكن الإفراج عنها في حال تم التوقيع على وثائق العودة إلى الاتفاق النووي.
عندما يتعلق الأمر بتمويل الإرهاب، فإن الرقابة على المال ليست أقل أهمية من الرقابة على نشاطات تخصيب اليورانيوم. والشركات التي تسهم في تمويل تنظيم إرهابي، لا يكفي أن تُحصى وتحصر، ولكن يجب، بحسب "الاتفاقية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب"، أن يتم تجفيف قدرتها على الاستفادة من المال.
في كل جريمة، فإن خيط المال هو واحد من أهم الخيوط التي تدل على مرتكبها. ولقد وفر "الحرس الثوري الإيراني"، حبالا طويلة تدل عليه وليس خيوطا فقط.
مؤسسات من قبيل "ياس" و"خاتم الأنبياء"، "وآستان القدس"، و"مؤسسة المستضعفين"، و"اللجنة التنفيذية لتوصيات الإمام" وغيرها، توفر التمويلات من نشاطات اقتصادية يجري تحريمها على القطاع الإيراني الخاص، بينما شركات أمنية من قبيل "حزب الله" الإرهابي في لبنان ومليشيا "الحوثي" في اليمن هي المستفيد النهائي منها.
لا شيء من ذلك يخفى على الذين قد يضعون توقيعاتهم على الاتفاق النووي. وسيكون شريكا في الجريمة، كل مَنْ يعلم إلى أين سوف يذهب المال، إذا سمح به.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة