السؤال الآن هو: ما الذي يتعين على أوروبا أن تفعله، ليس حيال هذا العمل فحسب، وإنما حيال التهديد الذي تجسده "مؤسسة" الإرهاب الإيرانية؟
إذا ثبت، بالدليل القاطع، أن إيران هي أكبر منظمة للإرهاب في العالم، وأن أدواتها لا تقتصر على عملاء مباشرين وغير مباشرين، أو على مليشيات تنشط كعصابات جريمة منظمة، وإنما تمتد لتكون عملا "مؤسسيا"، فماذا يتعين على أوروبا أن تفعل في مواجهة هذا الإرهاب؟
العمل الإرهابي الذي سوف يحاكم عليه أربعة من عملاء إيران يوم 27 نوفمبر الجاري في بلجيكا، سوف يقدم الكثير من الأدلة على طبيعة النشاط الإرهابي "المؤسسي" الذي تقوم إيران برعايته ودعمه وتنظيمه.
المتهمون الأربعة هم، أسد الله أسدي، السكرتير الثالث في السفارة الإيرانية في فيينا، وهو ضابط في وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية، ورئيس محطتها في أوروبا. ومهرداد عارفاني، وهو عميل سري لوزارة المخابرات الإيرانية. والزوجان أمير سعدوني ونسيمة نعامي، وهما عميلان مدربان في وزارة الاستخبارات. أما العملية الإرهابية فقد كانت تستهدف تفجير مؤتمر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الذي انعقد في 30 يونيو 2018 في بلدة فيلبينت، إحدى الضواحي الشمالية لباريس، وكان يشارك فيه عشرات الآلاف من المندوبين والمدعوين، ومن بينهم أكثر من 20 شخصية سياسية ودبلوماسية وبرلمانية من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي وغيرها من دول العالم.
وبحسب تقارير أجهزة الأمن التي قدمت إلى المحكمة البلجيكية التي ستعقد في أنتويرب، فإن الزوجين سعدوني ونعامي تسلما من أسدي حقيبة متفجرات في مطعم للبيتزا في لوكسمبورغ يوم 28 يونيو، وعادا بها انتويرب قبل أن يزمعا التوجه بسيارتهما المرسيدس الرمادية إلى فيلبينت. وقالت أجهزة المخابرات التي ألقت القبض عليها يوم 29 يونيو إن انفجار الحقيبة التي تحتوي على مادة بيروكسيد الاسيتون، يمكن أن تؤدي إلى ضحايا في دائرة قطرها 100 متر.
هذه العملية تم التخطيط لها من قبل رضا أمير مقدم رئيس منظمة الاستخبارات والحركات الأجنبية بوزارة المخابرات الإيرانية، التي يقودها محمود علوي. والأدلة التي وضعت أمام المحكمة تشير إلى أن القرار اتخذه مجلس الأمن الأعلى برئاسة الرئيس حسن روحاني، ووافق عليه "المرشد الأعلى" علي خامنئي. وتم تكليف وزارة الاستخبارات والأمن الداخلي بتنفيذه بالتنسيق مع وزارة الخارجية. وهو ما يعني أن العمل الإرهابي كان كبيرا في حجمه، كما كان رسميا من ناحية التخطيط له وتوفير مستلزماته.
والأدلة التي تثبت تورط "مؤسسة" النظام الإيراني هي التي دفعت وزراء الداخلية والخارجية والاقتصاد الفرنسيين، بعد أشهر من التحقيقات، إلى إصدار بيان مشترك في 2 أكتوبر 2018 قالوا فيه إنهم قرروا تجميد أصول وزارة الاستخبارات الإيرانية واثنين من مسؤوليها بسبب "هذا العمل الخطير للغاية على أراضينا".
السؤال الآن هو: ما الذي يتعين على أوروبا أن تفعله، ليس حيال هذا العمل فحسب، وإنما حيال التهديد الذي تجسده "مؤسسة" الإرهاب الإيرانية؟
هل سيكون من المعقول، أن تقوم أوروبا التي لا تترك منبرا للتنديد بالإرهاب إلا واعتلته، أن تكافئ النظام الإيراني بأي نمط من علاقات التعاون؟
هل يعقل، أن تفرج عن الإرهابيين الأربعة الذين في الواجهة، مقابل أن يقوم الإرهابيون الأربعة الذين في الخلف بإطلاق سراح رهائن غربيين تحتجزهم إيران؟
وماذا يمكن لصفقة كهذه أن تقول لتنظيمات الإرهاب الأخرى؟ هل تقول لهم: خذوا رهائن قبل أن تنفذوا عمليات إرهاب؟ ماذا تقول صفقة كهذه لإيران نفسها؟ ألن تعني كلمة جملة واحدة: استمروا، وسوف نجد سبيلا للمساومة؟
وعندما تجد نفسك في مواجهة دولة تمارس الإرهاب على أعلى المستويات، فبأي معنى يمكن أن تكون لك معها "مصالح"؟ ألن تكون هذه "المصالح" ملوثة بدماء أبرياء تعرف أنهم سوف يسقطون بهذه الجريمة أو تلك، اليوم أو غدا؟
نظام كهذا، هل يمكنه أن يحترم أي اتفاق؟ هل يمكن الثقة به؟ وإذا كان دبلوماسيوه إرهابيين، فكيف هو حال الصعاليك فيه؟ وكيف يمكن لأي دولة أن تأمن حقائب إيران الدبلوماسية التي لا تخضع للتفتيش؟ ولو أن علاقات التعاون انطوت على الحصول على أموال، فإلى أين ستذهب تلك الأموال؟
كل هذه أسئلة يتعين على أوروبا الضحية أن تجيب عليها. وأن تقف أمام نفسها لتعترف بصراحة، بأن نظام جريمة كهذا لا يستحق إلا العزلة والنبذ وتجفيف الموارد.
فإذا كانت الأدلة ساطعة لا لبس فيها، أفلا يقتضي المنطق أن يكون الرد ساطعا لا لبس فيه؟
إن أي مظهر من مظاهر المساومة أو التسوية مع الإرهاب، سوف لن يكون مجرد تواطؤ مع الإرهاب، كما لن يُفرغ الحملة ضد الإرهاب من محتواها، ولكنه فوق كل ذلك سوف يوصل الرسالة الخطأ لكل إرهابي آخر، ليقول لهم إن أوروبا التي تستأسد على الإرهاب الفردي، تجبن أمام الإرهاب الرسمي المنظم، وهذا ما لا يليق بمكانة أوروبا في العالم، ولا حتى بمكانتها أمام نفسها، كما لا يليق بالسياسة ولا الدبلوماسية ولا المصالح.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة