«التخصيب الصفري».. رقصة على «لغم» إيراني

مع عودة المفاوضات بين واشنطن وطهران، ووسط خطاب متفائل تبنّاه مسؤولون أمريكيين وإيرانيون، يتجذّر خلاف جوهري حول ما يُعرف بـ«التخصيب الصفري»، وهو هدف طالما تبنّته أجنحة «متشددة» في العاصمة الأمريكية.
إلا أن «الاستسلام لهذا الرأي المتشدد لعقود من الزمن لم يؤد إلا إلى برنامج نووي إيراني أكبر وأكثر تقدماً»، بحسب موقع ريسبونسبل ستيت كرافت، الذي قال إن المطالبة بإنهاء كامل لبرنامج التخصيب الإيراني، أو ما يعرف بـ«التخصيب الصفري» باتت «أمرًا غير واقعي».
وأوضح أنه في حين أحرزت الجولات السابقة تقدمًا نحو الحد من تخصيب إيران النووي - وإن لم يُلغِه تمامًا - بل ودفعت إلى مناقشات تقنية موازية، شهدت الجولة الأخيرة تراجعًا طفيفًا، بسبب إصرار الولايات المتحدة على مطلب تخلي إيران عن التخصيب المحلي كليًا.
وتمتلك إيران ما يزيد على 20 ألفًا و600 من أجهزة الطرد المركزي، قال الموقع عنهم، إن إغلاقهم ليس ضروريًا لتحقيق هدف ترامب المعلن المتمثل في منع إيران من امتلاك سلاح نووي.
فهل هناك فرصة لتحقيق حلم «التخصيب الصفري»؟
بحسب الموقع الأمريكي، فإن حلم التخصيب الصفري، لم يثبت أنه هدف غير قابل للتحقيق فحسب، بل مضاد للإنتاجية؛ إذ يمنح إيران المزيد من الوقت للمضي قدما في برنامجها، بينما يؤخر القيود التي من شأنها أن يفرضها اتفاقا واقعيا قائما على التحقق.
في عام 2003، اقترحت إيران على الولايات المتحدة اتفاقًا شاملًا يهدف إلى حل جميع النزاعات الرئيسية، بما في ذلك فرض قيود على برنامجها لتخصيب اليورانيوم. في ذلك الوقت، لم يكن لدى طهران سوى 164 جهاز طرد مركزي، ولم يكن لديها مخزون من اليورانيوم منخفض التخصيب، ولم تكن قادرة على التخصيب بنسبة تزيد على ٣٫٦٧٪ - وهي نسبة كافية لإنتاج وقود مدني.
إلا أن إدارة جورج بوش لم تتجاهل الاقتراح فحسب، بل عاقبت -أيضًا- السفير السويسري في طهران لتقديمه عرضًا دبلوماسيًا إيرانيًا لواشنطن. بالنسبة لبوش، لم يكن أي شيء أقل من وقف التخصيب تمامًا وتغيير النظام في إيران مقبولًا.
وفي غياب اتفاق، توسّع البرنامج النووي الإيراني باطراد. وبحلول عام 2006، كان البرنامج يشغل أكثر من 3000 جهاز طرد مركزي، مما دفع إدارة بوش للموافقة على مضض على دعم المحادثات التي تقودها أوروبا، لكنها فرضت شرطًا مسبقًا مُهمًا: على إيران وقف التخصيب قبل بدء المفاوضات. وكما كان متوقعًا، تعثرت الدبلوماسية، وتقدم البرنامج الإيراني دون رادع.
وبحلول الوقت الذي تولى فيه باراك أوباما منصبه عام 2009، كانت إيران تُشغّل 8000 جهاز طرد مركزي، وكانت قد خزّنت 1500 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب - وهو ما يكفي لصنع سلاح نووي واحد إذا ما خُصّب أكثر.
تعثرت جهود أوباما الدبلوماسية المبكرة، لكن بحلول عام 2012، حققت المحادثات السرية في عُمان تقدمًا ملحوظًا، حيث أشارت الولايات المتحدة، ولأول مرة، إلى أنها ستقبل التخصيب في إيران مقابل قيود صارمة وعمليات تفتيش دقيقة.
«إنجاز»، مهد الطريق لخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، المعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني. وبحلول وقت تطبيقه، كانت إيران قد وسّعت برنامجها ليشمل 19 ألف جهاز طرد مركزي، وجمعت أكثر من 10 آلاف كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب.
وعلى مدى العقدين الماضيين، لم تسفر المطالبة المستمرة بالتخصيب الصفري ــ وهو هدف غير قابل للتحقيق ــ إلا عن برنامج نووي إيراني أكبر وأكثر تقدما من خلال تأجيل فرض حدود واقعية وقابلة للتنفيذ على التخصيب.
«فخ» التخصيب الصفري
ورغم أن هذه التأخيرات كانت ضارة في الماضي، إلا أنها تُشكل خطرًا أكبر اليوم في ظل الأزمة الوشيكة بشأن احتمال إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة، وهذا سبب آخر يدفع ترامب إلى «تجنب الوقوع في فخ التخصيب الصفري»، بحسب الموقع الأمريكي.
وبينما تجري واشنطن مفاوضات مع طهران، هناك مخاوف من استخدام أوروبا آلية «سناب باك»، التي أُنشئت كجزء من خطة العمل الشاملة المشتركة، وتسمح لأي طرف في الاتفاق النووي بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران بسرعة، دون التعرض لخطر استخدام حق النقض (الفيتو) من أي عضو دائم في مجلس الأمن.
وينتهي العمل بهذه الآلية في أكتوبر/تشرين الأول، وتميل الأطراف الأوروبية - فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة - إلى تفعيلها قبل هذا الموعد النهائي.
إلا أن طهران أوضحت أنه: في حال تفعيل آلية «سناب باك»، فإنها لن تنسحب من الاتفاق النووي فحسب، بل ستخرج أيضًا من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) وتطرد جميع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما يحول برنامجها النووي فعليًا إلى صندوق أسود.
ويستغرق الخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي 90 يومًا، تبقى خلالها فرصة لعكس المسار. ولمواءمة هذه الجداول الزمنية، من المتوقع أن يبدأ الأوروبيون عملية «سناب باك» في يونيو/حزيران، مما يضمن تزامن الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي وإعادة فرض العقوبات بالكامل قبل أكتوبر/تشرين الأول مباشرةً.
وسيُتيح هذا مهلة 90 يومًا لـ«مفاوضات بالغة الأهمية»، وهو أمرٌ ينبغي على ترامب تجنّبه لعدة أسباب:
السبب الأول:
نقطة البداية ستكون أسوأ بكثير من المحادثات الحالية، نظرًا للتصعيد الناجم عن إعادة فرض العقوبات والانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي.
السبب الثاني:
سيُجبر الأوروبيون على العودة إلى العملية، مما يُعقّد الأمور بلا داعٍ.
السبب الثالث:
مع تضاؤل فرص النجاح، من المرجح أن تتجه المحادثات نحو إعادة التفاوض على الموعد النهائي لإعادة فرض العقوبات لمنع الانهيار التام وتجنب المواجهة العسكرية.
ونتيجةً لذلك، «سيُستهلك الوقت الثمين الذي كان ينبغي استثماره في فرض قيود على الأنشطة النووية الإيرانية في مفاوضات حول قرار جديد لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتمديد مهلة إعادة فرض العقوبات»، بحسب الموقع الأمريكي، الذي قال إن هذه المحادثات ستواجه «صعوبةً إضافيةً تتمثل في التوفيق بين مصالح الأوروبيين وروسيا والصين، في ظلّ التعامل مع صراعات جيوسياسية أخرى (مثل أوكرانيا)».
وأشار إلى أن كل هذه المسارات تؤدي في نهاية المطاف إلى السيناريو الأسوأ: انهيار الدبلوماسية والتحول المحتمل نحو العمل العسكري.
وعلى مدار العام الماضي، أدرك الجيش الأمريكي أن قدرات إيران الصاروخية أكثر تطورًا وخطورة مما كان يُعتقد سابقًا. وكان رد إيران الصاروخي على إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2024، خلافًا للروايات السائدة، فعالًا للغاية، إذ اخترق الدفاعات الجوية الإسرائيلية - من القبة الحديدية إلى صواريخ آرو، ومقلاع داود، والباتريوت.
وردًا على هذا الفشل، طلبت حكومة نتنياهو من الرئيس جو بايدن نشر نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي الأكثر تطورًا، ثاد، في إسرائيل. وقد استجاب بايدن للطلب.
ودفع الهجوم الإيراني البنتاغون إلى مراجعة تقديراته للخسائر البشرية في حرب محتملة مع إيران. ومن المرجح أن هذه التقديرات عُدِّلت مرة أخرى بعد أن اخترق صاروخ حوثي واحد نظام ثاد والدفاعات الجوية الإسرائيلية، وضرب مطار بن غوريون الأسبوع الماضي.
وأكد الموقع الأمريكي، أنه يمكن تجنب كل هذه السيناريوهات الأسوأ، إذا «تجنب ترامب الذي يمتلك فرصة أفضل للتوصل إلى اتفاق قوي مع إيران من أي رئيس سابق، أخطاء الماضي ووهم التخصيب الصفري».
aXA6IDMuMTQ0LjI1Mi4xOTcg جزيرة ام اند امز